رسالة إلى الشَّاعر الكبير الدي ولد آدب .. / المختار السالم
أتَعْلَمُ أنَّـنِي إَنْ قُلْتُ شِعْراً
تَرَاني لَا، غُـلُوَّ، ولَا كِـذَاباَ
تَرَانـي لَسْتُ أرْجُو مِنْ ثَنَاءٍ
كَـفَـتْـنِي النَّفْسُ فِي دَرْبي ثِـقَاباَ
فلمْ أشْكُ الرَّمَادَةَ في حَــيَاتِي
وَلاَ ظُلْـمَ البِــــلَادِ وَلَو عِـتَاباَ
وَلَمْ أجْعَلْ إِلَى ذَهَبٍ مَسِيـري
وَقَدْ يَـشْريْهِ مَنْ عَمِلَ احْتِطَاباَ
وإنِّـي لاَ أحَابـِـي النَّاسَ أَمْراً
وَمَا كُـنْتُ الـمُغفَّـلَ كَـيْ أحَابى
لِـيَـمْدَحْ نَــفْسَهُ الـمُــثْــنِي عَلَينَا،
وَيَـحْذَرْ مَا تَـقَاصَـرَ أنْ يُـعَاباَ
فَنَحْنُ بَقِــيّةٌ مِن قَوْمِ طُــهْرٍ
يَـرَونَ الشِّعْرِ مُنْـتـَـبَذاً عُـجـَاباَ
أَخِـي يا الدِّي ابْـنَ آدُبَّ الـعَوَالي
إِلَيْكَ رِسَالَتِي.. حَرْفاً رِحَاباَ
أَخِـي إنِّــي أُحِسُّكَ فِي حُرُوفِي
دَمَاءُ النَّجْمِ لا تَـخْفَــى إِهاباَ
وإنِّــي إذْ أحِـسُّكَ للمَعَالي
ذُرَا نَبْعٍ قَد انسَكَبَ انْسِكَاباَ
لأعْرِفُ كَــمْ قَليل حِـيْـنَ تُــعْزَى
إَلَيكَ كَـواكِبُ الدُّنْـيَا صِـحَاباَ
جَلَـبْتَ لِشَعْبِكَ الأمْجَادَ فـَخْراً
وَقَدْ أعْـطَــيْتَ شِنْـقِــيْطَ الـمَهَاباَ
قَد اسْتَحْضَرْتَ عُـقْبـَةَ في خِصَالٍ
وَلَلضَّادِ العَـزِيزِ فَـتَـحْتَ بَاباَ
بَكَ العَرَبيَّةُ استَقْوَتْ فنُوناً
وَتَارِيْـخاً تُسَوِّمُهُ عِــرَاباَ
نَــثَـــرْتَ مُـتُونها عِشْرِيْـنَ قَـرْناً
وقُلْتَ: “أنا لَها أجْلو الضَّبَاباَ”
ومِنـْـكَ تَسَنْـبَلَ الضَّادُ الـمُعَلَّى
سِلَالَ الرَّأْيِ والرُّؤْيَا صَــوَاباَ
وأبْـدَعْتَ القَصَائِدَ كَـلّ وَادٍ
تَـركْتَ يَـــبَابهُ بــَحْراً عُــبَاباَ
حَمَلْتَ إِلَــى السُّهُولِ ضِيَاءَ فَـجْرٍ
بِهِ لــذَّ الـهَـوَى عُمْراً وطَاباَ
حُرُوفُـكَ للرِّمَالِ نَدَى فُؤَادٍ
يَـمُدُّ لكلِّ عَـــــــاثِـرةٍ رِكَاباَ
وتَـقْدحُ للطَّرِيْقِ خُـطَاكَ دَرْباً
وتَـمْنَــحُ مَن سَرَى فِــيـهَا شِــهَاباَ
……
زَمَانٌ يا خَلِيْلَ الضَّوءِ تُـفْشِي
مَنَارتَكَ الـمُسَوَّرَةَ احْـتِسَاباَ
فَشَبَّ البُعْدُ فِي نظَرَاتِ شِيْبٍ
تُبصِّرُ كُلّ مَن يَــعْرَى حِــجَاباَ
وشِعْرُكَ قد أزالَ القُبْحَ عَـــنَّا
وَأَفشى في خَطَايانا الـمَــتَاباَ
وصِدْقُـكَ ثَمْــرةُ الأرْضِ التِّي لَا
تَـرُومُ لَهَا القِنَاعَ وَلَو سَــحَاباَ
فأنْتَ الشَّاعِرُ الـمَوهُوبُ حَقاًّ
وَأَنْتَ العَبْقَرِيُّ وَقَدْ أَصَاباَ
وأنْتَ الشَّاعِرُ الـمــَسْكُونُ صَـحْواً
عَلَى صَـحْوٍ، وَعَنْ جِـيْلٍ أَنَاباَ
وَعَن جِيلٍ تَغَنَّى القدْسَ قُـدْساً
يُبَايِـعُ في قَضِيَّـتِـها الكِــتَاباَ
فأضْحَى نَبْضُهُ للقُــدْسِ سُوْراً
وأمْسَى في دُجُــنَّـتِــها حُـبَابَا
وَسَوَّرَ عَــهْدَ بَـغْدَادٍ نَـخِيْلاً
وأسْمَعَهَا قَصَائدَهُ العِــذَاباَ
وَكَمْ أفْضَى لَأَنْدَلُسٍ بِبُشْرَى
سَنُـرْجِعُها وَلَو طَالَتْ غِــيَاباَ
إِلَى الزَّمَنِ “الـمُحَـرَّقِ” بَاتَ يَشْدُو
لتُـصْبِحَ جَـمْرةُ الـمَـنْـفَى رُضَاباَ
وَفِي أنْشُودَةِ الـمَـــنْفَى تَسَامَى
عَلَى الآفاقِ أزْجَـلَها لُبَاباَ
وأزْهَرَ وَرْدَةَ الـمَعْنَى جُذُوراً
فَلَـمْ يَـقْبَلْ لثَــمْـرَتِــهَا اسْتِلَاباَ
وإنَّ الدِّي لشَاعِـرُنَا الـــمُــعَـنَّى
بِـمَا هَــمَّ الـمَــفَازَةَ واليَبَاباَ
وَمَا هَــمَّ العُرُوْبَةَ من عَنَاءٍ
وأحْنَاهَا وأذْوَاهَا مُصَاباَ
بـَــكَى فِيــهَا مَـعَــزَّةَ أنـْبِـيَاءٍ
بـَــكَى فِيــهَا الصَّوامِعَ والقِبَاباَ..
وَسَعْداً والـمُثَنَّى.. و”النَّشَامَـى”
وأيَاماً أخِذْنَ بِـــهَا غِــلاَباَ..
ولم يَنْسَ الرُّبى زِرْيَابُ فِيــهَا
يُعَتِّقُ للصَّدَى لَحْناً رَبَاباَ
وَحَـيْـنَ “تأبَّطَ” الرَّجُلُ القَوَافِي
وّأَجْزَلَ فِي خُطَى الـمَـعْـنَى رِئَاباَ
وَأَعْلَى الأَهْلَ ذِكْراً فَوقَ ذِكْرٍ
وأرْجَعَ أمْرَهُـمْ أمْراً شَبَاباَ
تَوَاصَوا بالنَّكِـيـرِ!.. فـَـأيُّ قَــوْمٍ
أضَاعُوا الـمَـاءَ واسْتَسْقَوا سَرَاباَ
أضَاعُوا حَــقَّ شَاعِرِهِـمْ غَبَاءً
فَهَلْ حَثُّوا الخُــطَى إِلاَّ تَبَاباَ
وإنِّـي قَدْ عـَجِـبْتُ لِأَنَّ قَـــوماً
وَقَـدْ مَكُروا ضُحًى مَكْراً عُـجَاباَ
تَنَاسَوا بَالتَّــنَـاكُــرِ لَــيْثَ عِــزٍّ
وَمدُّوا للذُّبَابِ القَشِّ نَاباَ
وقد يـَجْفُو أُسُودَ مَـعَــزَّةٍ منْ
تَـراهُ مَذَلَّـةً مَدَحَ الذُّبَاباَ
ولكنْ بالفَتَى “الكُــنْـتــِـيِّ” كَانَتْ
شعيرةُ بيْـرَقِ العَلْيَا نِــصَاباَ
ألا إنَّ ابنَ عقبة مَجْدُ قـَوْمٍ
وَتَارَيْــخ تَـرَفَّــعَ أنْ يُــذَاباَ
سَيَــبْقَى فَــوْقَهَا هَرَماً أصِيْلاً
ويَــبْقَـى مِن ذَوِي القُرْبَى قُـرَاباَ
وإنَّ مَقَالتِي لَلأَهْلِ أنْ لَا
شِفَاءَ لِـمُخْبِتٍ وَهَجاً رُهَاباَ
فكَـمْ ضَاعَ الغَبيُّ إذاَ تَذَاَكى
وَكَــمْ فَازَ الذَّكِــيُّ إِذَا تَغَابى.