صدرت رواية اليافعين “مايا” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت هذا العام 2022، وتقع في 102 صفحة من الحجم المتوسط، ويحمل غلافها الأّول لوحة للفنّان التّشكيليّ محمّد نصر الله، ومنتجها وأخرجها شربل الياس.
رواية ممتعة مشوقة كتبت بلغة سهل مناسبة لليافعين ولجميع الأعمار من هواة القراءة والمطالعة.
— تحمل الرواية بين طياتها وسطورها العديد من القيم والمعاني التربوية الوطنية والإنسانية والمعرفية.
— شخوص الرواية هم في الواقع حقيقيون بوجودهم وأسمائهم .. كالأجداد الأفاضل الجد جميل والجدة حليمة، وأبنائهم من بينهم قيس وزوجته مروة وبناتهم لينا وميرا ومايا، المغتربون في شيكاغو وكذللك جيرانهم التلحميين “بيت لحم” داوود وعبير وابنتهم ميلسا والجدّة هالة التونسية وبناتها مروة وصفاء والعم احمد وغيرهم.
– يسلط الكاتب الضوء في روايته على الطفلة (مايا) تلك الطفلة الذكية الخلوقة المحبة لوالديها وأجدادها، ولوطنها الأمّ فلسطين ومدينة القدس مسقط راس والدها قيس وجديها في جبل المكبر.. ومدى تعلقها بهذه المدينة الساحرة والوطن الجميل بكل تفاصيله.
– ص 15 في الحديث الذي دار بين مايا وجدتها هالة التونسية والمفارقات بين مدينة قرطاج ومدينة القدس، فكلتاهما من المدن القديمة والجميلة بعمرانها وتفاصيلها، إلا أن مايا خاطبت جدتها قائلة بأن”في القدس أشياء لا توجد في غيرها من مدن العالم تماما مثلما لاتوجد مدين تشبه القدس” حيث بدأت بتعداد معالمها الدينية والتاريخية غير الموجوده لا في قرطاج ولا في أيّ مدينة من مدن العالم.
– تأثير حكايا الأجداد للأحفاد عن القيم النبيلة المتمثلة في حب الوطن والتعلق به .. وانعكاس ذلك بالإيجاب على عقلية الأحفاد وترسيخها في ذهنهم. كحديث الأجداد جميل وحليمة لحفيداتهم عن مدينة القدس وعظمة تاريخها ومقدساتها، وأسواقها وأسوارها وروعة سكانها وهوائها .. إلخ بل واصطحابهم للحفيدات لزيارة تلك الأماكن السياحية لتعزيز قيمة حب الوطن فيهم.
– جاء في الرواية توجيه للتلاميذ القراء خصوصا المغتربين منهم لالتقاط الصور التذكارية في الأماكن المقدسة في القدس وغيرها من مدن فلسطين، فذلك فيه تذكير دائم للأطفال المغتربين بوطنهم الأمّ، وحديثهم لزملائهم عنه عند التقائهم في ساحات المدارس.. كتبادل أحاديث كل من مايا وأخواتها مع جيرانهم التلحميين وزميلتهم عنود التي يقطن أجدادها في الأردن، وهم من أصول أردنية وأحاديثهم المشوّقة عن القدس وفلسطين، سواء من خلال سماعها من قبل الأجداد أو من خلال تكرار الزيارات المباشرة لها .. وعن ذاك التبادل الثقافي والمعرفي حول زيارة مدن فلسطينية من قبل مايا وأخواتها، وزيارة أماكن ومدن تاريخية في الأردن من قبل عنود .. فهذا التبادل الثقافي بين الزملاء يثري المعرفة لدى كل منهم.
– جاء في الرواية ذكر للعديد من المعالم التاريخية في بلادنا كالقدس، حيفا، يافا، عكا وغيرها من مدن فلسطين التاريخية.
– ورد في الرواية تعريف بقرب الحدود بين الضفة الشرقية ( الاردن) والضفة الغربية( فلسطين) حيث يفصل نهر الأردنّ بينهما، مشيرا الى الاحتلال الغاشم الذي يقف عائقا دون الوصول بوقت قصير الى كل من الضفتين .. بالرغم من قصر المسافه بينهما.
– ص22 و23 حديث مايا لصديقتها عنود عن الاحتلال الوحشي وممارساته الجائره بحق المصلين والاعتداء على الماره عند باب العمود.
– ص 24-25 المشادة الكلامية التي جرت بين مايا ومعلمتها في الصف حول صور لمسجد قبة الصخرة والمسجد القبليّ في الأقصى والتي كانت بحوزة مايا وادعاء المعلمة أنها صور لجبل الهيكل، مما أثار ذلك غضب مايا وزميلتها عنود وآخرين .. وإصرارهن على هويتهن الفسطينية العربية، وإن كانت مايا مسلمة وميلسّا مسيحية، فلا فرق بين مسلم ومسيحي في بلادنا .. مما أشعر ذللك المعلمة أنها في ورطة صعبة فتركتهن وشأنهن..
– ص 46 أمثال عديده تناولها الكاتب في روايته مايا .. كحب الأجداد للأحفاد ( ما أغلى من الولد الا ولد الولد ) وغيرها من أمثالنا الشعبيّة.
– ص 52-55 توجيه الوالدين قيس ومروة لبناتهما لأهمية استخدام اللغة الأمّ اللغة العربية، وذلك من خلال التحدث معهن بالعربية، ومن خلال برامج الأطفال العربية التي تبثّها الفضائيّات العربيّة، وكذلك عن طريق الأغاني والأناشيد بالعربية .. كإعجاب مايا وحفظها لبعض أغاني فيروز مثل تك تك يا ام سليمان .. وطلعت يا محلا نورها .. وأناشيد من بلادنا مثل شمست شميسه وغيرها ..
– ص 64 جء في الرّواية إشارة إلى مستوى الاهتمام بالفرد في أمريكا.. وذلك عندما صرختمروة بأعلى صوتها حين رأت أفعى الحدائق مع أنها غير سامة.. والتي أطلقتها ميرا لتحبو على سجادة الصالة.. وعند سماع الجيران للصراخ اتصلوا بالشرطة التي بدورها لبت النداء على الفور .. حضروا ثم انصرفوا بعد تحققهم من سبب الصراخ ..
– ومن طريف ما قرأت في الرواية هو خوف جد مايا من الأفاعي حتى لو كانت ميتة، مع انه كان قد أكل في طفولته لحم ثعلب ولحم ضبع..ص 62.
– في الرّواية توجيه للتلاميذ القراء حول الاهتمام بثقافات الشعوب كما عن دول الصين وكوريا وفيتنام وغيرها واصطيادهم الأفاعي، ليأكلوها كما يأكلون الحشرات والجرذان والصراير وغيرها.
– في الرواية تعريف ايضا بالوطن الأمّ وطن الآباء والأجداد الذين ولدوا فيه وعاشوا وماتو ودفنوا فيه، وطننا الأمّ فلسطين .. وفي الرواية دعوة القصوى لعودة المغتربين الى البلاد وانخراطهم في مجتمعهم والمشاركة في بنائه والحفاظ عليه من الغرباء.
– في الصفحات 70-80 اثراء معرفي للقراء من حيث الوصف الدقيق والمشوق لشلالات نياغارا، والتي زارتها أسرة قيس ومروة في عطلة عيد الميلاد المجيد القصيرة .. مفضلين بذلك زيارة البلاد في العطلة الصيفية الطويلة للاستمتاع بمشاهدة القدس، وبعض المدن الفلسطينية بين الأهل والأجداد .. إلا أن جائحة كورونا حالت دون تحقيق هذه الزيارة التي لطالما انتظرتها مايا وأخواتها طويلا … ص 97-98 .
– التعريف برياضة اليوجا كإثراء معرفي للقراء التلاميذ .. ص92 .. والتي تعرفت عليها مايا من خلال امرأة عجوز كانت تمارسها في بهو أحد فنادق نياغارا.
رواية مايا بشكل عام غنية بالقيم الإنسانية والمعرفية والوطنية.. ومن بين الرسائل التربوية التي حملتها الرواية هي التأكيد على الآباء والأمّهات المغتبرين لتربية أبنائهم على حب الوطن والانتماء له من خلال وسائل عديدة كالزيارات المتكررة لبلادنا فلسطين وزيارة أماكنها المقدسّة والتاريخية. وحديثهم المستمر عن أرض الوطن بكامل تفاصيله من تراث وحكايات الأجداد، وجرائم الغزاة الطامعين في بلادنا .. وكذلك الاهتمام بتعليهم لغتنا العربية.. وهذا سيساعد كل مغترب للتفكير يوما ما بالرجوع الى البلاد والانخراط بمجتمعه الصامد وليكونوا عنصرا مهما في المساعدة في بنائه وتطويره والحفاظ عليه من عبث الغرباء.
يبقى أن نقول أن رواية “مايا” هي رواية الحنين إلى الوطن.