النجاح بنت محمد محمذفال في قراءة للقصة القصيرة جدا “زهرة السوسن” للشيخ بكاي
(غاب في شلال الشذى المنسكب من زهرة السوسن السمراء، وعانق الزمنَ الذبيحَ في عينين سوداوين تمطران عتابا “أليما”، وتشعلان في القلب حريقا وبركان ندم..
جمع عبيرُ السوسن خيالَ نخلة راسخة الاصل شامخة الفرع، وظِلَّ مهرة أصيلة ضامر، مستقيمة القوام، حَمْحَمَتُها موسيقى الخلود…
رمى العبيرُ بالكل إلى ذاكرة مثقلة تدحرجت هي وماتحمل في فَجٍّ لانهاية له…
قال قمر يحرس كثيبا: “لقد كنت شاهدا على أجمل فصل في رواية لن أتركها تستمر مأساة”.
ابتسم الصبح وغنى للحلم المستحيل… )
الإبهام هو سمة بارزة من سمات القصة القصيرة جدا لذلك جاء فاعل الفعل غاب مستترا .. ظل مبهما إلي ان تمت إزاحة الابهام عنه من خلال موضع الغياب ” شلال الشذي المنسكب من زهرة السوسن ” الامر الذي يحدد طبيعة الموضع بأنه داء يحتاج إلي علاج لذا تم الإيحاء بزهرة السوسن ذات الطبيعة العلاجية غياب اوصله إلي عناق حبيبته من خلال “الزمن الذبيح “،وهو عناق أكثر مرارة من الغياب يحفه حريق في القلب وبركان ندم واي قلب يتحمل هذا؟ ..
ما كان لهذا العناق القاتل إذا أن يكون ! هنا تتفاقم ازمة البطل لكن عبير السوسن ذي الطبيعة العلاجية ضمن من خلال ماجمع من خيال جامح أمر اللقاء من خلال ماتوحي به النخلة العربية من وفاء يتحدي الزمن إسقاطا لذلك علي المحبوبة : جمع عبيرُ السوسن خيالَ نخلة راسخة الاصل شامخة الفرع، ثم جعل من نفسه أي الشذي مهرة اصيلة “وظِلَّ مهرة أصيلة ضامر، مستقيمة القوام، حَمْحَمَتُها موسيقى الخلود…” .. لكن كل ذلك لم يوفر اللقاء فقد تلقفته ذاكرة مثقلة تفوح منها رائحة الصراع بين الذكوريةفي خصامها مع الانوثة ، حيث ابتلع الفج الذكوري كل آمال اللقاء وخابت مساعي الشذي: “رمى العبيرُ بالكل إلى ذاكرة مثقلة تدحرجت هي وماتحمل في فَجٍّ لانهاية له…” حتي تراءت الانوثة في رمزية القمر لها : “قال قمر يحرس كثيبا”وهنا ياتي مصدر الإلهام تراكميا فالقمر رمز للانثي في جمال ثغرها وجاذبية ابتسامتها .. اما الكثيب فيوحي بسرعة تقلب الاحوال وعدم الثبات لذلك وصف القرآن الجبال الراسيات بعد زوالها يوم القيامة بانها تتحول إلي كثبان( يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلْأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا)،وذلك لان الرجل العربي يانس للصدود في خلفيته الادبية.. يقول امرء القيس “تصد وتبدي عن اسيل وتتقي بناظرتين من وحش وجرة مطفل “.. فشخوص القصة – عاشق ذو آليات مختلفه لتحقيق حلمه متمثلة في -نخلة اصيلةكرمز للحياة والثبات – مهرة اصيلة وكلاهما ترمزان في الثقافة العربية للوفاء . – غادة ذات نلامح فاتنة متقلبة الأطوار تناقض تماما حال النخلة والمهرة التي حاول البطل من خلال جمعه لهما عن طريق عبير الشذي ذي الطبيعة العلاجية -أ ن يسقط عليها صفاتهما ..لتشتد ازمة البطل وليحتدم الصراع بين الانوثة والذكورية فيستغيث البطل بالصبح عدو العشاق الذي لايسعفه حين يغني للحلم المستحيل.. عندئذ تكتمل اتراجيديا القصة التي حضرت فيها الانثي -الغادة-المعبر عنها رمزيا بالقمر كحارسة للغدر والتقلب ؛ وعجز فيها الذكر عن رسم ملامح الحلم .