كانت جالسة في هدوء واطمئنان، وقد أضفى عليها لباسها الطويل والملوّن هالات من نور وجمال، جمال لا ينكره صاحب الذوق السليم الذي لم يختنق بعد بدخان العري والفسق.
اختلطت الأفكار على صاحبنا وهو يتأمل قسماتها على حين غفلة منها، كان يسرق بعض النظرات الطاهرة وذهنه ينفث آلاف الأسئلة: هل يصارحها؟ هل يفعلها ويتخذها زوجة؟ هل هي التي تناسبه دون غيرها؟
أسئلة مؤرقة ظلت تتحرك في ذهنه وتضطرب على مدى أسابيع كثيرة، لكن دون أن يهتدي إلى قرار أو يطمئن إلى رأي.
ثم مضت الأيام يموج بعضها في بعض، وفي لحظة صفاء ذهني وروحي اتخذ القرار قرار العمر! استوى قائما وأخذ نفسا عميقا، رتب في ذهنه كلمات متوضئة، ثم توجه نحوها بخطى ثابتة…
حتى إذا كان قاب قوسين منها لمح شيئا آخر لم يره من قبل، رأى شيئا جعله يغير رأيه فجأة ويمضي لحال سبيله حزينا مكسور الخاطر.
لقد رأى في يدها خاتما ذهبيا يلمع تحت شمس نونبر الدافئة، كان يبدو للناظر خاتما جميلا، لكنه كان في عين صاحبنا صخرة تحطمت عليها كل أحلامه التي ظل ينسجها بخيوط قلبه أسابيع بل أشهرا كثيرة، ومهندا عقر كل آماله، فهوت تباعا وتبددت كسحابة صيف.
كان خاتما نعم، لكنه أجهز على كل مخططاته وأرجعه إلى نقطة الصفر، ليبدأ من جديد رحلة البحث عن رفيقة العمر ويجري كالبعير الشارد في الصحراء لاهثا عن نصفه الثاني، قبل أن يخنقه دخان الفسق والعري فيخطئ الاختيار.
كان خاتما نعم، لكنه جعله يتذوق قول الله تبارك وتعالى: {فإذا عزمت فتوكل على الله}، ويدرك عن تجربة ما للتردد من مساوئ لا تحصى.