ثقافة وفنموضوعات رئيسية
من هو؟.. (قصة قصيرة): / ميسون أسدي
شحب لونها وارتعش صوتها قليلاً. فائرة الأعصاب شجاعة تتمتع بروح عملية صارمة. تركت الرواية من يديها بعد أن استمتعت بكل حرف من كلماتها. ذهبت صوب زوجها بعد أن حضرت له فنجان القهوة وأيقظته من نومه كما تفعل كلّ صباح. يفوح منها عبق ماء الكولونيا. جلست بقربه نصف ساعة تناديه وتستجديه أن يتركَ فراش الخمول، ولكن عبثًا فهو يتلمظ سعادة النوم تلمظا فيُخرج لسانَه ويمسح به شفتيه ويستيقظ على مهل.
بقيت بقربه بعد أن تثاءب عشرات المرّات وأشعل سيجارته وارتشف عدة رشفات من قهوته وسعل عدة سعلات بسبب تدخينه الهوسي للسجائر. سألته بنوع من الغنج ورنت إليه بنظرة حالمة حتى لا يغلق باب الحديث:
- قل لي أيها الزّوج العزيز كيف تُعرّف العاشق الجيّد؟
تساءل وهو بارد الأعصاب فاتر بصوته الشاكي الباكي وبعد صمت طويل:
- يا فتّاح يا عليم يا رزّاق يا كريم!
من أين لك بهذا السؤال يا امرأة لا تلين ومن هو الذي قض مضجعك أيتها الخنساء؟
فقالت:
- قرأت هذا في رواية للكاتبة التشيلية ايزابيل الليندي الحاصلة على العديد من الجوائز الأدبية المهمة، وتنشط في مجال حقوق المرأة والتحررّ العالمي.
هزّ الزوج رأسه وأشعل سيجارته ونفض الرماد في المنفضة وأجاب:
- هذه الكتب التي تقرئينها تخرب عقلك وتؤجّجه بالخزعبلات. هذه الكاتبة تخلفت عن اللحاق بركب المعرفة ومن السهل عليها وعليك تبديد همة الناس في السفاسف.
نظرت إليه بعينين زائغتين مطفأتين كعيون الموتى وطبطبت على ساقها وسألته:
- هل تحب أن أُحضر لك كعكة لتتناولها مع فنجان القهوة؟
- لا سددت نفسي أيّتها المحسنة المفضالة.
كادت أن تنفجر ولكنها تمالكت نفسها وواصلت حديثها:
ايزابيل الليندي كاتبة جيدة ولم أفهم مرامها حول العاشق الجيد.
– اتقي الله يا امرأة مزعجة. لا وجود لعاشق جيّد وعاشق جيّد جدًّا وعاشق يكاد يكفي وعاشق كاف وعاشق راسب. هذه الكاتبة لا تعرف ماذا تكتب.يلعن أبو من أعطاها شهادة الكاتبة. العاشق والعشق يا فهيمة هو شيء نسبي، إن ما ورد في روايتها هو خطأ مضموني ولا تلقى لها بالا.
فقالت الزوجة بصوت ناعم رفيع:
- العاشق الجيد هو العاشق المليح المتفهّم للمرأة.
على وجه العموم، ضيق الزوج عينه في وجه محدثته وتلفت بإعجاب:
- العاشق المتفهم هو الذي يتقبل المرأة كيفما هي ويتغاضى عن أخطائها ونكدها وقلة حياها.
همست الزوجة في أذنه بقلق وقد اعتراها الارتباك وقالت:
- ما هي الصفات التي يجب أن يتحلّى بها الرجل حتى تقول عنه زوجته بأنه عاشق جيّد ممتاز متفهم؟
صفن الرجل، تأتأ وتابع كلامه بوقار النفس البسيطة:
- أنا لا أستطيع أن أعطي رأيي لأنني لست كذلك أنا لست بعاشق جيد.
ألحّت عليه زوجته:
- من هو العاشق الجيد؟ ما هي سماته العملية وسجاياه النفسية حتى تقول المرأة بثقة عن زوجها إنه عاشق جيد. ماذا يفعل ويقدم لها حتى تتباهى به أمام صديقاتها في كل مكان وزمان ولا تتجرأ على ذمه ولو مرة واحدة؟
أشعل الزوج سيجارته الثانية وقال بكل برود فهو كالشعاع الضوئي لا ينكسر ولا ينحني أمامها.. نفق أنفاسه على وجهها بمنتهى القوة:
- أنا. أنا لم أكن عاشقًا جيّدًا، ولا مرة واحدة في حياتي، لذا لا أستطيع إجابتك.
غضبت الزوجة وقالت له:
- وإلى ماذا تفتقر؟ ما الذي ينقصك؟ كان لك عدة نساء كيف تعاملت معهن، وماذا نقصت في حقهن؟
مدّ رقبته الطويلة كما يفعل الوز مراقبًا كل حركة من حركاتها وقال مازحًا:
- أنا لم أعشقهن ولم أكن بالعاشق الجيد ومنذ بداية علاقتي بهن لم أنو البقاء إلى جانبهن.
شدّت الزوجة أصابع يديها وقالت:
لنفترض على سبيل المثال لك امرأة عشقتها، ماذا تقدم لها؟
- أقدم لها كل شيء دون أن تطلب مني. أسامحها على كل زلّاتها إذا زلت. لكنني لست بعاشق جيد، ألا تفهمين وتدركين؟ فأنا مهمل لنفسي فكم بالحري للنساء وكل ما هو آت آت.. ما عندي فرق إذا كانت المرأة بجانبي أم لا فالأمر لي سيان.
قالت الزوجة متحدثة بحرقة وقنوط رفعت وجهها الطافح بالتعاسة:
– انت كسلان ومهمل لجسدك ولروحك فكيف تهتم بروح وجسد امرأة.
صمت زوجها فينة ثم اتم:
- أكملي محاضرتك.
أجابت زوجها بلهجة اختلط بها الغضب بالاستعطاف:
- هي المعتوهة التي تعطي ولا تأخذ. تراقب كل واردة وشاردة في شؤون البيت. تقوم بعمل الرجل والمرأة في نفس الآن. دقيقة في العمل ومثابرة بدأب. توقظ كل يوم زوجها من فراشه وتحضر قهوته وتحادثه وتجبره على مزاولة الحديث لكيلا يصبح من ذوي الارتخاء والنفوس الضائعة. تهتم أن يترك التلفون من يده لأنه يغيب عن الوجود مع ألعاب هاتفه وليباتَ رجلا من ذوي الثقافة الروحية العالية، لتخالجه مشاعر قلق وحنين حول زوجته التي تركض وراءه ليلا نهارا لتستميل حبه. لا تتنازل عنه، تدهشك بانضباطها الاسبرطي أيّها البغل النغل..