“عواطف” رواية تقدم شخصيات روائية تتفاعل مع التاريخ
6 يونيو 2022، 00:06 صباحًا
بغداد – حمدي العطار
قد لا يكون التاريخ السياسي واحداثه على قدر من الاثارة والتشويق لأن تلك الاحداث التاريخية مع مرور الزمن تفقد جذوتها وبريقها لأنها تمثل الماضي، لذلك يحرص الروائي حينما يرجع بالمتلقي لمئة سنة مضت ان يعطي للوصف حصة من الرواية لتقديم الحياة التي كان الناس يعيشونها والامكنة – المباني والاسواق- وكذلك العلاقات العاطفية والاجتماعية. ونجح في هذا المجال كتاب ورائيون مثل “رضوي عاشور” في (ثلاثية غرناطة) ويوسف زيدان في (النبطي) ورواية (فردقان) والروائي “أحمد مراد” في رواية ( 1919 ) التي يرصد فيها فترة الاحتلال الانجليزي لمصر، والروائية “ريم بسيوني” في رواية ( اولاد الناس) والروائي “صنع الله إبراهيم” في رواية (1970) يتناول فيها رحيل عبد الناصر ، وكذلك رواية (كل الشهور يوليو ) للروائي “إبراهيم عيسى” وقد يرى بعضهم ان ما يحدث لشعوبهم وللعالم جزء من اسبابه تأتي من هذا الماضي الذين يتناولونه في اعمالهم!
الهروب من الحاضر
رواية (عواطف) للروائية “ميادة سامي” صدرت من دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع سنة الاصدار 2022 وتقدم في 197 صفحة من القطع المتوسط وتتضمن 13 فصلا، لا تشعر ان الروائية تهرب من الحاضر باللجوء الى الماضي بل هي نجحت في تقديم الماضي (قبل احتلال العراق من قبل الانجليز) وحاولت ان تزج بالاحداث التاريخية بصورة غير مباشرة لبيان مدى تأثيرها على الشخصيات الروائية،(مصير عواطف وشقيقها وامها خديجة) ارتبط بموقف الاب الايراني الجنسية من اصل بريطاني في حملة الانجليز لأحتلال العراق ! ومن الاستهلال تنقلنا الروائية عبر تقنيات سرد ما بعد الحداثة الى لندن حينما تعاني (آن) الانجليزية من صعوبة تقبل عدم عودة ابنها ( ألبرت) الذي نتعرف عليه فيما بعد تحت اسم (رضا الأصفهاني) صاحب مطحنة الحبوب ! وهذا من فضاء السرد يكون هو اب البطلة عواطف وزوج لخديجة التي ماتت وهي تلد عواطف! كأن المتلقي يتلمس مدى اقتراب الشخصيات من الواقع في اطماعها وتناقضاتها وما تعانيه بعض شرائح المجتمع من الفقر وانعدام الحياة الكريمة في السكن وتوفير مستلزمات الغذاء والتعليم والصحة.
تناوب السرد
حاولت الروائية مع بداية كل فصل ان تقدم مقولة مشهورة او حكمة او قصيدة شعرية لبيان ملامح الاحداث وتأثيرها على الشخصيات، فهناك شذرات من (الامام الشافعي ومحمود درويش وجبران خليل جبران وقيس بن الملوح وعمر الخيام واحمد شوقي وشابلن ولي باي ونزار قباني وعنتر بن شداد فضلا عن ميادة سامي)
استطاعت الروائية من خلال تنويع السرد وانتقال السرد من شخصية الى اخرى ان تبقى الرواية مشوقة يتابع بشغف القارئ مصير الشخصيات وتطورها، ولا تستخدم الروائية التسلسل التاريخي للاحداث بل هناك انتقالات زمنية مبررة لتناول الاحداث حسب ايقاع الروائي المناسب للحكايات لكل شخصية ومدى تأثيرها على شخصية البطلة (عواطف) واذا جعلت الروائية حصة عواطف من السرد الحصة الاكبر فهي قادرة على التنوع حينما ينتقل السرد لشخصية الخال الشرير (جابر) او عندما يكون السرد من خلال (مذكرات الجدة آن) ، وادمز وفيصل، جميع شخصيات الرواية تتصف بالنضوج والاثارة وكأنهم يقدمون انفسهم كمنافسين للحصول على قبول المتلقي! مع اننا لا نحب الا (عواطف) ونتفاعل مع معاناتها منذ الطفولة وهي تعيش بمقبرة النجف وتغطي الامطار سريرها حتى تنتقل الى بغداد ومنها لتعيش كأميرة في قصر جدها البريطاني (وليام) وزوجته الجدة (آن) التي (تربطها بالملكة إليزابيث) صلة قرابة.
تتصاعد احداث الرواية من تصوير حياة الناس العاديين في النجف وعواطف بينهم ومعهم تتعرض ما يتعرضون له من فقر وظلم وخطورة الى حياة الناس في المجتمع المخملي حيث القصور والثياب الغالية والرقص وحياة الامراء الاكثر غرابة من الخيال! في الرواية سوف تتوقف عند وحشية (جابر) وانسانية (محمد) وخيانة الانتقام عند (لميعة) وقسوة (سالم) وذكاء ( آدمز) وحنان (آن) ورومانسية (فيصل) وتقلبات (عواطف).
المؤشرات الاسلوبية
الكتابة عن عادات وتقاليد الشعوب الاخرى يحتاج الى معايشة ومحاكاة ومعرفة عميقة حتى لا نتورط في وضع تصورات خاطئة عن مواقف نعتقد انها ستكون في مصلحة الجوانب الجمالية للرواية.
رواية عواطف التي تتنوع فيها مجالات السرد تبعا لوجود شخصيات اجنبية (أنكليزية) كانت تسير بما يشبه التداعيات في تيار الوعي ويكاد ان تحقق الرواية من خلال الفصل الخاص بمذكرات الجدة آن وما تكتبه عن طبائع الام (سيدة قاسية القلب مصابة بالغرور وبداء العظمة، مولعة باقتناء الثياب الغالية والمجوهرات والعطور..تلعن دوما الحظ الذي جمعها برجل يكبرها سنا) تكاد ان تكون هذه المذكرات واقعية لأننا نتقبل (خيانة والدة آن لأبيها ، كان لديها عشيق ياتي للقصر بين الحين والآخر) ص103 .
بناء الشخصيات
اوضحنا سابقا بإن الروائية ميادة سامي قادرة على تقديم شخصيات روائية مقنعة وهكذا قدمت لنا في القسم الثاني من الرواية شخصية الطبيب (فيصل) الذي كان ينافس آدمز للفوز بقلب عواطف، كذلك يمكن تقبل تعين آدمز في السفارة البريطانية في بغداد لما يملكه الجد وليام من نفوذ ومن اجل اقناع حفيدته عواطف لمغادرة بغداد والعودة الى بريطانيا خوفا عليها من الفيضان (وقد اجادت الروائية في وصف بغداد عند فيضان دجلة) وكذلك يمكن استيعاب محاولة آدمز انقاذ فيصل الذي كان محسوب على النظام الملكي بعد احداث الفوضى التي ترافقت مع ثورة تموز 1958 والذي حكم عليه بالاعدام . وكان عنصر الوصف وكذلك الحوار ناجحا في الرواية لكنني اتحفظ على التوصيف السياسي في نهاية الرواية والذي يعد من المؤشرات الاسلوبية للرواية السياسية طالما الروائية تذكر شخصيات واقعية بعناوينها الرسمية (فيصل الثاني – الملكة اليزابيث) . كما ان الفصل الخاص بمذكرات وليام وهو يصف الحرب بين الجيش العثماني وقوات الاحتلال البريطانية ومحاصرة المدن وكذلك رسائل وليام الى ابنه البرت كلها احداث تاريخية زجت بالرواية بشكل مناسب! لكنني اتوقف عند عبارات وصف السجناء الشيوعيين في نكرة السلمان من قبل الروائية وعلى لسان آدمز نقلا من سعيد “هم يقرأون الكثير من الكتب، بل يعشقونها مثلي تماما، لذا تجدهم عميقي التفكير، لا يحملون أي أحقاد، وبخاصة ضد الزعيم عبد الكريم قاسم، يسوغون حبسه لهم والتنكيل بهم بسبب ما قام به شرذمة من الحزب الشيوعي، ممن يتخذون من العنف وسيلة للتعريف عن أنفسهم ، فمنذ قيام ثورة الشواف – لم تكن ثورة- وأسلوب الرد الشيوعي العنيف ضدها غير من سياسة عبد الكريم قاسم ، ولم يعد يثق بالحزب اليساري الشيوعي”ص 164 الزعيم لم يكن يثق بالشيوعيين قبل احداث حركة الشواف!
قلبت الموازين
في الفصل الاخير من الرواية انقلبت كل الموازين في الرواية ، فقد جعلت الروائية من الجد وليام يعاني من صحوة ضمير ويأمر آدمز بإن يرجع ( الجمجمة الاثرية) الى اصحابها (العراق) كما تعتقد الروائية ان الطبقة الاستقراطية لا تقبل ان تتزوج ابنتهم من الطبقات الاخرى ونقصد (علاقة عواطف مع آدمز) في حين ان الحب لا يعرف الطبقية او النبلاء وغيرها من الاعتبارات! ثم تأتي الضربة الاخيرة القاضية لتشكل منعطفا في سياق الرواية لم يكن في صالحها ، عندما يدور هذا الحوار بين آدمز والملكة اليزابيث التي تقول له “- سمعت أنك شخص نبيل، وقد حاولت إعادة قطعة أثرية نفيسة إلى موطنها، فكيف ذلك، كان بإمكانك بيعها والكذب بشأن ذلك؟\ – صاحبة الجلالة ، أنا رجل لا أتنفس إلا مبادئي، كيف أقوم بذلك\ – مولاتي، لولا ما حدث لي، وبالرغم من الصعوبات والتضحيات والتخلي عن كل ما أحب قلبي، لما كنت الآن في حضرة جلالتك ، فزت أخيرا وحظيت برؤية جلالة الملكة، وكل ذلك بسبب ما آمنت به طوال حياتي. صفقت إليزابيث، بل وتأثرت كثيرا، كانت تعلم أن آدمز يرفض التقدم لخطبتي بسبب تواضع مستواه، لذا قررت منحه التالي:- قررنا نحن ملكة بريطانيا، وبحكم السلطة المنوطة لنا، منح السيد آدمز لقب السير آدمز، طلبت الملكة إليزابيث من مرافقها إحضار شيء ما ، ثم قالت مخاطبة له: – سير آدمز ، تفضل بقبول هذا الخاتم هدية من ملكة بريطانيا لحبيبتك. حصل آدمز كذلك على وظيفة مرموقة في قصر باكنغهام بتوصية من إليزابيث طبعا”ص196 ، لم احب هذا المقطع من الرواية! فالروائية ونحن نعلم ما فعلت بريطانيا بشعوب العالم فقد توسعت انكلترا من التراكم البدائي – يأخذون ثروات الشعوب و يرسلوها الى انكلتر! في ظل الملكة إليزابيث! عندما زرت تاج محل في الهند كانوا الانجليز قد سرقوا جوهرة عجيبة وارسلوها الى العائلة المالكة لتكون لحد الان في تاج الملكة اليزابيث! في مباراة ليفربول مع تشيلسي كان جمهور ليفربول وهي مدينة صناعية كانت صرخات الاستهجان ضد الملكة تتصاعد ، فإذا كان شعبها العمال والاشتراكيون والشيوعيون والفقراء والايرلنديون لا يحبون ملكتهم فكيف نحن نظهرها بهذا الشكل الجميل والتي تشجع على رد الاثار لشعوبها!!كان يمكن ان تقنرن عواطف بحبيبها فيصل من دون المرور بهذا المأزق السردي الاخير!
الخاتمة
على الرغم من ملاحظاتنا النقدية التي ذكرناها في نهاية الدراسة فالرواية تستحق الاهتمام والقراءة فهي رواية ممتعة وفيها ابداع ولكل شخصية هناك سر وفيها ابعاد متعددة وليس بعدا واحدا