تأثير الشعراء الشناقطة في الشعر الافريقي/ الشيخ معاذ سيدي عبد الله
تكاد تجمع جل الدراسات الأدبية، التي تتحدث عن الشعر العربي ونقده، في إفريقيا جنوب الصحراء، على اعتماد أولئك الشعراء للنص الشعري الموريتاني، نموذجا و مثالا .يقول عبد القادر سيلا، متحدثا عن الشعر العربي في السنغال : “في صعيد القريض يشغل الرجز مساحة واسعة، فضلا عن أن مواضيع إنتاجهم الشعري، تتمحور حول قضايا محدودة نسبيا، حيث تستوعب المدائح النبوية جل القصائد، يضاف إليها المنظومات المدرسية.والإنتاج الشعري هذا، تابع للشعر الموريتاني قلبا وقالبا، يبتدئ بعض الشعراء السنغاليين في مستهل قصائدهم، بالتشبيب والنسيب وسيلة للوصول إلى محور القصيدة : (يشيم البروق فيتهيج لها، ويدغدغه بلول ريح الصبا، وتثيره تغاريد الهزار، ويبكي على طلول دعد، وتزعجه بلابل الليل القادمة منها ) ” .
بل إن التأثير يتضح أكثر في بناء القصيدة شكلا، حيث اللغة والوزن وتشكيل الصورة، ومضمونا حيث أثر موقف الشناقطة من بعض الأغراض الشعرية في موقف بعض الشعراء الأفارقة منها.
وهذا ما انتبه له الدكتور عمران كبى حين أشار إلى أن شعراء الغرب الافريقي حرموا غرض الهجاء اقتداء “بعلماء شنقيط الذين ظلوا في حياتهم الشعرية يحرمونه والغزل، حتى شاع بينهم بيت محمد اليدالي:
وقد علمتَ بأن الهجو حرمتُه ** أتت حديثا وإجماعا وقرآنا”
ثم يشير في موضع آخر من دراسته المتميزة عن الشعر في الغرب الافريقي إلى أن غرض الغزل يكاد يكون شبه حرام لديهم تبعا لحرمته في الشعر العربي الشنقيطي الذي يعد جسرا ونموذجا يحتذى لدى شعراء جنوب الصحراء.
لقد أدى التطابق في المرجعية العلمية بين الشناقطة وجيرانهم الآفارقة إلى تأثر هؤلاء الشعراء بنظرائهم الشناقطة في البنية الإيقاعية للنص، يقول الدكتور عمران كبي متحدثا عن بحر الخفيف عند شعراء الغرب الافريقي:”يشارك بحر الخفيف في الدائرة العروضية بحري المجتث والمضارع، ولكنه تفوق عليهما في استعمالات كثير من شعراء المنطقة، وإن كان يتأخر عن البحور السابقة في ترتيب استعمالاتهم.وشّذ عن ذلك السنغالي محمد الخليفة انياس الذي قدمه على جميع البحور المستعملة لديه بنسبة ( 33,44 %)، ويحتل الرتبة الثانية لدى أخيه الشيخ إبراهيم انياس بعد الطويل بنسبة ( 12.62 %) ، كما احتل الرتبة الثانية في قصائد النيجيري عيسى ألبي أبي بكر بعد الكامل بنسبة ( 28.90 %)، واحتلّ الرتبة الثانية عند الغيني كراموا طلبي بنسبة (%32.40 ) في أبياته المستعملة لا في قصائده.
لقد حظي (بحر الخفيف) بنظم بعض الدواوين فيه على أيدي الاثنين المذكورين آنفا من مشائخ السنغال : أ- الشيخ محمد الخليفة الذي نظم في ديوانه (خاتمة الدرر ) 32 قصيدة و 38 مقطعة في السيرة النبوية، بلغت ( 770 ) بيتا.ب- الشيخ إبراهيم انياس الذي وضع ديوان (جبر الكسر) ضمنه السيرة النبوية في 19 قصيدة و 19 قطعة في ( 408 ) بيتا.ومن المعلوم أن بحر الخفيف من الأوزان الشائعة عند الشعراء الموريتانيين، فرتبته عندهم رابعة بعد الطويل والبسيط والكامل، بل يتقدم عليها جميعا في شعر بعضهم يقوي الفاضلي والأحول الحسني ويأتي في الرتبة الثانية عند ابن الطلبة اليعقوبي بعد الطويل.لا يخلو تلميح الدكتور عمران هذا من ذكاء، فمن المعلوم أن التناص وما يشاكله من نظريات تعالق ابداعي، كالنص الغائب مثلا تقوم على أنه لا يمكن ابداع نص بمعزل عن ما سبقه من ابداعات مشابهة، اطلع عليها المبدع من قبل، وأبقى عليها في لا وعيه لحين ظهورها بشكل من الأشكال في ابداعاته، وهذا ما عبرت عنه الدراسات النصية المعاصرة بجملة (ليس الليث إلا مجموعة خراف مهضومة) فالنص هو الليث، وقراءاته هي الخراف.
———————————————
من ورقة علمية قدمناها في مؤتمر اللغة العربية في افريقيا المنعقد بنواكشوط 2019 بعنوان : ( الحضور الشنقيطي في الثقافة العربية لافريقيا جنوب الصحراء- الشعر نموذجا).