قراءة في كتاب ادوارد سعيد المثقف والسلطة/ يوسف عبدالله محمود
المفكر الراحل ادوارد سعيد الذي ظل على مدى حياته معتزاً بفلسطينيته ينافح عنها من منطلق إنساني لا عنصري يستحق ان يظل حاضراً في الوجدان الإنساني والعالمي.
في كتابه المترجم “المثقف والسلطة” يُبدي ادوارد سعيد اهتماماً خاصاً برسالة “المثقف”. ما مُهمته؟ هل هي الانخراط في ركاب سلطة بلاده يُبرّ سياستها الرسمية وان عارضتها الجماهير أم هي الالتزام بحقوق هذه الجماهير؟
يقول في كتابه “ان مهمة المثقف والمفكر تتطلب اليقظة والانتباه على الدوام ورفض الانسياق وراء أنصاف الحقائق أو الافكار الشائعة باستمرار”. (المرجع السابق ص59، الكتاب من ترجمة: د. محمد عناني، رؤية للتوزيع، القاهرة)
وحتى يكون كذلك عليه –كما يقول- ان يتمتع “بطاقة عقلانية فائقة” وهذه الطاقة العقلانية تستلزم منه –اي المثقف- “ان يُفصح عن الرأي علناً” ولا يلتفت الى تجريح الآخرين ما دام رأيه نابعاً من ضمير حي.
يدعو هذا المفكر العالمي الكبير الى ضرورة وقوف المثقف أو المفكر “إلى صفوف الضعفاء والذين لا يمثلهم احد في مَراقي السلطة”. (المرجع السابق ص 58)
يؤكد ادوارد سعيد على “دور اللامنتمي الذي يلعبه المثقف” تجنباً لانخراطه في السلطة أو الحزب أو ما شابه”.
واقعياً كان ادوارد سعيد حين كان يفكر أو يكتب لا يعطي “نصف الحقيقة” تاركاً النصف الآخر كما يفعل الكثيرون من المثقفين المنخرطين في “السلطة” أو الحزب”. “على المثقف ان يبصر الأمور لا في وضعها الراهن فحسب، بل أيضاً من حيث تحولها الى ما آلت اليه”. (المرجع السابق ص 111)
بعبارة اخرى عليه “النظر الى الأوضاع باعتبارها مشروطة لا محتومة”. لا حتمية في التاريخ فالاوضاع العالمية نتيجة “سلسلة من الخيارات التي اتخذها البشر رجالاً ونساءً”. والمعنى انها ليست قدراً محتوماً! هي قابلة للنقاش والحوار الاخلاقي. هي ايضاً قابلة للتغيير الذي يتناغم ومنطق الحياة الانسانية المعاصرة.
وفيما يتعلق بالمثقف الذي تقتضيه الظروف أن يعيش في “المنفى” يطالبه ادوارد سعيد “ألا يستجيب الى منطق ما هو تقليدي عِزقي بل الى شجاعة التجاسُر، والى تمثيل التغيير، والتقدم الى الامام لا الى الثبات دون حركة”. (المرجع السابق ص 116) يطالبة بعقلية لماحة مُتنورة.
ادوارد سعيد معنيّ برسالة “المثقف المستقل” المنحاز الى الاشقياء في العالم الذين لم يظفروا برعاية السلطات الحاكمة ،وهم الأكثرية الساحقة في عالمنا.
يسخر سعيد ممن يزعمون ان رسالة المثقف الحقيقي”تقتصر على كونه خبيراً مهنياً في مجال تخصصه فقط”. (المرجع السابق ص 132). هذا ليس دور “المثقف العضوي” يطالبه بدور اخلاقي فيه التزام بالمسؤولية.
في المجتمعات التي يسودها الاستبداد وبخاصة المجتمعات النامية تنتشر هذه المزاعم التي تشجعها السلطة. وعليه فسعيد يطالب المثقف والمفكر ان يخاطب السلطة في بلاده من منطلق المسؤولية الملقاة على عاتقه. “هل يخاطبها باعتباره محترفاً ضارعاً اليها ام باعتباره ضميرها الهاوي الذي لا يتلقى مكافأة كما يفعل؟” (المرجع السابق ص 143) المخاطبة الثانية هي المطلوبة لا مخاطبة “المنبطح”.
رحم الله ادوارد سعيد فقد خاطب المستبدين في العالم باعتباره الضمير الانساني الحي الذي لا يُساوم على القيم الانسانية. خاطبهم بشجاعة لا تهادن! خاطبهم بحسّ انسانية نفتقده لدى كثير من المثقفين.