قراءة في رواية “صمت البحر” لفيركور او جان مارسيل برولنر/ عبدالمهدي القطامين
27 فبراير 2022، 00:00 صباحًا
نذ أكثر من نصف قرن ورواية « صمت البحر » للكاتب الفرنسي فيركور تحتل مقدمة الروايات في عالم القراءة القصصية.
كتب فيركور روايته صمت البحر عام 1942 عندما كانت فرنسا تحت الاحتلال الألماني، والذي استمر لمدة أربع سنوات كانت كفيلة أن تنتج أدبا وفكرا وفنونا مختلفة حملت جميعها اسم أدب المقاومة و«صمت البحر» واحدة من الروايات التي كانت نتاج هذا الأدب بامتياز .
ونأخذ رواية فيركور الروائي الفرنسي والتي تحمل عنوان صمت البحر مثالاً على ذلك. تلك الرواية التي تقاوم الاحتلال النازي لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكنها مقاومة ليست بالرصاص، وإنما من خلال المشاعر والتوجس الإنساني والحوار الصامت عدا ارتعاشة اليدين بين بين المحتل والمحتل .
ورواية صمت البحر واحدة من أشهر أعمال أدب المقاومة في فرنسا، إذ كتبت عام 1941، أثناء الاحتلال النازي لها خلال الحرب العالمية الثانية، ووزعت كمنشور سرّي، ضمن 25 كتاباً آخر، وقد صدرت الرواية ما بين 1941-1944، عن دار نشر سرّية باسم مينوى (أي نصف الليل )، كان يديرها مؤلف الرواية جان مارسيل برولنر الذي اختار فيركور اسماً مستعار له، وهو اسم المكان الذي اختبأ فيه من مطاردة النازيين، واسم مقاطعة فرنسية اشتهرت بمقاومة الألمان.
من خلال متابعتي للأدب الفرنسي ,والامريكي المترجم وجدت ان ثمة ربطا ورابطا خفيا بين رواية صمت البحر ورواية الشيخ والبحر لارنست همينغوي فكلتا الروايتان تتحدثان عن بطل واحد او اثنان وتنحصران في مكان واحد …. في “صمت البحر ” كان الراوي الوحيد هو الضابط الألماني الذي يهوى الموسيقى ويعجب بالروح الفرنسية التي شكلتها ثورتها الثقافية وكان المكان هو ذلك النزل الريفي للشيخ الفرنسي وفي رواية الشيخ والبحر كان المكان هو ذلك الخليج المترامي الأطراف المحصور أيضا في قارب تتنازعه الريح وكان الراوي الوحيد هو ذلك الشيخ الصياد الذي افنى عمره في صراع الحيتان في البحر وفي روية صمت البحر ظل الضابط النازي الألماني يتحدث دون ان يجيبه احد مثلما ظل شيخ البحر يحاور حوته ويسترسل في مونولوج داخلي يعبر عما مر عليه من اهوال في حياته الماضية .
الروايتان حفلتا بمواقف إنسانية نبيلة فضابط النازية المغرم بالموسيقى والفن والادب الفرنسي وجد نفسه امام المرأة الفرنسية التي تنسج خيوط غزلها كي لا يبدو منها اية عاطفة تجاه المحتل الذي حاول طويلا ان يستثيرها بالشعر والموسيقى ومحبته للأدب الفرنسي لكن كل ذلك لم يكن يجد نفعا امام المرأة التمثال التي ظلت صامتة باستثناء رعشة خفيفة كانت ترتسم على يديها النحيلتين وهي تغزل الصوف فيما كان عمها الجالس الابدي امامها يتسلى بدخان غليونه وينفثه متجاهلا وجود الضابط الألماني الذي بدا عاشقا لابنة شقيقة الصامتة كما هو .
ظل بطل رواية ” صمت البحر ” طويلا يحاول ان يحرك جمود المرأة وعمها ان يردا عليه فقط فيما يقول لكنه عجز عن جعل الرد ممكنا وحين اكتشف ان رفاقه المحتلين يبيتون الموت لفرنسا ويريدون قتل روحها فضل الانسحاب وطلب ان ينقل الى كتيبة ميدانية ليقاتل فيها ويموت كي لا يرى عار المانيا حين راحت تقتل الفرنسيين بلا رحمة وفيما هو يغادر النزل متوجها الى ارض المعركة قال للعم وابنة شقيقة وداعا وكان الرد المرتعش المدوي الذي نطقت به شفتا الفتاة الصامتة ….وداعا . تلك كانت الكلمة الوحيدة التي نطقتها فتاة فرنسا فيما ظل عمها صامتا لم ينطق باي كلمة .
حين انهيت قراءة رواية صمت البحر تساءلت لماذا لم اقرأها سابقا كان يمكن لها ان تشكل أسلوبا كتابيا جديدا لدي ذلك الأسلوب الشفيف الذي يقول القليل لكنه ينم عن الكثير والمتكئ على حد حرف انساني تصوغه ربما يدان مرتعشتان او ابرة تتشابك مع كومة صوف فيما المدى خارج المكان مفتوح على حوار الحضارات المتصارعة حضارة القوة وقوة الحضارة وبينهما الكثير من الوجع الإنساني الذي خلفته الحروب المشتعلة في الغرب والشرق على حد سواء .
عن المؤلف
ولد فيركور في العام 1902 من أب مجري استقر في فرنسا، ومن أم فرنسية، وبدأ حياته رساماً كاريكاتورياً في المجلات والصحف، قبل أن يتجه لكتابة الرواية، وكانت صمت البحر أولى رواياته، وكان فيركور يسارياً، وعضواً في الحزب الشيوعي الفرنسي، ولكنه استقال منه في العام 1956، احتجاجاً على اقتحام الجيش السوفياتي للمجر، وبسبب تعاطفه مع ثوار الجزائر، وعمل مساعداً لنجار في قريته، وما لبث أن اتصل بعناصر المقاومة وأسس مع الروائي الشهير فرنسوا مورياك والشاعر أرجوان داراً أطلقا عليها اسم “دار نصف الليل ” كرمز لكفاحهم السري ضد الاحتلال.
أعاد في العام 1957 إلى رئيس الجمهورية الفرنسي وسام الشرف الذي مُنح له بسبب دوره أثناء المقاومة للاحتلال النازي.