جدلية الحب والهوية في رواية “المهطوان” لرمضان الرواشده/ عبدالمهدي القطامين:
د. عبدالمهدي القطامينالرواية هي نتاج فني ادبي حديث الى حد ما وارتبطت نشأتها بالحداثة فهي ابنة المدنية اذن وهذا يفسر سبب نشؤها في الادب الغربي بزمن بعيد وطويل دون ان يتم إدخالها بالآدب العربي ،.فحداثة الغرب وتطوراته المتلاحقة بل وصراعاته ووصوله الى مستوى مدني متقدم على وقع حياة سريعة الإيقاع والديناميكية جعلت من الرواية فنا لافتا بينما في الأدب العربي ظلت الرواية تعاني من سكون الحياة ورتابتها فالحياة العربية بكل مركباتها ما زالت سكونية، خالية من النزعة العقلانية، تنتصر للجماعية على حساب الفردانية. وكل هذه مضادات للحداثة الحياتية والروائية بطبيعة الحال وهذا هو ما يفسر ظهور واقعيات جديدة على إيقاع سطوة الوعي الفردي الذي كُتبت به روايات الجيل الجديد من الروائيين الاردنيين والعرب .
ضمن المفاهيمية التي اسلفت يمكن لنا ان نحدد مدخلا مناسبا لقراءة منتج الروائي رمضان الرواشدة منذ نشر روايته الاولى الحمراوي فهي رواية حداثية بكل ما في الكلمة من معنى حداثة بنيوية وحداثة زمكانية واللافت في مجمل اعمال رمضان امران هما الزمان والمكان وارتباط الشخوص الوجداني بين هذين المفهومين في صيغة سؤال كبير يبرز في ثنايا النص …هل الراوي هو الكاتب نفسه بمعنى ان الاعمال تلك اعمال تقترب من السيرة الذاتية للروائي ذلك ما ينفيه ونفاه الراوي الكاتب فيما يؤكد بعض من قرأ تلك الاعمال قراءة نقدية يكاد يلمح الراوي بلحمه وشحمه ولكن في ادغام لضرورات الدراما الروائية ذلك على الاقل ما لمحته شخصيا في مجمل اعماله من الحمراوي مرورا ب النهر لن يفصلني عنك وجنوبي ثم اخيرا المهطوان التي يبرز فيها بوضوح ثنائية الحب والهويةوقد كان ثمة مفارقة تلوح هنا وهناك في اعماله الروائية هي ان تلك الاعمال تتكىء على شخوص نراهم في الواقع نصادفهم كل يوم في الدراسة والعمل وفي النظر البعيد نحو مستقبل ملامح وحدته اكبر من ملامح تفرقه على الرغم من مرارة الواقع وبهذا فأن الراوي الذي تلبس النص في الكثير من الاحيان هو راو لا يراوح بين التفاؤل والتشاؤم كاميل حبيبي في رواية المتشائل لكن رمضان ينحاز الى الامل ما استطاع اليه سبيلا وقد لمست مثل هذا في جل ما نشر من اعمال روائية .رواية المهطوان هي رواية تقول الكثير في نص قليل متشظي فالسرد فيها موجز مختصر مكثف لكنه يلقي الضوء الكاشف المبهر على الحدث ثم ينسحب تاركا للقاريء ان يتخيل ولا شك لدي ان اشراك القاريء في السرد النصي هي لعبة روائية جميلة فالقاريء لم يعد طالبا في قاعة صفية يكتفي بما يلقن بل اصبح لاعبا حقيقيا في المتن يطمح ويتذمر وينتقد واحيانا يعلن العصيان على المؤلف الراوي نفسه.في سيرة المهطوان الفتى الجنوبي الكركي الذي ينتقل من الكرك الى صويلح في رحلة البحث عن العلم مثل الاف الطلبة الذين خاضوا مسافات ظامئة متعبة لكن الجامعة التي كانت تشكل حلما لفتية الجنوب القادمين محملين باوجاعهم وتعب اهلهم وشظف عيشهم باتت تشكل للجنوبيين صدمة حضارية بكل ما في الكلمة من معنى ،، منهم من انطلق في البيئة الجديدة مسايرا لشروطها ومنهم من اغلق ابوابه مكتفيا من الغنيمة بالإياب .المهطوان الجنوبي يعشق سلمى الفلسطينية المسيحية وهنا يبدا تركيب اللعبة المعقدة لعبة الحب المستحيل المحكوم عليه بالموت وربما هنا ربط رمضان الروائي خيله فهذه التركيبة المعقدة للحبيبة تشكل عقدة النص وتوجهاته وميوله فمهما كان الحب مستحيلا فأن روابطه تظل قوية هذا الخيط الرفيع من الحب هو مؤشر على الحب الاكبر وعلى العلاقة الوتينية بين الاردن وفلسطين تلك العلاقة التي تمتد ولا تنقطع وتتمدد ولا تتحجم على الرغم من كل ما يريده الاعداء من فصل وقطع لحالة وجدانية متأصلة.يتكيء الراوي على القصص الشعبية والميثولوجيا احيانا في اعطاء البعد الرمزي لأبطال رواياته اذ يروي جمع القرية المحتشد اثناء اخراج الافعى من بطن المهطوان ان الشيخ صاحب الكرامات الذي سيداوي المهطوان يبلغ من العمر الفا واربعمائة سنة بما في هذا البعد الزمني من اسطورة ارادها الكاتب لاضفاء البعد المكاني للقرية او للوطن كله .
رواية “المهطوان” تجسّد وحدة الدم والمصير بين الأردن وفلسطين، التي يمثلها بطلا الرواية عودة وسلمى، وهي تتضمن تقنيات متعددة في السرد، مثل صوت القرين والقدرة على الاسترجاع وتوظيف التراث الشعبي الأردني، وطقوس تراثية استطاع العمل إحياءها، كما عكست مخاضات فكرية وسياسية عاشها الأردن في ثمانينيات القرن الماضي.“المهطوان” تنتمي إلى تيار الوعي وتتميز بالاقتصاد اللغوي وشاعرية اللغة، وتوظيفها تقنيات السرد الحديثة، وتخليقها لشخصيات تمزج بين الواقع والفانتازيا ضمن فضاءات أسطورية، واحتوت على ثلاثة عشر نصاً شعرياً للكاتب بالإضافة إلى احتوائها مقاطع شعرية لكتّاب آخرين، كما أنها تمثل رواية البطل الفرد ما يفرض المونولوغ الداخلي على السرد، ويمكن تسميتها بالمونودراما الروائية التي تأخذ القارئ إلى عالم أكثر عمقاً وعدالة كما يقول الناقد رجب أبو سرية .الرواية عند رمضان الروائي (والراوي الذي هو الأنا أو الذات) لا تقول كل ما عندها، بل إن بطلها يتعمد أن يبقي الرؤية مفتوحة على أكثر من احتمال، وحين تنحاز الرواية في مقاطع عدة للنص الشعري، فإن الراوي يريد أن يؤكد حميمية القضية التي يتبناها.
أخيرا في الحفل الذي أقيم في العاصمة عمان في المركز الثقافي الملكي لإشهار رواية المهطوان واثناء مناقشات العمل الروائي او بعده بقليل خرج من بين الجمهور شخص فارع الطول ضخم الجثة نمرة حذائه كما يقول الراوي 48 وخاطب الجمهور قائلا انا عودة المهطوان وكان ذاك احد ابطال هذه الرواية في الواقع لكن بتصرف ذكي درامي من صاحب الرواية والنص رمضان الرواشدة .
عن “رأي اليوم”