نحن لا نكتبُ ما نكتبُ وحدَنا / محمد ولد إدومو
لبعضهم حقٌّ معلومٌ في الملكيةِ الفكرية لما نكتبُ:لحبيبةٍ عبرَتْ كلَّ غاباتِ الخوفِ راجلةً وحدَها، وقالتْ للحرفِ: اصدَعْ بما تؤمر، واستَلقَتْ لتحظى بقيلولةٍ خفيفةٍ، وتركَتْنا مُعلقينَ على أراجيح الكلماتِ..لحبيبٍ كان بارعًا في كل شيء، إلا أن يبقينا إلى جانبه عمراً كاملا..
وبدل المكوثِ تركَ غيمةً من الإلهامِ على لوحةِ المفاتيحِ وغشاوةً على القلبِ.. ومضى!لحبيبن يُعتِّقانِ الحبَّ في عَربَةِ قطارٍ دونَ شعورٍ بالمحيطِ، وحينَ يتجاوزان محطتهما شغفاً، يهديانِ لك جُملاً طازجةً تصلحُ أن تكون كتابةً غير مصنفة.للشارع الصاخبِ الذي يستغلُّ انتظارَنا لإشارةِ المشاةِ التي توشكُ أن تضيء خضراء، كي يقذِفَ بين أقدامنا شطرَ بيتٍ من الخفيفِ.للأطفال الصغار الذين لا نعرفُ أسماءهم، ولكننا ما زلنا نحتفظ بابتساماتهم البريئة، التي أودعوا فضولنا من بعيد ذات يوم، فأثَّثْنا بها الفصلَ الرابعَ من مشروعِ رواية قد ترى النور!للنادلة الجميلة التي تتركُ على الطاولة السداسية العصيرَ باردًا، وبجانبه فكرة ساخنة سقطت من خَلَلٍ في ابتسامتها، التي حاولت أن تكون مصطنعة فجاءت عفوية.للعجوزين اللذين تركا قافلةَ العمر تمرُّ، ووقفاَ في منتصف الحديقة لاقترافِ عناقٍ، وحينَ واصلا السير متكئين على خطى بعضٍ، سقطَ المعنى فوجدناهُ خِلسَةً.للشمس التي تحرقُ أوجهنا، وعندما نحتج، تمسحُ عنا العرقَ بمطلع خاطرةٍ، وتبتسمُ قبل غروبها؛لرمل البحر الذي يلتصق بنا في ودٍّ، وحينَ نريد التخلص منه بلُطفٍ يهمسُ لنا بمجازٍ قذفَهُ اليَمُّ توًّا.للدموع التي ذرفناها ذات فرح ٍ أو حزن حظٌّ من صكِّ ملكية ما نكتبُ، وللقُبلةِ مثلُ حظ الدمعتين!للنشوة حظٌّ، لما قبل النشوة حظٌّ، للرغباتِ التي لا تتحقق حظٌّ، للألم حظٌّ، للخيباتِ حظٌّ، وللأحلام حظ..لكل لحظةٍ عشناها فظلت وشماً في الذاكرة أو أصبحت نسيا منسيا، لكلِّ مرةٍ سقطنا ولم نقفْ بسرعةٍ، للقاءات التي لم تكتملْ، للمواعيدِ المؤجلةِ، أو التي أُخِذَتْ على محملِ الجِدِّ من طرفٍ واحد، وللمواعيد التي لم تتكرر ثانيةً نصيبٌ مما نكتبُإننا ندينُ للذاكرةِ، الذاكرةُ أمُّ الكتابة الأولى!وندين للحواس، حواسنا كهوفٌ تحفظ دفء الكتابة وتمدنا بما نشاء حين نشاء؛ثم ندين للذين كتبوا قبلنا وقرأنا بعدهم.. فلولا أنهم دقوا مساميرَ في سفينةِ الكتابةِ قبلنا، لأغرقَنا طوفانُ الإلهام دونَ أن ندري كيف ننجو!