نزار حسين راشد: قصة قصيرة: امرأة عادية/ نزار حسين راشد
6 يناير 2023، 12:23 مساءً
كنا مسترخين تماماً تحت شمس الصباح الرفيقة على شرفة ذلك المقهى،وكعادتنا الدائمة ندير بيننا حلقة النقاش.
في الليل كنا قد شاهدنا فيلما لسعاد حسني،ولذا كان الفيلم هو الموضوع الأقرب تناولاً وابتدر صديقي بالسؤال:
– لماذا تتمتع سعاد حسني بكل تلك الفتنة؟
أتريث قليلاً قبل أن أشرع بالإجابة،ثم يشرق ذهني بإجابة مفاجئة لم تخطر على بالي من قبل:
– لأنها امرأة عادية! عادية بكل المقاييس،هذا هو السر يا صديقي!
يكاد صديقي ينتفض من مقعده احتجاجاً ليصرخ في وجهي :- عادية! هذا هو السر،ما هذا الاكتشاف يا صديقي؟ كل نسائنا عاديات،لماذا نهرب منهن إذن لنشاهد فلماً لسعاد حسني:
– الجواب بسيط با صديقي،لأنها عادية بلا عيوب،وهي الصورة التي نتمنى أن نشاهد نساءنا عليها دائماً،بدون نكد،بدون مماحكمة،بدون طلبات بدون إلحاح بدون أي شيء!واهكذا تحلو العادية في نظرنا حين تبدو مبرأة من العيوب!
– والله إجابتك هذي لا تقنع احداً!ولا طفل صغير حتى!
يشيح صديقي محتجاً وهو ينفض يده في سخط!
– إسمع با صديقي ودعني أكمل ! سأسألك سؤالاً في البداية:
: هل تتمتع سعاد بجمال صارخ كمارلين مونرو أو جين فوندا أو صوفيا لورين مثلاً ؟ أجبني! أجبني بصدق!
– لا! قطعاً لا! ولكن لها جاذبيتها الخاصة!
-هه! ها أنت قد قلتها وما هي هذه الجاذبية ما دام ليس لها ذلك الجمال الصارخ! إنها عاديتها!
– والله ما أنا قادر أبلع إجابتك هذي واا مع الشاي بحليب! كيف عادية يعني! وكيف لها كل تلك الجاذبية!
وفي غمار الحديث تفتّح ذهني على فكرة أخرى،وعقّبت مستدركاً:
– هناك جانب آخر للحكاية سأوضحه لك إذا كان عقلك سيستوعبه!
يتجاوز صديقي عن تعريضي بمدى استيعابه ويحثني على المضي في حديثي،فالموضوع يؤرقه ذهنياً ، وهو يريد إجابة شافية بأي ثمن!
– إسمع إذن يا صديقي،إنها امرأة عادية،ولكن بمقاييس مختلفة،مقاييس نموذجية،زاوبة الشفة الناشزة قليلاً بشكل يجعلها أكثر جاذبية،خطوط الفكين ارتفاع الوجنة،كل ذلك فصّله الله تفصيلاً بمقياس محسوب! ولا تنس نفشة الشعر، التي تتوج رأسها،خصلتان نافرتان على الجنب فقط وكأنها اضطجعت للحظة ثم نهضت فجأة،وبقي التاج على رأسها بكامل تناسقه باستثناء الخصلتين النافرتين اللتان تغريان اي رجل يمد يده لتصفيفهما!
يتهلل وجه صديقي ويهتف:
– الله…الله..هذا هو الجواب وللا بلاش..يا عبني عليك..يا عيني عليك!
تهمد نبرته فجأة ويعود للسؤال:
– ولكن ماذا عن الغناء والرقص،خاصة وهي تغني بدلال أنثوي وتؤدي تلك الحركات المغرية؟
وأهز راسي باقتضاب:
– ذلك لا يضيف شيئاً،تخيل لو أن زوجتك تأتيك حاملة صينية القهوة وهي تتمايل راقصة! ألم تكن لتنهرها وتأمرها بالكف عن البلاهة؟
ويجيب صديقي بحماس:
– صحيح يا صديقي صحيح،الغناء والرقص فوق البيعة،مجرد رشوة تقدمها،لا تضيف للأصل شيئاً!
يسترخي صديقي بعد أن حصل على إجابته ويعود ليقرقر بأرجيلته نافثاً أنفاسها المعطرة في وجهي،بينما تحملني أفكاري بعيداً: صحبح أنها لا تشبه مارلين مونرو شكلاً،ولكنها تشبهها في طريقة حياتها،لقد جذبتها الأضواء والشهرة،ولم تتزوج ولم تنجب وتألمت كثيراً في علاقاتها العاطفية،ثم يجمح بي تفكيري إلى استنتاج محبط: أظنها بمثل تلك المقدمة ستنتهي إلى نفس النهاية المأساوية!
بعد كل تلك السنوات تحققت نبوءتي وانتهت سندريلا الشاشة إلى نهايتها المأساوية بعد أن تخلى عنها بلا رجعة أميرها المجهول!