canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
ثقافة وفنموضوعات رئيسية

عبدالله المتقي: جمالية الومضة في “فورة السكون” للزهرة الطليكي/ عبدالله المتقي

تُعتبر  قصيدة الومضة نمطاً جديداً في أنماط القصيدة العربية، فهي ” تفجرات ضوئية شديدة الاختزال والتكثيف ترتكز  أساسا على التقشف في اللغة واقتصاد في تركيبة الجملة غايتها جمالية بالأساس” كما يذهب إلى ذلك عبد الوهاب الملوّح.

 ولقد تُدُووِلَت الومضة في السبعينيات من القرن العشرين وباتت تستقل بنفسها إلى أن أصبحت شكلاً شعريا خاصا ، ووسيلة من وسائل التّجديد الشّعري، وهذا الشّكل الشّعري ليس مقطوعا من شجرة أو مُنْبَتّا عن التراث العربي ، ” فلدينا ما يطلق عليه (المقطعّات) في العصور القديمة كما يتّضح  مِنْ خلال النّصوص الصوفية العديدة، كما في الحكم الغوثية لأبي مدين، وفي الحكم العطائية لابن عطاء السكندري، وفي الشّطحات لأبي يزيد، وفي رسالة لا يعول عليه لابن عربي، ويمكن أن نذكر في العصر الحديث  كتاب الشاعر الليبي الذي ألّف كتاب : قصيدة البيت الواحد محمد خليفة التليسي” على حد تعبير الشاعر عبدالكريم الطبال في حوار أجريناه معه .

وعليه ، يبدو الانصراف  إلى الومضة، هو الانحياز لإيقاع الحياة والتحوّلات الفنية والفكرية المعاصرة.   وقد حضرت قصيدة  الومضة في الشعرية المغربية الحديثة مكثّفة ومقتضبة، ولعلّ من أبرز تجاربها المتميزة  على سبيل المثال إبراهيم قازو ، وداد بنموسى، يونس الحيول، إيمان الخطابي، نورالدين ضرار، فتحية البو، أحمد عابد، وغيرهم كثير، والمقام لا يتّسع لاستحضار الجميع.

وعطفا على ما سبق، تعتبر الشاعرة  ” الزهرة الطليكي ”  من الشواعر المتميّزات اللّواتي  فضّلن قصيدة الومضة لتأسيس نمطٍ خاصٍّ في القول الشّعري كما اخترن تسلّق قِمَمِ الومضة الشّاهقة الصّعبة لتكون ملاذا في التعبير الشّعري رغم وعورة ومسالكه.

ولقد تجشّمت الزّهرة عناء تسلّق قمّة الومضة لتظفر بالفورة وأيِّ فورة أعتى من فورة السّكون التي أصدرتها عن مطبعة وراقة بلال في حلة نضرة، وتزين غلافه لوحة تشكيلية دالة دون ذكر  هوية صاحبها .

لعلّ أبرزَ خصيصة يمْكنُ أنْ تثير انتباه المقبل على قراءة الديوان، هو أنّه يتأسّس على ثنائية ضديّة دالة ” الفورة والسكون ”  تبني دلالتها ضدّ المرجعية الواقعية وتدفَع القارئَ إلى البحث عن مسالكَ جديدةٍ لفهم هذه السكون الفائر، وهذا التعامد بين الفوران والفتور ومن ثمّ، فهم  الآخر وذاتِهِ في الوقْتِ ذاتِهِ. وفي هذا السياق تحضر الذات والآخر  في وضعيات مختلفة :

                وهذا البحر …

نصف فينا

والآخر يغرق في ذواتنا “ص85

الذات الشاعرة هاهنا ممعنة في ذاتها وذات الآخر الذي يشبهها ، أو على الأصح تريده ممتلئا بها وممتلئة به، كما لو أنّ الأمر متعلق بحلول لذيذ، وهذه الأنا  والأنت لا تخلو من مراوغة ، حيث يعتقد المتلقي أنّه  خلف المخاطب وذات الشاعرة في حين أنّه لا يلاحق سوى ذاتك أو متخيلك .

وتبلغ بلاغة التكثيف مداها بالانفتاح على حقول أخرى، ومن ثم تحويل المعنى البسيط إلى مشهد فني خاطف وطافح بالدّلالات الكثيرة :

” قليل من الأبيض

يربك أناقة الأسود فينا

اللوحة بريشة صاخبة ” ص 126

في هذه الومضة الخاطفة والمختصرة بعدد قليل من الألفاظ التي استوحتها الشاعرة من الألوان ومن الفن التشكيلي على وجه  الخصوص، لكنها استطاعت التعبير  عن رؤيا شاسعة تنفتح على دلالات متعددة الخير والشر الرابضين  بدواخلنا ، فالأبيض والأسود  يتجاوزان  المعنى الظاهري للألوان  إلى معاني دالة ، ويتأكد هذا المعنى أكثر في  توظيفه ” للوحة التشكيلية ” وما لها من دلالة صخب الألوان وشوارع المعنى التي تفتحها في وجه القارئ الرّيشة الصاخبة التي تحاكي الفوران في صخبها بينما تركن الورقة كما يركن السّطح المرسوم عليه إلى السّكون. وتلك لعمري أعتى درجات الفوران والتوهّج والإبداع لوحة ونصّا وومضة وأفقا دلاليا لا يستكين.

وإذا كانت القصيدة الومضة  جسدا صغيرا مكتملا تلتزم القفلة المدهشة والكثافة والمفارقة صيغا بلاغية ، فإن ومضات ” فورة السكون ” حافلة بجمالية المفارقات  وبلاغتها ، إذ كثيرا ما وظفت الشاعرة المفارقة التي تقوم على التّضاد الظاهري والباطني والمباغتة الآسِرة حدّ الشّبق الإبداعي، ومن الومضات التي يتجلى فيها معنى هذه المفارقة البالغة التّكثيف والدهشة :

” بسيطة أنت

حد التعقيد

عشقتك فقط

لفرط اختلافك ” ص49

وبلا شك أن المفارقة جوهر هذه الومضة ” البساطة – التعقيد ” وهي تتناغم تماما مع بساطة السّكون وتعقيد الفوران، لأنّها تعكس الرؤية المزدوجة في الحبّ التي تتغيّر فيه المعادلة والاتزان و ” استحضار للدوافع المتضادة من أجل تحقيق وضع متوازن في الحياة” حسب أ .اي, ريتشارد ، ومن خلال هذا الاقتضاب  والتكتيف في عدد الكلمات استطاعت الشاعرة الزهرة الطليكي أن تنقل لنا تجربة الكتابة ، مع التّركيز على مكانة بَلاَغَتها وبَيَانها وذَرَابَتها المحملة بجمالية بعيدة عن حفاء الكتابة وعرائها.

وفي لقطة بارقة تلتقط الشاعرة فداحة النهايات في خطابها للآخر:

” لا تهتم لهذا الغروب

هكذا العمر فينا يذوب”ص 87

إن الغروب والعمر يؤطران  أجواء هذه البرقية الشعرية ، ومن خلالها  تلتقط الشاعرة صورة فائضة تدمج الغروب في العمر بكونهما مرآة واحدة. وبين العروب والسّكون أكثر من اتّصال كما بين الشّفق المحمّر والفوران أكثر من تطابق فمن رحم الغروب السّاكن ينبجس ليل بهيم مليئا بالحركة والعشق والهيجان والفوران رغم السكون ظاهريا.

 هذه قراءة سريعة لمنجز شعري يستحقّ المتابعة لشاعرة تحقّق رصيدا شعريا من الإبداعية والنضج الفني الذي ينتصر للشعرية الوامضة والخاطفة التي تضمن للمتلقي المتعة وشهد المعنى وبعصارة لفظية وإشباع للمعنى ، وصفوة القول ، تقول قصائد ” فورة السكون القليل ، لأنها تعرف الكثير وتختزن الجَمّ من الأسرار وطرائق الإبداع والقول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى