مسلسل البحث عن علا… رائع في كل تفاصيله / نادية عصام حرحش
15 فبراير 2022، 00:30 صباحًا
مثلما اثار فيلم أصحاب ولا اعز الرأي العام، انتزع مسلسل البحث عن علا الاهتمام بطريقة مختلفة. على الرغم من محاولات ربط مسمى خدش الحياء العام بالأعمال المختلفة، حيث اثار ارتداء الفنانة هند صبري بدلة الرقص الشرقي ورقصها مع الراقصة دينا محاولات لردة فعل شبيهة بمشهد خلع الفنانة منى زكي سروالها الداخلي بالفيلم.
الحقيقة ان المشهدين بالرغم من جرأة الطرح فيهما، الا ان أداء كل من الفنانتين يدل على الفرق بين الفنان الحقيقي والابتذال الذي صرنا نشاهده في كل شيء. وفي الحالتين لا تبدو المشكلة بالنسبة للمشاهد في الدور او الإيحاء او كم الجسد المعروض امام المشاهد، ولكن، بالفنان الذي يقدم الدور. فلو كانت هيفاء وهبي تقوم بدور منى زكي، او أي فنانة اغراء أخرى لما اهتم أحد بالمشهد. وكذلك الامر بارتداء هند صبري لبدلة رقص ارتدت نفسها الراقصة دينا. الفنان الذي يؤدي الدور هو محور اهتمام المشاهد، وربما يكون هذا الامر جيدا. فلا زلنا كمشاهدين ننظر باهتمام ورقي نحو الفن والفنانين وتوقعاتنا من بعضهم.
ارتداء هند صبري لبدلة الرقص كان عذبا، ومما لا شك فيه بدا انها غير معتادة على لبس بدلات الرقص. وان كان هناك درس بان الاحتشام ليس بالضرورة بما نلبس ولكن بطريقة اللبس وكيف يقدم المرء نفسه، فمشهد رقص هند صبري يؤكد على هذا.
أداء كل من هند صبري وسوسن بدر تحديدا بالمسلسل يؤكد معنى الفن كما نصبو له. أداء يستحق ان يصنف بأداء عالمي. الفنان الذي يستطيع ان يقدم دوره كالسهل الممتنع، يجعلك تعيش كل لحظة من مشاعر الشخصية التي يؤديها لتكون قريبة جدا من مشاعرك الخاصة. مشاعر ينقلها اليك في غرفة معيشتك وتذكرك بتجربتك فتضحك وتبكي. تبتسم وتعبس. تتذكر أنك لست وحدك وترى تجربتك كما هي بقالب درامي يؤديها طاقم فني.
وبالتأكيد في مثل هكذا عمل ننتظر حتى المشهد الأخير ونتابع الموسيقى والاسماء كلها ونتساءل عن أسماء كل الممثلين ومن كتب هذا العمل ومن اخرجه ومن انتجه ومن وضع المكياج والديكور والاكسسوارات.
كيف تتقارب التجارب، كيف تكون قصة المرأة بهذه الشمولية لتتشابه مع كل النساء المطلقات بكل اللهجات والجنسيات؟
قصة المرأة المطلقة بإضاءة درامية وأداء رائع مع الكثير من التمنيات.
كم تشبهني علا وكم تشبه امي سهير (ام علا- سوسن بدر) وكم من نادية وسليم (الأبناء)، وكم تتداخل الناس بقصص وحياة بعضهم البعض. كم تتشابه حياة البشر على الرغم من كل الاختلافات الاجتماعية، والطبقية، والمناطقية، والعابرة للقارات والازمنة. وربما شاهد طليقي زوجها (هشام) وظن انه يشبه تلك الشخصية.
العبقري بهذا المسلسل هو جعل المشاهد يتماهى مع الشخصية الأقرب لوضعه بلا غضب او حنق عليها. ما وضعته علا امامنا في بحثها عن علا هو تقبل الانسان لتجربته وللوضع الذي يجد نفسه فيه مواجها اشكالياته الخاصة من تركيبات شخصيته. فنهضت علا من دور الضحية بسرعة لتقف امام مرآتها وتقر بأخطائها وتستمر قدما نحو حياتها.
كانت تظن انها زوجة مثالية ببيت مثالي وزوج مثالي قبل ان يفاجئها زوجها برغبته في الطلاق لأنه لم يعد يشعر بالسعادة. احتاج لفرصة ثانية بالحياة بعدما نجا من سكتة قلبية قريبة.
شخصية الرجل ساعدت على ترك مساحة للرجل يكون فيها انسانا محترما. كما ابرزت علا شخصية المرأة التي تتعامل مع الطلاق بروح رياضية، كان هشام رجلا محترما. تحمل مسؤوليات قراره تجاه الزوجة والابناء.
ولكن يضعنا المسلسل امام حقيقة أساسية نعيشها دوما، كيف يتقبل المجتمع طلاق الرجل ويرى فيها فرصة لمئات الاناث المنتظرات، بينما يكون الطلاق كحكم اعدام على المرأة. في الطلاق تحرر الرجل وتقييد أكبر للمرأة…..مؤقتا!
كيف يستطيع الرجل ان يقرر الطلاق و”يكون معه حق”، ويقرر الرجوع للزوجة عندما يقرر كذلك ويكون معه حق. في الحالتين يقف الجميع معه: امه وامها.
كيف ينظر المجتمع الى المرأة المطلقة، كيف تعاملت والدتها مع الامر. اعتقد ان كل مشهد وكل كلمة قدمتها سوسن بدر بدور الام سهير كان عبقريا بجدارة. ردة فعل أمها فظيعة بكل المقاييس، حقيقية ملتصقة بالواقع. مشهد ردة فعل الام عند استقبالها لخبر الطلاق وندبها وخوفها واستيائها على نفسها وحظها التعس وماذا سيقول الناس وكيف ستكون ردة فعل الأخ . الحقيقة ان هذا المشهد عبقري بكل تفصيلة وايماءة وكلمة فيه. كيف تستمر الام بهدف واحد: ارجاعها الى زوجها. وكيف تكون ردة فعل والدته: تحجبها من الهاتف. ثم تتلاقى “العدوتان” من اجل مصلحة “الرجوع” لعش الزوجية.
حقيقة تجعلنا نضحك من حقيقتنا لا نبكي عليها. مرة أخرى، الشخصيات متصالحة مع ذاتها من خلال الممثلين الذين قاموا بدورهم بإتقان وعفوية جعلت من مشاهدة الاحداث والمواقف الصعبة فرصة لاسترجاع الواقع المعاش في وقع الطلاق على العائلة.
اوجعتني علا بإرجاعي لذكريات كانت اشد صعوبة من تمريرها بمشهد درامي خفيف الوقع على المشاهد. اوجعتني بتذكيري بحياة مرت امامي ولم أستطع اللحاق بها، وعندما استدركتها كان الوقت متأخرا لاستدراك الكوارث التي كان يمكن تجنبها لو كان الطليق هشام، وربما لو كانت المطلقة علا.
الفرق بين الدراما والحقيقة ان هشام لن يكون بهذا الهدوء، ولن يتخلى بهذه السهولة، ولن يهتم بهذا الكرم. كان وقع المشاهد التي تم تمريرها لتقع في نفس المشاهد عبقريا برأيي. كنت اخذ نفسا عميقا في كل مرة كنت أخاف فيها من ردة فعل هشام. كنت اتنفس الصعداء وافرح لكونه رجلا استوعب فعلته وتحمل مسؤوليته. كم يبدو هذا عظيما!!!
وعلا كانت أكثر حظا من معظمنا، ربما يشكل الوضع الاجتماعي شكلا ما في تخفيف معاناة المرأة المطلقة. ما انتهت علا من الزواج حتى احيطت بشبكة داعمة من الناس بكل خطوة ساعدتها على التعامل مع الوضع الجديد. ولكن هنا كذلك، كانت معاناة علا تشبه معاناة كل امرأة عاشت هذه التجربة، الوحدة، الخوف من المجهول، الاستغلال المتربص بكافة الاشكال، التشكيك بالقدرات والنيات، وتحول المرأة لمادة خصبة للنميمة والمراقبة بانتظار الوقوع المحتم.
من أجمل المسلسلات التي مرت علي
أداء رائع لكل فنان. هند صبري وسوسن بدر ايقونتان بالجمال الطبيعي. لا تملق، لا مغالاة. كل شيء بدا طبيعي. ملابسهما، مكياجهما، طريقة حديثهما، التفكير، التصرف، الأداء مبدع بكل تفاصيله.
لا اذكر متى شاهدت مسلسلا عربيا يستحق التقدير.
البحث عن علا مسلسل رائع.
وكما ابدعت كل من هند صبري وسوسن بدر والفريق المشارك بالتمثيل، فإنه من المؤكد ان كاتبتا المسلسل مها الوزير وغادة عبد العال، والمخرج هادي الباجوري أبدعوا في اخراج الحبكة بهذا القالب الإبداعي.