قراءة في ديوان البِظانْ (2)/ محمدٌ ولد إشدو
2. الكرس أو “بت اظيار” (بيت الظئار)
“اعلي انْبَيْطْ” (النبطي) ولد حَيْبَللَّ (حبيب الله) الآگْمُتّارِيّ “ابَّيْط” هو بحق أبو أَزَوان البظان؛ أو بعبارة أدق، أبو مدرسة الحوض التي هي الأصل في نظري. وذلك من حيث وضع اللحن وكتابة الكلمات؛ فالرجل كان عبقريا بامتياز. وتتجلى عبقريه وأبوته لأزوان في بصماته على جميع المجالات الأدبية والفنية في زمنه عموما، وفي إبداعاته وخَلْقِه لبْتُوت وَأَشْوار خاصة وجديدة لولاها ما كان أَزَوان البظان واغْنَ البظان ليبلغ هذا المستوى الرفيع.
فهو الذي أبدع الكَرْسْ، وما يُخّرَّصْ، واتْناعيتْ والفائِزْ.. وغيرها؛ وهي أشوار سوف نتناولها تباعا في هذه القراءة بإذن الله.
ومن خصائص اعلي انبيط أني لم أقف له على “اتْهَيْدينَة” في حين أن بتوته تعتبر أثمن وأعلى وأكثر مفصلية في أزوان من اتهيدين.
قصة الكَرْسْ:
الكرس بالحسانية هو “لِعْزيبْ”. وحكاية هذا البت أن السلطان اعلي ولد أعمر ولد اعلي خرج في كرس إلى ضاحية من ضواحي سلطنته تسمى كَفَّل ومعه “ابَّيْطْ”. وبينما كان يعزف له ويغني من انتَماسْ (كَرّْ الجانبه الكَحْلَه) عزف له هذا اللحن البديع و”شَوْهَدَهُ” بلازمة هي: “ولد أَعْمَرْ ولّْ اعْلَي ما رَيْتْ الِّي كيفُو”. وقال فيه من كلماته:
أَخْيارْ السَّـــلاطـينْ ** المَوْتى والحَيّينْ
لُـولا انتَ لِلْمِسْكـينْ ** والطُّـمّاع إِجيفُو
عَمَّرْتْ الحَوْظْ إِلَيْنْ ** بيكْ امْتَـــدّْ إِليفُو
مَدّْ الشِّلْوْ الــــــــدَّفّاعْ ** واَعَيْسُوگْ الدَّرَّاعْ
عَندْ اعْلِي لِلطُّــــمَّاعْ ** الفَرْضْ اَلّا كيــــفُو
وأَخْيارْ امْبارِك گاعْ ** أُسُلْطانُ واشْــريفُ.
ولما وُلِد الكَرْسْ، كان درة ثمينة في تاج أزَوان البِظانْ، وكان مكانه في الجانبه الكحلة واسطة عِقْدٍ بين انتَماسْ (اكْحال كَرّْ) وبين ما يُخَرَّصْ الذي هو ابياظ كَرّْ الجانبه الكَحْلَه (أيْ سَيْنيها). فأطرب هذا الإبداع السلطان أيما طرب! سأل “ابَّيْطْ” السلطانَ: ما ذا نسمي هذا البت؟ فقال له: نحن الآن في كرس فلنسمه “الكرس”.
ولكن أحداثا تاريخية أخرى قد أدت إلى تسميته بـ”بَتّْ اظْيارْ”. وهذا ما سوف نتناوله في حلقة قادمة بإذن الله.