رواية “حب في الالفية الثالثة” للروائية د. دانيا نعمان/ حميد الحريزي
18 فبراير 2022، 11:11 صباحًا
“الحب لا يموت، يمكن أن يختفي ولكن آثاره تبقى في قلوبنا” ص153
رواية الحب في الألفية الثالثة، يمكن توصيفها وتعريفها أنها من نوع روايات الخيال العلمي، وهو نوع من السرد الروائي لم يحظَ بالاهتمام الكبير في العراق والوطن العربي، كبلدان نامية لم تشهد نهضة علمية وتقنية متقدمة كما في بلدان العالم الأول والثاني، فالخيال العلمي بحاجة الى بيئة علمية ناهضة، مما يحفز الروائي الى الابحار في الخيال العلمي الذي قد لا يمكن تصور حدوثه في زمن كتابته، ولكن الكثير من الخيال تحقق فيما بعد وأصبح حقيقة مشهودة، فمن كان يمكن أن يتصور عالم الشبكة العنكبوتية إذ تحول الخيال الى واقع ملموس، حيث أصبح الصوت والصورة يمكن أن تنتقل بسرعة الضوء مناقضة معرفتنا أن المادة تتحلل عندما تكون بسرعة الضوء، لأنك ترى وتسمع صديقك على بعد عشرات ومئات الالاف من الكيلو مترات خلال لحظات!
في بلدان الديكتاتوريات والانظمة الشمولية قد يلجأ بعض الادباء الى الكتابة ضمن الخيال العلمي الافتراضي للإفلات من كماشة الرقيب السلطوي، كان لنا في مدينة النجف سبق في كتابة هذا النوع من جنس الرواية على يد المبدع الراحل الدكتور عبد الهادي الفرطوسي وعلى وجه الخصوص في روايته الزمن الحديدي حيث وجدنا هناك الكثير من المشتركات بين الروايتين على الرغم من أن الروائية ربما لم تطلع على رواية الفرطوسي…
كما يجدر بكاتب الرواية العلمية أن يمتلك ثقافة علمية مقبولة كقوانين الحركة والتطور وعلوم الاحياء والهندسة… الخ
لذلك كانت الروائية الطبيبة دينا نعمان متمكنة من كتابة هذا النوع من الروايات دون أن تقع في مطبات أو تناقضات علمية.
استهلت الروائية روايتها بافتتاح جميل ينعش مخيلة المتلقي ويضعه في مناخ طبيعي يحمل حلاوة الاجواء ورومانسية العلاقة مع الحسناء (زهراء) في مطعم الأكلات الشامية الشهية وهو في طريقه كعادته قبل الذهاب الى المستشفى…
على الرغم من استيائه من الواقع المعاش في العراق وسوء الخدمات حيث يقول: ((بت أكره العراق، كم اتمنى أن أسافر الى غير مكان.. العمر مرة ويجب أن يكون في مكان غير العراق))رص7.
تبدأ رحلته ضمن واقع العمل في الطب العدلي بإشراف الدكتور الاختصاص ((مهيمن)) الحالم بتحقيق منجز علمي يقارب الخيال، فاعتبره العديد من الاطباء والمحيطين به بأنه يهرطق أو اقترب من الخرف، فكانت وصيتهم لزميلهم (علي) بعدم الاكتراث لما يتكلم به دكتور مهيمن.. حيث يقول ((من غرفة ثلاجة الموتى أسوي آلة الزمن !))رص11
كان مهيمن مهتماً بعملية تشريح جثة قتيل حينما جاء دكتور علي، بعد حضور علي أضطر دكتور مهيمن الى مغادرة الطب العدلي موصيا دكتور علي بعدم الاقتراب من جثة القتيل قبل اكتمال التحقيق وكتابة تقرير الطب العدلي ((رح اتركك ويه الجثة وأهله لأن ماريد يلعبون ويغيرون شيء خاصة وهي الدليل الوحيد عدنه على انو الضحية مات أثناء شجار عنيف وهي مرته مشكوك بالجريمة )) رص14.
يحضر الى الطب العدلي امرأة متبرجة وشاب في ريعان الشباب مفتول العضلات بشكل مقزز لتعاطيه أبر تضخيم العضلة، تدعي المرأة بانها زوجة الضحية، وتمثل البكاء والحزن على القتيل على الرغم من تبرجها وعلكتها تملأ فمها. وأدعت أن من يرافقها من أقاربها…
تثور ثائرة الشاب وتنمرت المرأة على علي لأنه اتهمهم بمقتل الرجل حيث إن الجريمة حدثت في حديقة المنزل…
يعترف الشاب بقتل الرجل الهرم زوج بدعوى حبه للمرأة التي لا تناسبه في العمر، يتمكنان من ربط يديه وغلق فمه بلفافة قماش ثم يلقيانه في صندوق حفظ الجثث…
هنا إشارة من الروائية الى أحد أسباب الجريمة والشذوذ التي تركتبها النساء الشابات اللواتي يجبرن لأسباب شتى بالزواج من رجال كبار السن لا يشبعون حاجاتهن النفسية والبيولوجية الغريزية…
تبدأ الآن في 31-12-2020وهو داخل الثلاجة ولم يتمكن من تخليص نفسه ولا احد يسمع صوته او حركاته ولم يصطحب معه نقاله للاتصال، بعد مرور وقت جاءت ((فتاة أشبه بالملاك، فتحت باب الصندوق متعجبة من وجودي بداخله))ر ص18.
يصاب دكتور علي بالدهشة حينما اصطحبته الحسناء وهو يشاهد عدداً من الحسناوات وكأنهن حوريات الجنة، جميلات بدون مساحيق تجميل، عجائب النقل فائقة السرعة، التقدم الحضاري والتقني الهائل، نظافة الشوارع والساحات وانتشار الزهور والحدائق والنافورات في كل مكان، وسط الحشد المدهش ((كانت أشكال الحلوى كلها تشير الى رقم 3000 ثم رأيت صورة ضوئية ضوئية كتب عليها (( happy new year ((3000رص20 .
تخبره الحسناء انه في((مدينة كار مدينة الامام الحسين عليه السلام ))ص22، وقد يكون هو من مدينة بلا … وعندها تكون لدينا مدينة كربلا.
تخبره بأنه جاء اليهم عبر آلة الزمن التي تتنقل بين الماضي والحاضر لآلاف السنين، توضح له انه الان يعيش في عراق 3000 ميلادية، حيث بلغ العراق اعلى مستويات التقدم الحضاري والعلمي وأن الدينار عندهم اقوى من الدولار ومن اليورو، وأن الخليجين يفدون لاجئين الى العراق.. وأن من يحكمهم الان امرأة مبررة ذلك ((لأن الرياجيل كلشي ماسوولنه غير الحروب والكوارث الكبيرا، فالدول قررت أنو الي يحكم لازم مره الي تجمع بين العطف والقيادا)) رص27.
لاحظ العجب حيث تلعب الريبوتات دوراً في العمل بمختلف المجالات، وأن الاوامر تصدر عبر تحريك سوار موجود في معصم كل شخص في عراق 3000م، وكأنه يمثل الخاتم السحري قادر على تلبية كل طلبات الشخص، من اكلات وأثاث ومشروبات واتصالات ووو.
التحكم بالجو والمناخ عن طريق ناطحة سحاب عملاقة ((ناطحة السحاب البعيدة ذيج تتحكم بالمناخ وتعدلا، علمود نزرع أي شي نريدا، ويبقى الجو هيج لطيفا، وطبعا كلمن وحسب درجة الحرارة الي يحبه توزع على المناطق الى ترتاح بيها… بعد ماكو شي اسمه صيف وشته))رص.
نلاحظ أنهم يضيفون حرف ألف أخر الكثير من الكلمات مثل تعدلا، شكلا، لطيفا..
عيون الجميع زرقاء لأن الاميرة تحب العيون الزرقاء، لذلك حوروا الجينات لتكون العيون زرقاء ما عدا عيون الوافدين واللاجئين تكون بالوان اخرى، الاميرة ((ايفونا)) باذخة الجمال هي صاحبة الحل والعقد والامر والنهي في عراق 3000، ومن بعدها ابنتها الأميرة ((برلنتي)) ولية العهد التي تقع في حب ((علي)) الذي انقذها من الموت المحقق عندما انفجر الريبوت، وقد اصيب بحروق شديدة وخاصة بيده التي شفيت بسرعة قياسية لتقدم الطب واستعمال الليزر في العلاج، ولكن تبقى بعض الندوب على كفه تذكره دائما برحلته العجيبة. علي الذي يروق كثيرا لبرلنتي ((علي ذلك الاسم القريب البعيد القديم الجديد، مهما تقدمت العصور، إذ لا يمكن أن ينمحي ذكره، أصبح كل شيء في عالمي)) رص129 وهنا إشارة من الروائية الى خلود أسم وقيم الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام لما له من قدسية وحمله لسر الهي كما يعتقد الكثير من المسلمين …
((احنه منعترف بالحب وماكو شي اسمه حب أصلا!))رص57.
حيث شاهد علي شابة تلبس السواد بين جمع من الفتيات المتوشحات بالسواد ايضا يعلو صوت بكائهن، فكان يتصور انهن في موكب عزاء أو مأتم ولكن زارا تخبره أنهن في موكب زفاف، فالعروسة تعتبر ضحية الحب والارتباط بزوج والتزاماته، فتتضامن معها صديقاتها حزنا على مصيرها البائس!!!
في حين انهم يحتفلون بالأموات ويلبسون البياض ((احنه نلبس اله، أبيض ونزفه على ورد، رح يروح يقابل رب العالمين وانته امتحانا!))رص59.
في حين يوضع قلب أسود من قبل زوجته أو ذويه على الجهة اليسرى عأساس أنو الحزن بقلبها .
((الملابس مريحه أكثر من ملابسنا بكثير تشعر كأنك لا ترتدي شيئا، إذ أن الهواء يصل الى كل طرف في جسمك )) رص76 .
لاحظ التحكم الشديد في الانجاب فلا يحق للزوجين الانجاب أن لم يكن دخلهما الشهري يكفي لإعالتهم والمولود القادم، وأن عدد المواليد للزوجين يتناسب طرديا مع حجم ثروتهم .
لاحظ ان افتيات البالغات سن البلوغ يذهبن الى مختبرات خاصة لسحب بيوضهن وايداعها في أماكن خاصة لمنعهن من الحمل والانجاب، وقد شهد قصة معاناة ((جاد وهيلينا)) الزوجين اللذين منعا من الانجاب لانهم على الرغم من مرور سنوات طويلة على زواجهما لم يتمكنا من توفير دخل يسمح لهما بإنجاب طفل واحد، فيخرق على قوانين عراق 3000 ويزرع بيضة ملقحة في رحم هيلين لتلد بنتاً بعد مرور 9 أيام من زرع البضة في رحمها لأن البيضة محسنى جينيا واليوم في نموها يعادل شهر مما يعدون، وهنا تبرر الروائية هذا الامر بقول الله في كتابه الحكيم ما معناه أن العام في الاخرة يعد بألف عام مما يعد البشر في دنياهم..
مما يعرض علي وجاد وهيلين والدكتور امير وزارا الى العقوبة ، حيث تقرر الملكة الى اعادة علي الى الارض ومعاقبة امير وزارا بعدم الانجاب مدى الحياة وحرمانهما من الاجازة لمدة سنة..
فعلي يفضل العودة الى عراق 2020 مع ضمان حياة الطفلة (جوليا) التي كانت تنمو بسرعة هائلة، وقد تمكن العلم من ايقاف هذا النمو السريع ليكون طبيعيا بعد أن بلغت حوالي سنتين خلال يومين!!
فعلي لا يمكنه ان يعتاد حياة التقدم والرقي الحضاري بهذه السرعة، لإنسان تعود حياة التخلف والعادات التقليدية وأكوام القمامة في الشوارع والساحات، والاكلات الشعبية ومشاعر الحب والعشق، على الرغم من كونه كان يتمنى الهروب من عراق 2020.
كذلك رفضه الزواج من برلنتي لأنه يرى انها حفيدته ربما المليون ولا يجوز شرعا وعرفا الزواج منها فهي تعتبر من المحارم، ولكنه يسر لها السفر الى فرنسا للالتقاء بوالدها الواهب المؤقت لللامومة الى الاميرة انفونا، فلا يمكن أن تستمر علاقة الزواج بالنسبة للأميرة لتفرغها للحكم ومتابعة شؤون البلاد..
يثبت لهم علي ان الحب موجود وإن لم يشعروا به، فالعلاقة بين هيلين وجاد وخوف بعضهما على الاخر هو حب، وتعلق برلنتي به هو حب، ورعاية زارا للطفل أسر وعلاقتها بالدكتور أمير هو حب، وشوق برلنتي لوالدها هو حب ووو فالحب لا يمكن ان يموت مهما بلغ الانسان من التحضر والتقدم التقني والعلمي وتبدل اساليب الحياة.
((علي يركب في الكبسولة جهاز الزمن نحو الماضي، الملكة تودعه برلنتي تصرخ باكية تدعوه لعدم الرحيل))ص193.
دكتور علي يتحرك يتحسس نور الشمس الذي يقتحم عليه غرفة منامه وهو يعيش اخر لحظات حلمه؟؟!!
تباغتنا الروائية أن كل ما عشناه هو عبارة عن حلم عاشه الدكتور علي، توقظه والدته للذهاب الى الدوام، فتعود بنا الروائية الى بداية الرواية حيث يخرج علي من البيت ويذهب لتناول فطوره في مطعم المأكولات الشامية، ومقابلته لزهراء الفتاة الجميلة التي تعود أن يدفع لها ثمن فطورها لنسيانها محفظتها في البيت كما تدعي كل مرة، تتكرر نفس المشاهد وكأنه لم يعِش كل ما مضى، ولكنه هذه المرة يحصل على موافقة زهراء للزواج منه، ويعدها بالمجيء الى دار أهلها لطلب يدها منهم، يذهب للمستشفى ويقابل الدكتور مهيمن، وجود جثة المقتول من قبل زوجته وعشيقها الشاب قوي البنية، وتعاد عملية تقييده وتكميم فمه ليزج في الة الزمن، ولكنه هذه المرة يطلب من الدكتور مهيمن الاتصال به، في حين يفتح زر التسجيل لهاتفه ليسجل اعترافات المجرم وعشيقته زوجة الضحية، نتيجة ذلك تدركه الشرطة رفقة الدكتور مهيمن وعدد من زملائه لتخليصه من قبضة القتلة…
يبارك له الزملاء سلامته في حين تقتاد الشرطة القتلة الى السجن بناءً على اعترافاتهم بالقتل المسجلة في الهاتف..
تعيدنا الروائية وتعيد علي الى حالة عدم اليقين هل كانت سفرته حقيقية أو هو مجرد حلم حيث يستفسر منه أحد الزملاء حول الندبة الموجودة في يده الناتجة عن حرق فيعود إلى حالة المراوحة بين الشك واليقين، في حين يلطم دكتور مهيمن رأسه لأن القتلة حطموا جهاز اله الزمن الذي أمضى اكثر من ستين عاماً في تصنيعه والوصول به الى مراحل متقدمة فاقت حتى أتمّ تصنيعه اهل العراق في عام 3000م.
هنا إشارة واضحة أن بعض ما تراه في الحلم قد تراه بالصورة نفسها في الواقع، هذا سر من أسرار الانسان والغازه المحيرة..
بحنكة وخبرة كبيرة استطاعت الروائية الامساك بخيوط حبكة الرواية، وبأسلوب سردي ممتع مستوعباً كل شروط وضوابط السرد الروائي، كذلك فإن الروائية امتلكت الثقافة العلمية التي اهلتها لكتابة رواية الخيال العلمي.
الروائية وعبر احداث روايتها التي تمثل طموحات الانسان العراقي وأحلامه من أجل التطور والتقدم والرقي العلمي والحضاري كما ظهر عبر سفر الدكتور علي الى عراق 3000م أي ما تتخيله لعراق بعد 2000 عام من زمن التحولات الاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية ،الجيد منها والسلبي بما يخص هيمنة التفكير العلمي الجاف الذي يفتقر للحب والعواطف التي تعتمل في وجدان الانسان عبر كل العصور وفي كل المجتمعات ومهما بلغت درجة تطوره، ففي الوقت الذي عدل فيه الفرطوسي عبر ابطاله في تعديل مسار جفاف المجتمع الالي بواسطة الموسيقى عبر شبابته، فان الروائية دانيا وعبر شخصية علي رمز القيم الانسانية الخالدة تعدل السلوك الجاف بواسطة الحب فالحب يضعف ولكنه لا يموت والانسان مهما بلغ من الرقي العلمي لا يمكن أن يعيش بدون الحب…