المرأة العربية في العرف الاجتماعي رواية كوكب العذاب للروائية شهرزاد زاغر نموذجا/ خديجة مسروق
18 مايو 2023، 00:16 صباحًا
قطعت الرواية العربية الحديثة أشواطا من التطور والتميز حيث استطاعت ان تبحر في أعماق الحياة الإنسانية والاجتماعية والنفسية للمجتمعات، للكشف عن المخبوء والمحظور، لسبب ديني، أو عرف اجتماعي، أو لحظر سياسي.
وبتالي فالرواية» تشكيل للحياة في بناء عضوي يتفق وروح الحياة ذاتها، ويعتمد هذا التشكيل على الحدث الذي يتشكل داخل إطار وجهة نظر الروائي، من خلال شخصيات متفاعلة مع الأحداث …. على نحو يجسد في النهاية صراع دراميا داخليا متفاعلا « 1.
وعلى هذا الأساس تعمل الرواية العربية الحديثة على ملامسة الواقع، بأبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية، لسبر أغوار النفس البشرية، عبر رواية سردية ترتقي من الواقعي الى المتخيل، لتكتسي طابعا فنيا جماليا.
ومن المواضيع التي تكتب عنها الروائيون في الوطن العربي موضوع معاناة المرأة العربية داخل المجتمع. والمعروف ان المجتمع العربي التقليدي يقوم على الرجال، لهم القرار الأول النهائي، والمرأة فيه عنصر ثانوي، وإعطائها الحق في المبادرة والرأي، أمر مستبعد في معظم الأحيان.
فقد سن المجتمع “الذكوري” قواعد صارمة يستحيل خوضها او الخروج عنها، تفرض على المرأة قوانين ينبغي عليها، الالتزام بها وعدم تجاوزها. كما لا يحق لأي رجل ان يتساهل في بند من تلك البنود التي سنها العرف، وإلا عد شاذا يلقي به خارج مملكة الذكور، فالسلطة الاجتماعية تفرض هيمنتها على الافراد والجماعات، وتمارس ضعفها بشكل او بأخر للحفاظ على تلك السلطة.
فنشأت المرأة في المجتمع العربي التقليدي، مسلوبة الإرادة والحقوق، تحرم من حقها في الاختيار وأخذ القرار في التعلم والملكية، والزواج، وحتى الطلاق.
“فبنية النظام الاجتماعي التقليدي يغلب عليها، الطابع القبلي تتميز أساسا بالتنافر والصراع، والانقسام، ينفي بعضها بعض، ويبغض بعضها ضد البعض الآخر”2. تهمش فيه المرأة، ويصادر رأيها على أساس انها ناقصة عقل ودين.
والطلاق في المجتمع العربي التقليدي يعد عيبا تتهم به المرأة، مرده في نظر العرق الى انها فشلت في الحفاظ على زوجها لعيب فيها وليس فيه.
فمن بين النصوص الروائية التي حطت انظارها على هذا الموضوع، رواية (كوكب العذاب) للروائية الجزائرية شهرزاد زاغز ، حيث لامست الواقع و نبشت في العوالم الخفية للمرأة داخل المجتمع الجزائري كعينة من المجتمع العربي التقليدي ، و كشفت عن قهر السلطة الذكورية لها.
لذلك أردنا الوقوف على جمالية تلك الرواية وعلى أهم القضايا التي طرحتها الروائية، والملفت للنظر ان صور القهر والظلم الذي كانت تعاني منها الشخوص السنوية في الرواية، لم يقضيا على مشاعرهن، كما ان الرجل ” القاسي في معاملته للمرأة” في هذا النص لم يتجرد من احاسيسه تجاه المرأة، ليتخذ منها الحبيبة التي ينوي ان يقيم معها حياة أسرية هادئة.
فكيف كان تصور الروائية لحياة المرأة العربية(الجزائرية) داخل المجتمع التقليدي؟
والا أي مدى استطاعت ان تخترق عوالم المرأة المطلقة، في مجتمع تقليدي يعد فيه الطلاق جريمة لا تغتفر سببها المرأة؟
حاولت الروائية شهرزاد زاغز من خلال روايتها «كوكب العذاب» معالجة بعض الموضوعات الاجتماعية اذ نزلت بعدستها الفنية الى قلب الواقع «عطفان» منطقة بالجنوب الجزائري (الصحراء) لتلامس هموم المجتمع مركزة على ظاهرة الطلاق، من خلال نزلاء مملكة الفراش التي تقيم بها المطلقات قصر لان هذه الفئة منبوذة، لا يحق لها الاحتكاك بباقي افراد المجتمع، (في بلدة عطفان يحرص على المرأة على الا ترى النور من جديد، لأنها عرضة للتحرش والاطماع الجيران والاقارب، وكل من تناهي الى سمعه صفتها الجديدة، فما هي الا منحرفة على اتم الاستعداد لممارسة الرذيلة « .3
اذ تعزل النساء المطلقات في هذه المنطقة في مجمع خالي لا يرون احدا، ولا يراهن، وكل امرأة تفكر في الطلاق يزج بها معهن، وتعيش حبيسة الجدران فهؤلاء النسوة في نظر العرف الاجتماعي يعتبرن منحرفات.
(مملكة الفراش) تدور حولها معظم احداث الرواية، وهي احداث ليست واقعية لكن خلقيتها تعد واقعا حقيقيا، تقوم الكتابة بعرض الاحداث والصور بربطها بالسياق عن طريق الوصف الذي ابدعت فيه، بلغة شعرية جعلت نص الرواية يتجاوز السرد ليرتقي الى مستوى الشعر “بدء اذقتني البنات الشهوي، وتعرت فراشتك، واستحمت امامي في نهري العابر لقارتك، امتزج لعابي بغسلها، وانهمر الكوثر يسقي صحراء الربع الخالي، ثم دعوتي لشرب ما تبقى من العسل المحروق، فلسعتي مراراته”.4
جاءت الرواية بلغة رمزية إيحائية، وذلك باستحضار الرمز الاسطوري (بجماليون، اثيرا هينمرا…) .
وحضور البعد الصوفي، من خلال بعض الرموز التي تعبر عن أفكار المتصوفة، كالبسطامي «اذ يعرف الخبر الأسمى، بانه اتحاد الروح الفردية بالروح الكلية» 5، كما تناثرت بين ثنايا النص بعض المفردات العامية (واش بيك درقتي «اختفيت»؟ ضربك جن…؟) وبعض الامثلة الشعبية المحلية والعربية تستشهد بها الكاتبة (سوق النساء واعر وصعيب، سوق النساء سوق مطيار يا داخلو رد بالك، يورلك من الربح قنطار ويودرولك راس مالك المقوله للشاعر ابن قيطون وحفلت الرواية ببعض الاشعار « اين يذهب طينك والتراب والطمي.
(رملية) تعد الشخصية الرئيسة التي شغلت حيزا كبيرا في الرواية، واحبها (بورحلة) -المحرك الفعلي للأحداث-.
على طريقته، فأراد ان يتملكها، ويجعلها رهينة في مملكته، فتمنعت رميلة، وهي تقول له (كرهتك بورحلة ابتعد عني، هذا ليس حبا، هذه عبودية، تحب مثلما تحب الكلاب، حبك لا انساني ابتعد عني6 « يناشدها البقاء «رملية اين انت؟ عودي الي يا رملية»7 لكنها ترحل دون رجعة.
حملت الرواية لعدا دراميا عاطفيا يحيل الذات العاشقة الى مواجهة الذات المعشوقة. واشتملت على سلسلة من الاحداث عالجتها الكاتبة برؤية سردية واضحة، حيث تمكنت في حبكتها من اقامة نسيح من الروابط الممكنة بين تلك الوقائع والصور، فلامست كينونة المرأة العربية بالكشف عن الظلم الذي ينالها داخل المجتمع (الذكوري) التقليدي. فهل تغيرت نظرت المجتمع الحديث للمرأة؟
الرواية (كوكب العذاب) تتفتح على عوالم بعيدة عن رؤية الكثير وهي فعلا جديرة بالقراءة.
المراجع:
1-السعيد بيومي الورقي، اتجاهات الرواية العربية المعاصرة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، 1980، ص05.
2-شرابي هشام، البنية، البطركية، بحث في المجتمع العربي المعاصر، دار الطبيعة، بيروت ، لبنان، 1980، ص 40.
3-شهرازاد زاعز ، كوكب العذاب،دار علي بن زيد للطباعة و النشر، بسكرة، الجزائر، ط1، 2017، ص75.