من اللاسرد يقدم شوقي كريم بداية حكايته مع الموت/ حمدي العطار
28 مارس 2022، 17:49 مساءً
ماذا علي ان أقرأ وأنا اشعر بالالم ، صباح هذا اليوم سألت نفسي ، الجميع ذهب للعمل والجامعة والمدارس الا أنا! كم هو العمل جميل ومفيد! وكم هو المرض مزعج وكئيب؟ !قلت مع نفسي سوف أقرأ (زوربا العراق) شوقي كريم ، فهو القادر على اخراجي من الوحدة ويخفف المي، على الاخص وهو يكتب روايته عن تجربة المرض والعمليةالجراحية لقلبه و(تجربة موت) اول ما اثارني هو ما يطلق عليه شوقي (اجتياز حواجز الأسئلة) ويطاردك في البوابة الاولى – كما يطلق على فصول روايته الصادرة من دار العرب – دمشق ودار الصحيفة العربية – بغداد والتي تقع في 163 صفحة من القطع المتوسط ،سنة الاصدار 2022 – نعم في البوابة الاولى يجعل المتلقي لا يقتحم النص الا بعد المرور بما يشبه التجهيز عبر طقوس شوقي التي تتناول الماضي والحاضر والمستقبل!”منذ دبت خطواتك بين طين الشط، وزفر السوق، وأنت تكره الأرقام، ولا تقيم لها وزنا، تجدها مجرد خدع تسور العقل بأسئلة غريبة”ص7 هنا يتعرف القارئ على حكايات داخل حكايات ليصل الى الثيمة التي يريد شوقي ان لا يدخلها المتلقي قبل عملية (الاحماء) التي تسبق كل الرياضات العنيفة “يضحك الجد بهوس ماجن، لأنه يعرف ما الذي حدث لعلوان الجاسم، يحاول إقناع جدتي بالرحيل صوب المدن التي لا أعرف كيف منحها وجودا في مخيلته..- ما الذي تنتظر؟ خذهم وارحل؟ المدن حياة تختلف عن قدرنا الذي نعيش فيه…قحط وذل وسوالف ساقطة الى حد النخاع…هذا الولد يحلم بأكثر مما تحلم به أنت”ص10
اننا امام نص مفتوح – كما يقول أمبرتو إيكو- شوقي يطلب من القارئ ان يشاركه في تكملة النص لا ان يلجأ للقراءة التداولية المباشرة، انها دعوة الى (أجراءات القراءة الحديثة التي يتطلبها النص التجريبي)
“أنت تفلش كل سنوات الانتظار ما ادراك ان ليس ثمة أشياء هناك عند البعيد؟ أريد ما يوقف نزف القلب وهدير الروح”ص11
*الانفتاح المرجعي للرواية
وانا ابدأ بقرائة الرواية استذكرت قصيدة الراحل محمود درويش ( غرفة العناية الفائقة) التي جسد فيها درويش تجربة موته لمدة 3 دقائق وعودته للحياة، والغريب هو انه يرى الموت (ابيض) ولا كما نتصور ظلام في ظلام “يا ايها القلب كيف كذبت على فرس\ لا تحل الرياح تمهل لنكمل هذا العناق الاخير”
كما تذكرت الروائي الالماني العظيم “توماس مان” وهو يصف اعراض مرضه بحمى التيفوئيد في رواية (آل بودنبرك) وكذلك يصف مرض السل في رواية (الجبل السحري) حينما يضعون مرضى السل المميت في ذلك الوقت في مصحة تقع على قمة الجبل، وفي الرواية يتحدث عن الحياة من وجهات نظر متنوعة لثلاثة نزلاء وهي رواية تدعو الى تجنب الامراض بالوعي!كذلك تذكرت وصف ديستوفسكي في رواية (الابله) وهو يصف مشاعره تجاه الموت عندما كان يسير بالممر الى الاعدام بإنتظار الموت قبل ان يصدر عليه عفو القيصر بدقائق قبل التنفيذ! كما تذكرت تجربة المخرج يوسف شاهين الذي خضع لعملية القلب في لندن جسدها في فيلم (الاسكندرية ليه) فانتازية الذكريات تحت تأثير المخدر!
التمهيد لرؤية نقدية
الم اقل ان شوقي يملك فلسفة زوربا العبثية + موهبة المثقف باسيل ،لنتوقف عند بعض العبارات لتكون مدخلا لطرح رؤية نقدية – لاحقا- عن الرواية “الضحك إدمان يمارس من خلاله الفوضى والخديعة”ص23، “لا أدري كيف جيء ب هاملت ليقف الى جواري مواسيا، قال- اشتقت اليك؟\ قلت – بل اشتقت الى الدم\ قال- افكارك الغريبة عني هي التي قربتني منك\قلت- حين لبست رداءك الاميري احسست اني ارتدي كلك الذي يشعر بالفجيعة والانتقام”ص18 “كانت (فطيم وحيلي)، هي من يراقبني، وأنا ألج كهوف الموت متمنيا لو كانت طبيبة التخدير تصحبني في رحلة الاكتشاف تلك التي ما لا ادري الى أين تصل بي”ص19
لنكون مع شوقي وهو يهزم الموت في روايته المثيرة للجدل (نهر الرمان) – تجربة موت-كي يساعدني حتى اهزم المي!
ميتا سرد
تناول شوقي كريم في اكثر من رواية وقصة سيرته الذاتية ومن زوايا مختلفة، وهو في هذه الرواية يركز على (تجربة موته) ويجمع في النص الموازي قدسية (الانهار) في العراق ، وأهمية فاكهة الرمان في الموروث الشعبي (نهر الرمان) ولا يكتفي بالعنوان وإيحاءات الغلاف بل في كل بوابة من بواباته السبع لا يدخل اليها الا من عنوان مثير وجملة مقتبسة لبيان العتبة المناسبة لما سوف يكتبه!
لاشيء ..لاشيء
كأن شوقي متيقن إن التنوير ومخرجاته (من مفاهيم الحضارة والعقل والاخلاق) كلها أنتهت الى (لاشيء)!! كما وهو يتبنى اسلوبا للتعبير (ميتا السرد) ليمثل (ما بعد الحداثة) والتي هي مستوى من الابداع وليس مرحلة تاريخية، ترفض اخلاقيات (الحداثة) الزائفة ، لكن هذا الطريق ليس سهلا لا على المبدع ولا للمتلقي “ستكون رحلتك قاسية ولكني متيقن انك سترافق الدهشة”ص15 اذن لا يقتنع شوقي بتوفير المتعة السهلة بل هو يبحث عن الدهشة له وللمتلقي فهل حقق لنا فعلا الدهشة ” ايها الثاخبون دما من مواجع وخراب ابشروا جاء منقذكم الذي يمنحكم انهارا من خمر وعسل.. أيها المارقون الى معابد الثمالة استعدوا لنبني مدينة الآثام والفتن وبيوت القبح.. لا يفيدكم الصمت، ما دمتم تبحثون عن يقين المتع، معي تنكشف المستورات، ويعلو شأن الحقائق، الحياة.” ص15 الحداثة لم توفر للكاتب اللحظة العابرة (لا الواقعية ولا الطبيعية) قادرة على خلق كلمات غير زائلة لذلك استخدم شوقي الزمن لأ لتكسيره كما يفعل الاخرون بل (تجميده) فهو يرجع الزمان في المكان من خلال الصورة ، وهذا يترتب عليه اللعب في ميتا السرد لكي يستجيب السيناريو لفوضى شوقي وهو يجعل خلق عالم جديد على أنقاض العالم القديم – كولاج- (خشبة المسرح مكتظة بالفراغ الذي نعيشه، منذ اندلاع نيران الحروب، فوق جماجمنا، كلنا يرقب تابوته وتحوله الى رقم سري في ملفات تنتهي عند مكب النفايات، صاح الذي يقف خلف ستار العتمة الرقم 1277 جهز نفسك) ص18 .في هذا المشهد وفي اكثر من موقع يجد القارئ نفسه امام التصوير والاخراج والاداء المسرحي. على الاخص في البوابة الخامسة الذي يستهل بها بمقولة للروائي دوستويفسكي (أن يكون الشخص إنسانا بين البشر، ويبقى إنسانا ابدا، مهما كانت المصائب ولا يكتئب ولا يسقط، ذلك هو مغزى الحياة ومهمتها)ص99 شوقي يتحدى القراء والنقاد بما يملك من رؤية يستطيع تجاوز الشر والخير معا! ويسخر منهما (كلانا يستطيع الانهزام إذا ما شعر بالفشل)ص98، انه التجديد في الجمالية كبديلا عن سذاجة الخير ومبالغة الشر.
غرائبية الشخصيات
الانسنة التي استخدمها شوقي في بناء شخصيات الرواية والتي تفرعت الى ثلاثة اصناف كانت مبهمة و في منتهى الغرائبية، طالما هو قدم جسده كقربان للقلب فكانت الروح والعقل غير راضية على مثل هذا التصرف ، لذلك النوع الاول من الشخصيات التي اسند اليها وظيفة السرد بالماضي والحاضر هي (الروح – الجسد- القلب- العقل- النفس ) وحتى الوقت – الزمن- (يضحك الوقت بين يديه) وانا لم اقرأ مثل هذا النوع من الشخصيات من قبل!!”قال الجسد – أجدك دائما تسعى وراء المكرر من الحياة..\ رد القلب بخمول- لا عليك من لحظة بعيدة..دعنا نعيش الآن..الحياة عندي كأس بلذة الشهد وليل يبوح بلواعجي وأنثى..أنثى اجيد العزف على أوتار جسدها مهما كان فاترا يعتريه الخوف.. التجربة غير المكررة هي ما اصبو إليه ولهذا كنت أقاومكم اعلن عصياني وتمردي\ قالت الروح- ما لكما لا تفقهان من الحقيقة شسئا.. حين تفشل الروح في إيجاد دروب خلاصها تدمر كل ما يلحق بها وها انتم ترون..فشل وقلق وربما نهاية لم نخترها نحن؟”ص67 لا تشعر ان شوقي يحاول الهروب من كتابة رواية بمعايير منضبطة كلاسيكية او حداثة فيلجأ الى اسلوب كتابة السيرة الذاتية، او استخدام التداعي الحر وتقديم كلام ليس له معنى محدد ، وعلى الرغم من اننا نشعر بإن شوقي – احيانا- يقدم دفتر مسودة- له مداخل ملونة لا يجمعها مخطط عقلاني ! لكن هذا التوتر والقلق يخلق قارئا جديا يشارك في هذه المسودة، وتلك الشخصيات المثيرة للجدل (سيدة الكرسي- البضاع- المخدرة- الرجل- العرافة- المعلم- الشيخ الساخر- الضابط – الملا- الاول – الثاني- الاولى – الثانية – الثالثة – الجد – جدتي- امي ) وكذلك شخصيات بإسماء (فاضل إبراهيم- فتنة ذرب- فطيم وحيلي- علوان الجاسم- المجنون خالد خلف واخرون) وسط هذا الكم الهائل من الشخصيات المتناقضة بالمشاعر والمواقف والافكار يريد شوقي من المتلقي ان لا يفهم مجتمعه فقط بل عليه كمثقف ان يطلق عملية التغيير!
الخاتمة
من تيار الوعي وبأسلوب ميتا السرد وعن السيرة الذاتية في اصعب ظروفها يقدم لنا شوقي رؤية فلسفية تنتقل من الماضي ليدين الدكتاتورية والحروب وغياب العدالة والسجون ومن الايديولوجيات انعدام الاهتمام بالانسان ومن الحاضر رفض لكل الفوضى غير الخلاقة، كل هذا حتى يضعنا في بوتقة (تجربة موت) ” ضحكت المرأة الماسكة بخيوط لعبته القابلة، وهي تضع اكداسا من الاوراق البيض أمام باصريه اللذين انبجس منهما سؤال واحد لا غير..- ما الموت؟… ولماذا يتحتم علينا ان نمارس لعبته طوال حياتنا؟”ص162