canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
ثقافة وفنموضوعات رئيسية

البتراء في رواية (نفرتاري الرقيم) تسريد الجغرافيا لصالح التاريخ/ الدكتور محمود الطويسي

التاريخ من الجغرافيا بمنزلة الروح من الجسد، فالمكان الذي تنقصه السردية التاريخية بما فيها من قصص وحكايا وأساطبر هو مكان ميت، لأن التاريخ هو المادة الحية التي تحيا بها الأمكنة، فالوجود الفيزيائي للمكان مجرد دليل قاطع على وجوده، لكنه ليس دليلا على فاعليته وتأثيره، فالمكان ” الذي يسكن فينا بقدر ما نسكن فيه” كما يقول غاستون باشلار هو دليل على فاعلية وتأثير المكان فينا.

وتعتبر الأماكن التراثية والتاريخية مجرد أطلال إن افتقدت للسردية التاريخية التي لا تكتمل بدونها، فالتاريخ روح الجغرافيا بالنسبة لهذه الأمكنة، وهو المادة التي تنفخ الحياة في أوصال خرابها الفيزيقي، والسردية التاريخية هنا ليست ما يسرده علماء التاريخ والآثار على أهميته، بل بما يحتمل المكان قوله عنه من أدب سردي وحكائي لا يتناقض مع الحقائق التاريخية بل يكملها، ويشكل فضاء عاما عن المكان،وصورة متخيلة لروحه التي يحيا بها من خلال خلق فضاء حكائي من الفنون السردية والاساطير والخرافات والتفسيرات المستندة للحقائق التاريخية والاركولوجية، ولتجارب الناس ونظرتهم له وتغسيراتهم ووجهات نظرهم ووعيهم به.

لقد استطاع المصريون تشكيل سردية تاريخية عن الإهرامات ساهمت في تشكيل هيئة الحضارة الفرعونية، وساهمت في تسويق مصر سياحيا، وارتبطت بهوية المصريين الحضارية، رغم أن بعض تفسيرات بناء الإهرامات ضمن هذه السردية على سبيل المثال لا تستند إلى تحليل آركولوجي علمي، بل إلى خرافات خلقها الوعي الجمعي للسكان المحليين، وهي على درجة سذاجتها من الناحية العلمية إلا أنها ذات أهمية كبيرة في تشكيل فضاء معرفي، وسردي يساهم في تعزيز هوية المكان وإبراز روح يحيا بها بعد أن كان مجرد أطلال.

أما البتراء التي تعتبر من أشهر مواقع التراث العالمي، فإنها تفتقد لسردية تاريخية تستند للوعي بالمكان، وتفتقد لجهود إبداعية تشكل فضاء فنيا يزيد من درجة تناغم الناس مع الموقع وإحساسهم به، ويبث الحياة فيه، ويحول صمته إلى صخب جميل، ويجعل الحاضر استمرار منطقيا لماضيه، تفتقد البتراء لذلك رغم أن حضارة الانباط تمثل منجزا حضاريا يعتبر أحد أهم مكونات الهوية الحضارية الأردنية، التي تعاني فسيفسائية الملامح و ضبابية وضوح المعالم، نظرا لتعدد مكونات السكان وأصولهم.

ad

وسط هذا الوضع الملتبس أصدرت الروائية صفاء حطاب روايتها الموجهة للناشئين (نفرتاري الرقيم) وكأني بها تصدر هذا العمل ضمن مشروع يساهم في بناء سردية تاريخية للبتراء حيث أصدرت رواية أخرى ضمن نفس الفضاء السردي اسمها ( النبطي المنشود)،

تتناول رواية (نفرتاري الرقيم) قصة ابنة الملك النبطي عبادة التي قدمت للبتراء من مدائن صالح للعلاج، في ضيافة ابن عمها الحارث حاكم البتراء، حيث تقع في حبه، وترفض العودة إلى مدينتها وتطلب من ابيها أن يبني لها قصرا في البتراء.

لقد استطاعت الكاتبة في هذه الرواية التوفيق بين السردية الاركولوجية للموقع والسردية الروائية، حيث استخدمت أسماء الأماكن وقصة بنائها في نسيج حكائي منسجم رسم صورة متكاملة للمكان بما يحتمله النص من الوصف الاستقصائي الذي يخدم طبيعة الصيغة الروائية.

إلى جانب ذلك عمدت الكاتبة إلى تبسيط عدد من التفسيرات العلمية التي توصل لها الباحث في مجال الآثار السيد مأمون النوافلة أحد السكان المحليين لمدينة البتراء، ونشأ عن ذلك بنية الرواية الفنية التي تشكلت من نسيج متجانس ومبسط من الحقائق المكانية والتاريخية والخيالية التي شكلت صيغة روائية مميزة، تناسب جيل الناشئين وتغني معرفتهم بحقائق مبسطة وتضعهم في سياق الحضارة النبطية وأجوائها وطبيعتها.

لقد احتفت الكاتبة بالمكان من خلال إعطائه دور البطولة، رغم أن نفرتاري بطلة الرواية على مستوى الشخوص، وهي من جهة أخرى بطلة أتت بها الكاتبة لتمجيد المكان البطل، وقد  استطاعت الرواية رفع درجة احساسنا بالمكان وتناغمنا معه ووضعنا في فضاء حكائي نستطيع به أن ندرك مدى عظمة المكان، وجمالياته، وأثره الحضاري المتصل حتى يومنا هذا، ومن مظاهر احتفاء الكاتبة بالمكان أن جعلت نفرتاري تحب الحارث لانه ابن البتراء، وهو من جهة أخرى ابن المكان الذي مثل الوصفة الطبية لشفائها من آلامها النفسية، ومما يدعم فكرة بطولة المكان في الرواية أن الكاتبة أفردت مساحة نصية كبيرة للوصف مثلت احتفاء ابداعيا بجماليات المكان، وفضاء ايقونيا له دلالات علمية كثيرة عجز وعينا الحالي عن الوصول لكافة معانيها.

ويأتي استعراض الكاتبة لبعض المعلومات التي توصل لها الباحث مأمون النوافلة لفك شيفرة البتراء – على حد تعبيره – احتفاء بالبتراء الحية التي هي ليست فقط الصخر والحجر، بل هي أيضا البتراء التي من لحم ودم من أبنائها العاملين على حماية ارثها التاريخي وصون قيمتها الحضارية التي يحيون بها ولها.

لقد مثلت الرواية بشكل عام صيغة سردية مبسطة تناسب الناشئين، وتضيئ معارفهم وتنمي مخيلتهم بمكون هام من مكونات هويتهم الحضارية، وهي من جهة أخرى خير مثال على صيغة من صيغ مشروع سردي هادف يمكن أن يتم تدشينه لزيادة وعي الناس بالحضارة النبطية، وتسويق مواقعها من الناحية السياحية والحضارية، وإبراز مدى أهمية الحفاظ على المواقع التراثية، والمساهمة في تعزيز مكونات الهوية الحضارية الأردنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى