الرغيف الأسود.. مرآة بؤس المواطن العربي / هناء عبيد
1 فبراير 2022، 00:00 صباحًا
من الجميل أن نتعرف على حياة الآخرين من خلال ذكرياتهم أو سيرتهم الذاتية، وهذا ما جاء في كتاب الرغيف الأسود الّي أطلعنا على طبيعة الحياة في المغرب، فقد استطاع الكاتب حسن المصلوحي أن يأحذنا إلى عوالمه من خلال عدة فصول تسلط الضوء على معظم جوانب الحياة في المغرب، الاجتماعية والسياسية و الجغرافية وغيرها من الأمور التي تهم الشعوب.
ويبدو أننا نتشابه نحن العرب في ظروف حياتنا في كل المراحل منها، إذ نرى كم هي متشابهة طفولتنا وإن تفاوتت أحيانا في بعض الفروقات، فمن خلال أحد الفصول يطلعنا الكاتب على طفولته في الحي الذي كان يعيش فيه وكيف كان للطبيعة الدور الأكبر في صقل شخصيته، فهو يعتبر أن الطبيعة هي المربي الأول للطفل، حيث يعرفنا على شقاوته هو وأترابه حينما كانوا يلاحقون الأفاعي والعقارب، وكم كان يعشق المطر والريح والبحر والشمس، والأرض التي كان يلتقط نباتها مثل الخبيزة والحريكة، هذه الطفولة تتشابه كثيرًا مع طفولتنا وشقاوتنا في فلسطين، وإن اختلفت في بعض التفاصيل فالجوهر واحد، فقد كنا في طفولتنا نعشق الشمس والمطر والريح، ونلعب بالماء والطين والتراب، ونلتقط الخبيزة وبعض الأعشاب الأخرى كالببونج من الأرض، كم كانت طفولة جميلة رغم كل ما كان يعتريها من بؤس وشقاء، وربما هذا ما يجعلنا أحيانا نشفق على طفولة هذا العصر الّتي ارتبطت بالألكترونيات واتسمت بالجمود ومحدودية الاطلاع ومعرفة الطبيعة التي تبني الأجسام وتنمي العقل والشخصية.
وفي فصل عنونه بأول يوم في الدراسة، يحدثنا عن المدارس في طفولته وعن سياسة الضرب التي تكرّه الأطفال بالدراسة، ومدى بشاعة تأثيره على النفس، وأظنها أساليب ما زالت متبعة في بعض البلدان العربية، كما يأخذنا معه لنشاركه خياله الّذي كان يصور له الهروب من المدرسة للتخلص من عصا المعلم، كلها ذكريات تأخذنا إلى طفولتنا المشابهة لطفولته، وكأننا نحن أبناء العروبة كتب علينا البؤس والخوف والضرب حتى في مراحل التعلم والدراسة، لكن رغم كل ذلك كان اجتهادنا كبيرًا كما اجتهاد طفولة حسن ورفاقه في خلق مساحات الفرح من بين ضغوطات الحياة التي تضيق العيش. ولا ينسى أن يحدثنا عن مدى حبه لمعلمته سمية واحترامه لها، ولا تخلو أيام الدراسة من الشقاوة التي لا يتخلى عنها الأطفال، إذ يحكي لنا عن سرقة الطلاب لقلمه الأخضر وانتقامه منهم بسرقة أغراضهم.
يعرفنا الكاتب من خلال ذكرياته على بعض العادات والتقاليد المتبعة في المغرب عند احتباس المطر، كما نتعرف معه على بعض الأغاني والتراث الشعبي فيه، وبعض الطقوس المتبعة لإقامة صلاة الاستسقاء، أيضا يطلعنا على الأزياء الشعبية التراثية المغربية.
يحدثنا الكاتب عن حكايا العشق الّتي تبدأ بحبه الطفولي لابنة الجيران التي كان يرافقها إلى المدرسة، والّتي كان يشترك معها في حياة البؤس حيث منازلهم المبنية من الصفيح الّذي لا يستطيع أن يمنع مياه المطر من التسرب إلى داخل البيت، وهذا يأخذني إلى آدم شخصية روايتي “منارة الموت” الّتي يحب ابنة الجيران هانا، والتي كان يصطحبها دوما إلى المدرسة، وهما يعيشان نفس حياة البؤس التي يصورها أديبنا حسن هنا، حيث أن آدم وهانا يعيشان في بيت مصنوع من الصفيح وسقفه من الزنك الذي لا يمنع مياه المطر من التسرب إلى داخل البيت، وكأن خيالنا يأبى إلا أن يلازم واقعنا ليصب ويجسد لنا مراحل عيش طفولتنا البائسة لنكتبها على الورق.
لم تخل ذكريات الكاتب من تعريفنا على بعض المدن الجميلة في المغرب، لننتقل من سكون مكاننا إلى حمامة البحر الأبيض المتوسط تطوان، وهنا يتجلى عشقي للمدن الّذي جعلني أبحث في جوجل عن هذه المدينة وصورها، لأرى مدى تطابق وصف الكاتب بالكلمات لهذه المدينة وهي تمتثل أمام ناظري، وأظنه قد أتقن الوصف تمامًا، فيا لسحر هذه المدينة الّتي تترامى بعض عماراتها على الجبال بمشهد مهيب يسر الناظرين، ولعلّ هذا من أهم فوائد الأدب الذي يتجاوز المكان والجغرافيا والزمان ليصلك بالعالم الآخر رغم أنك لم تتجاوز حدود مكانك.
وكما تتشابه ذكريات الطفولة في بلادنا، يتشابه البؤس فيها، حيث الفقر والجوع والظلم والاستعمار، ورجال السلطة، والسرقات، وحيث الرغيف المغمس بالذل، ذكريات تعتبر مرآة لحال الشعوب العربية دون استثناء.
استمتعنا بهذه الذاكرة رغم الألم والحزن اللذان يشوبانها من خلال لغة الكاتب القوية المتينة الشاعرية التي استخدم فيها اللغة العربية الفصحى.
تخلل النصوص بعض المفردات من اللهجة المحكية المغربية، التي كنا نتمنى لو تم وضع معانيها بين قوسين أو وضع هامش مخصص لشرح معانيها.
الرغيف الأسود، هو رغيف المواطن العربي مهما اختلفت رقعة الأرض التي يعيش عليها.
كتاب الرغيف الأسود كتاب ثريّ غنيّ بالمعلومات يضيف قيمة أدبيّة إلى رفوف المكتبة العربية.