ثقافة وفنموضوعات رئيسية
مظفر النواب اذ يعود الى الحياة/ اسيا العتروس
الان و قد رحل مظفر النواب عن هذا العالم وتنفس الصعداء من لاحقوه و طاردوه بالامس القريب أومن بقي منهم و ضيقوا عليه بالسجن و المنفى وتفننوا في مصادرة اشعاره و كتم انفاسه فقد يكون بامكانهم ان يهنأوا ويدركوا أن من دأب على فضحهم و اسقاط الاقنعة عنهم و كل الذين كانوا يصرون على قتله “بكرامة الخنجر العربي أن يدركوا أنه برحيله سيظل يلاحقهم جيلا جيل بل ان من لم يكن يقرأ و يستمتع بكتابات و قصائد السياب المسرفة في تحطيم كل المقدسات سيلهثون بحثا عنها و تلذذ كل حرف من احرفها بعد ان تزينت المواقع الاجتماعية بها ..
..و لعل من اصروا على وداع مظفر النواب الوداع الاخير على طريقة و على طريقة مظفر النواب و هم يطالبون بطرد رموز الفساد و التسلط عن جنازته ولو لم يفعلوا لكانت انتهت اسطورة مظفر النواب ما يؤكد ان هناك من يحفظ ذاكرة النواب المقصية ..
لقد عاد مظفر النواب في موته و كانه مولود جديد ليحتضن الارض التي عشقها ليوارى الثرى تحت الارض التي حملها في اشعاره كما حمل كل الاوطان العربية في ذاكرته ..رحل و قد استعدت بغداد و اهلها لوداعه الوداع الاخير الذي يليق به في تطابق مع المثل التونسي الشعبي عاش يتمنى في عنبة مات جابولوا عنقود ..فهكذا نحن العرب عقلية وفية للجثث و لكنها لئيمة مع الاحياء ..رحل من يمقت نصف الدفى و نصف الموقف ..رحل من عاش مقتنعا بأن من باع بغداد و القدس لن يشتري دمشق رحل من نطق باصدق وصف للعالم العربي المخذول رحل و هو يسأل أروني موقفا أكثر ذاءة مما نحن فيه . ودّع العراق بالامس في جنازة رسمية و شعبية مهيبة مظفر النواب الشاعر العراقي الهندي العابر للحدود والثقافات و هو الذي حمل في شعره و دمه و افكاره هموم العروبة و تحول الى قنبلة كلامية موقوتة تلاحق نيرانها وشظاياها كل حكام الانظمة العرب …انتهت مسيرة اذي حمل معه علته , و بقيت كلمته التي ستتوارثها الاجيال تميز الرجل في مختلف محطات التمرد التي حولته الى غريب في الوطن قبل أن يتحول الى مهاجر حفر على جوازه تاشيرات العبور لكل عواصم العالم التي ارتفعت و منحته حق الاستقرار ليواصل الانتاج و الابداع …لن نقول كان مظفر النواب ولكن نقول سيبقى مظفر النواب عنوان التمرد على كل القيود اللغوية والفكرية , و كل الحكام العرب ممن تفننوا في ملاحقة المعارضين والمناهضين لاصحاب السلطة الذين حولوا الاوطان الى سجون و استثمروا في تقييد العقول و تجميد الافكاربدل الاستثمار في الابداع و الخلق و الابتكار .. عاش النواب وهو يتمنى ان يستريح في العراق من تعب الحياة و عاد امس الى موطنه ليوارى الثرى الى جانب والدته احترما لوصيته.. من سخرية الاقدارأن تقام لمظفر النواب مراسيم رسمية بحضور رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي, وقد كلل نعشه بالورود،ورفعت صوره و من يدي ما كانت قريحته ستجود به لو انه عاش هذا الحث و كيف كان سيتقبل هذا الاسراف الذي لم يتعوده من اصحاب السلطة … هل كان مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي يتوقع أن يخذل مودعو مظفر النواب وصيته ؟ جاء الكاظمي يتقدم الجنازة الرسمية التي تم التفنن في تجميلها و ترتيبها حتى بدت في هيبتها و كأن مظفر النواب الذي يخشى لسانه كل الحكام سلطان أو امبراطور وافته المنية بعد حياة مريحة لم يعرف معها غيرحياة الترف والبذخ وراحة البال أو كأن م خرج الاف العراقيين لوداعه أمس ليس سوى ذلك الشاعر السليط الثوري على الدوا الذي لقن العراقيين و غيرالعراقيين شعارات الغضب والتصدي لاصحاب السلطة وللمتنفذين و كل من يمكن ن يكون عنوانا للفساد و الاستبداد , و ربما لم يتوقع ريس الوزراء العراقي الذي حضر لتوديع ايقونة الشعر العربي أن يجد في استقباله اصوات الشباب و غيرالشباب ممن اقتبسوا من النواب كلماته الثائرة في وجه الحكام و قد جاؤوا و هم يتشحون العلم العراقي و ظلوا يرددون كما لو كان مظفر النواب يتصدرهم “حرامية كلكم حرامية ” كل العملاء برابرا ” شعارات اعادت الى المشهد الاحتجاجات الشعبية التي هزت العراق قبل سنتين و فرضت قبل سبعة أشهر العودة الى انتخابات سابقة لاوانها ولا يزال العراق منذ ذلك الحين في حالة جمود بعد ان ادت نتائج الانتخابات الى طريق مسدود لا ينفع معه اعودة الى الوراء و لا قطع خطوة واحدة الى الامام ي ظل قيود اللعبة انتخابية المريبة التي حولت العاق و بعد عشرين عامام على الاجتياح الامريكية الى رهينة تنتظر استعادة القدرة على التحرر .. طبعا لم يكن بامكان الكاظمى سوى اختصار المراسم الرسمية و الانسحاب من المشهد الذي مان مظفر النواب ليفوته دون أن يقول فيه كلماته و يطلق ما تعود عليه من رسائل نارية ضد مسؤولي ما يعتبره بالزمن الاكثر بذاءة ورداءة و نفاقا ..بين السجون والغربة امضى مظفر النواب صاحب قصيدة القدس عروس عروبتكم و قمم حياته متنقلا في الارض بين الشرق و الغرب .. نجا النواب من الاعدام و لم ينج من السجن الا ليواصل الابداع والكتابة و التحليق كاطير ليبدع في كل مرة اكثر مما سبق و يقول ما ستحفظه الاجيال القادمة “القدس عروس عروبتكم” و”قمم” و”قراءة في دفتر المطر” وغيرها …كان آخر ما دونه و هو على فراش المرض “متعبُ مني ولا أقوى على حملي”… من بغداد الى بيروت ودمشق، وطرابس والجزائر القاهرة و تونس و لندن حمل في جسده المعتل من كل بلد حفنة تراب و كانه يعي رسم هذا العالم العربي الموبوء بعلله و خسته دون باشعاره احلام و تطعات جيله المنهك و لكنه رسم ايضا للاجيال القادمة طريقا نحو الوعي و الصحوة الفكرية و الثقافية و الاجتماعية التي تحتاجها المجتمعات …يحسب لدولة الامارات مهما كانت المواقف و الانتقادات انها احتضنت شاعر العراق الكبيرو اكرمته في اخر ايامه.. مظفر النواب اذ يعود الى الحياة …عاشق الاوطان اذ يعود الى مهده .. اسيا العتروس
كاتبة تونسية
رأي اليوم