نص مداخلة محمد عبد الله ممين في احتفالية اتحاد الكتاب والادباء بكتاب “تراصيع على وجه الرمل” للشيخ بكاي
الشيخ بكاي علامة فارقة في تاريخ مراسلي الbbcبهذه العبارة قبل ثلاث سنوات وصفه الزميل فؤاد عبد الرازق وهو يقدم تقريرا له ضمن برنامجه ذاكرة إذاعة .. من يقرأ ما بين دفتي هذا الكتاب يعرف ان مذيع البي بي سي كان أقرب الى الدقة منه الى المبالغة ..
الكتاب يعكس تعدد تجربة صاحبه.. التي جمعت بين مخلف فنون الصحافة المكتوبة والمسموعة.. وبلغة باذخة واسلوب رصين ومهنية عالية..فنعتُ عبد الرازق للبكاي بانه علامة فارقة لم يكن مفاجئا بالنسبة لي وأنا من عرف الزميل البكاي عن قرب في التغطيات. الإخبارية وفي قاعة التحرير بالإذاعة الوطنية قبل ثلاثة عقود، ولان شهادتي فيه قد تكون منحازة اقتبس لكم بعض ما سطره في معرض تقديم هذا الكتاب الاستاذ ماهر عثمان وتعرفون من هو ماهر عثمان وتعرفون علو كعبه وسمو مكانته في بلاط صاحبة الجلالة…
يقول ماهر :
“ينقل الشيخ بكاي بكتابته إلى حواسنا كلها، بصراً وسمعاً وشماً ولمساً وذوقاً وإدراكا، مختلف المشاهد فيرينا إياها مرسومة، ويسمعنا ما يتردد فيها من أصوات وأصداء، ولعل في تلك الجمل التي استهل الشيخ بكاي اصدق مثال على مثال على ما تقدم فنراه يقول:”تحت سماء بلون الرمل تمتد الصحراء أمام ناظريك لوحةً شاسعة تمنحها الأعشابالصغيرة والشجيرات “الحليقة” رونقاً وحزناً مردُهما تداخل الأخضر اللوزي بالرمادي الفضي بالأصفر الباهت”.بهذه الكلمات يقول مقدم الكتاب وبتصرف هذه المرة : وضعنا الكاتب في المشهد، ، ومد امام اعيننا الاعشاب الصحراوية الصغيرة والشجيرات غير المورقة ثم صور لنا اكتساء ذلك المشهد برونق محدد وحزن نكاد نحس به مثلما أحس به هو لسبب أدركه وعبر عنه:في تحقيقه عن صيادي “النمادي يبن الزميل بكاي عن قدرة خارقة في الوصف حيث يقول : “يحتقن وجه الشمس، وتحمرعيونها ايذاناً برحيل يوم ساخن وسط صفير الريح وازيز محرك (سيارة) مجهَد يصارع كثبان الرمل الاخرس…”.”.نهاية الاستشهاد..
صدق من قال إن الصحفي هو أول من يكتب التاريخ التحقيقات والتقارير الصحافية التي اختارها الشيخ بكاي مادةً لهذا الكتاب تشي ولاريب بمهنية عالية القيمة فضلا عن دورها في تدوين تاريخ البلد في العقود الاخيرة..وما يمكنني اضافته في هذا المقام هو ان الزميل بكاي جمع بمهارة بين واقعية الصحفي وخيال الاديبأكثر من ذلك كان سفيرا لا اقول فوق العادة، بل كان بحسب رأيي فوق كل السفراء عرّف بالبلد ساسة. وتيارات اقتصاد وثقافة وفنا وأعلاما ، ومعالم، ..
وهنا اعود لاقتبس لكم نتفا مما كتبه عن مرابعه ومراتع صباه الرشبدة؛الرشيد يشتهر بجمال طبيعته، وقد خ َّلد شعراء المنطقة ذلك في دواوين شعرهم العامي والفصيح، وكان للرشيد والمناطق المحيطة به النصيب الأوفر. ويعتبر الشاعران المشهوران في موريتانيا محمد ولد آ ُد َّبه ومحمد ُبوسروال من أهم الذين خلدوا الرشيد وجعلوه في عيون الموريتانيين “الجنة الموعودة” أو “المفقودة” وخاصة ولد آدبه. وُيد ِمج الشعراء تِغنيهم بالمرأة في شعرالطبيعة، وغالب ًا ماُي َكنون عن “الحبيب” بالأرضالجهد الذي بذله الزميل بكاي من اجل التعريف بموريتانيا يحتاج ولا ريب الى المثابرة والقدرة الفائقة على التسويق لإقناعا لزملاء في قاعات التحرير بمثل تلك القصص..فالمحظوظ من المراسلين من لا ترفض مقترحاته.،فحين تسمع تقريرا او تقرأه في محطة عالمية او صحيفة دولية.. فاعلم ان ذلك لم يأت من فراغ، بل سبقته مراحل. صب لدام يسبكه ياسركما يقول المثل الحساني فلم يصل عميدنا الى ما وصل إليه بالسهولة التي قد يتخيل البعض..بكاي ظل عصيا على كل المغريات ظل مخلصا للمهنة التي أحبها واحبته .. ظل وفيا لقيمها واخلاقها ولهذا منحته كل اسرارها ومكنوناتها..ودفع البكاي ثمن استقلاليته ونزاهته وايمانه بقدسية رسالة الصحفي .واجه البكاي الكثير من المضايقات .والاكراهات في تغطيته للشأن السياسي في هذه البلاد وإذا كان لي من مأخذ على هذا الكتاب فهو تجاهل المؤلف لهذه الجزئية ..ومن ذلك الاشكال الذي وقع له مع وكالة “آسوشيتد بريس” حينما راج أن أعضاء السفارة الاسرائيلية هربوا من نواكشوط وأنها مغلقة.. كانت الاحتجاجات تعم الشارع… فطلب منه محرر في مكتب آبيدجان أن يذهب إلى السفارة ليتأكد.. فرد بالقول إنه يقاطع إسرائيل ولن أذهب.. فتواصلت معه مديرة المكتب وسألته مستنكرة.. فقال البكاي : سيدتي أنا مواطن عربيلا أعترف بإسرائيل وأعارض وجود سفارة لها في بلدي وهذا رأيي ولي الحق فيه وغيره ظلم لي… وأردف سائلا: هل فهمت..؟صمتت طويلا ثم قالت:” لم أفهم، لكنني سمعت.. أوكي”. وكما تعلمون درس الشيخ البكاي الاعلام وفور تخرجه تقلد بعض المناصب الادارية والتحريرية.. لكنه أدرك ان امتلاك ناصية المهنة وسبر اغوارها يحتاج الى ولوج قاعات التحرير..اذكر انه حين كان معنا مدبرا لقطاع الاذاعة نهاية الثمانيات كان يخصص الكثير من وقته للعمل معنا في قاعة التحرير، بل ويقدم معا النشرات والتقارير.وهو يقول في مقدمة هذا الكتاب “أعترف هنا أني لم أكن أملك من أدوات العمل أي نصيب. فالجامعات تقدم الدراسات النظرية التي تسمح لك بالكلام في الصحافة لكن لا تجعلكَ صحفيًّا.كان في مقدوري “الاحتماء” بالمكتب، وإصدار الأوامر، ووضْع توقيعي على الأخبار قبل نشرها. فالمهم ألا يكون فيها”خطأسياسي”. وكان “قرار” من وزارتي الإعلام والوظيفة العمومية قد منحني رتبة ” كاتب صحفي” من الدرجة الأولى. لكنني كنتُ أريد أن أكون صحفيًّا في الواقع، ولذا قرَّرتُ إغلاقَ مكتبي والانضمام إلى الصحفيين في قاعة التحرير .. أتعلم منهم أحرر معهم، أترجم معهم، وأوقِّع الأخبار، وأحملها أحيانا إلى قاعة “الإبراق” لأطَّلِع على ذلك الجانب الفني من العملية. حرصت على أن أكون أحيانًا ضمن فرق التغطية مُتدرِّبًا على أيدي مَن أقُودُهم، ولم يكن ذلك مستساغًا، فنظرائي من المديرين لا يحضرون إلا أنشطةَ رئيسِ الدولة، وليسوا – بالطبع- مَعنِيِّين بالتغطية.
ومبلغ القول ان الزميل الشيخ بكاي بحسب رأي ليس فحسب علامة فاقة في البي بي سي على رأي فؤاد عبد الرازق، بل هو كذلك علامة فارقة في تاريخ الصحافة الموريتانية.. اتمني للبكاي المزيد من التفوق والنجاح مالا يمكن ان اتمناه لك هو إطلاق اسمك على شارع او ساحة او على استديو في الاذاعة أو قاعة للتحرير في احدى المؤسسات الاعلامية الوطنية التي عملت بها ..طبعا انت تستحق ذلك لكن المميزين في بلادي كما تعلم لا يكرمون في الغالب قبل الانتقال الى دار البقاء.. وأنا اتمنى لك طول العمر في صحة وعافية.