قراءة في قصة الشيخ بكاي القصيرة جدا:(قطرة الحميم )/ النجاح بنت محمذفال
القصة :
حن الجرح إلى خيال الذي كان فجرا، وطفق يسبح في بؤرة حمراء تنزف من ذاكرة تبث النحيب ..
رش قمر يتيم يتسلل عبر ثقوب في جدار السنين قطرة في حلق طائر صَادٍ صارخٍ بالثأر…
قال طلل الصَّدَى المسجى على بساط اللهب: إنها قطرة الحميم.. وغاب في عويل جارح…
خرس الكلام…
القراءة :
تطغى المفاهيم الغيبية على قصة ” قطرة الحميم”، وتتعالى اللعنات منذرة بمصير لا يرحم إنه مصير واردي جهنم في ألمهم الابدي الذي لا ينقطع إلا ليبدأ .. لكن الجريح المعبر عنه هنا بالمصدر (الجرح) فاته كل ذلك حنينا إلى خيال الذي كان فجرا ..
والخيال ليس هو الواقع لذلك بدأت القصة بالازمة المتمثلة فى الصراع بين الحقيقة والخيال ..
صراع يكون فيه الجرح بطلا معبرا عن حقيقة حب تائه ، والخيال هو الطرف الثاني المعبر عن غياب الحبيب بحيث لم يعد لها أثر إلا فى الخيال !
لكن الخيال كائن رحيم يتيح من السباحة مالا تطيقه كل محيطات الأرض ..
هنا يأتي فعل طفق ليحيل إلى الشروع دون تباطؤ في السباحة فى بحر الخيال ، وذلك بما يدل عليه فعل طفق من السرعة القصوى فى مباشرة العمل : ( وطفق يسبح)..
لكن المفاجأة تأتي قاتلة ! حيث بحر الخيال امل الجرح (البطل) إنما هو عبارة عن بؤرة حمراء تنزف من ذاكرة تبث النحيب ..
هنا تاتى الهزيمة المتمثلة فى تضاؤل قدرة الإنسان حين يسطو عليه الزمن ! وتتحول أحلامه إلى بؤر تبث النحيب ؛ فهل من عدالة عند مملكة الزمن ؟
هنا تتدخل اطراف اخرى لتغذي الصراع لما تتطلبه القصة القصيرة جدا من تكثيف، فتاتي الذاكرة كبطل منقذ رحيم يبعث فى بحر الخيال غير البؤرة الحمراء ..
ذلك هو القمر اليتيم ولكونه يتيما ينعدم أي جمهور فتصفو لحظة اللقاء ..حتى وإن ضاق المكان ! والحال ان اللقاء هو فى ثقب السنين : (رش قمر يتيم يتسلل عبر ثقوب في جدار السنين)
لكن القمر-الحبيبة الذي منٌ برشة اللقاء هذه المتسللة من ثقوب الماضي ما لبث أن حول الجرح من مستواه الأول كجرح إلى تجل ثان تدب فيه الحياة بعد تلك الرشة ..
إنه غدا طائرا محلقا رغم أنه ما يزال صديا .. ومع أنه يعاني لاعج الصدى إلا أنه قادر على الصراخ والعويل بل على الثار !
وتأتي عبارة الثأر لتنهي التعايش بين ماضي الجرح في صراعه مع الزمن وتتيح نهاية لذلك الصراع يكون فيه الجرح فى تجليه الثاني كائنا حيا طائرا محلقا قادرا على الثأر .
ثار ينسجم مع ما تدعو إليه القصة القصيرة جدا من التناقض و الإبهام ، وهو واقع يجعل الجرح – البطل يتقاصر امام طاغوت الانكسار فتذبل قدراته على الثار بل يصبح مجرد طلل للذبول والانحسار ، لا يملك مستقرا في الارض لانه يستقر على بساط اللهب ( قال طلل الصَّدَى المسجى على بساط اللهب: إنها قطرة الحميم.. وغاب في عويل جارح…)
حينها يعود من جديد إلى واقعه كجرح لا حول له ولا قوة يسقى بماء الحميم بعد أن كان اللقاء رشة قمر يتيم.. يحيل إلى عدة إيحاءات منها
- – التفرد بالمحبوبة..
- – تفردها بالجمال لافتقاد النظير..
- – والغياب الذي يعتريها كما يعتري القمر
فيظلم وجدان الجرح -البطل لذلك الغياب ، ليحتدم الصراع :
بين الظلام والنور
بين الحقيقة والخيال
بين اليتيم ومستحقي الثأر
(رش قمر يتيم يتسلل عبر ثقوب في جدار السنين قطرة في حلق طائر صَادٍ صارخٍ بالثأر…
تفتح قصة قطرة الحميم جرحا غائرا في صراع الإنسان مع ذاته
في مختلف تجلياتها حين :
يتصارع الأنا مع الأنا الأعلى ..
حين يصارع مع الزمن فلا يجد له فيه إلا مجرد ثقب فى السنين
وحين يصارع البقاء الزوال من خلال رسم لملامح عوالم غيبية باعثة على الاسى وانقطاع الامل (الحميم ) الذي هو سقاية اهل النار …
ولذلك يتحول الإنسان- الجرح إلى أن غدا كلاما اخرس بدل أن يظل طائرا صارخا بالثأر تكشف قصة قطرة الحميم في قالبها القصصي الجميل عن عجزه امام كل هذه الأطراف !حتى غدا مجرد كلام أخرس !
نهاية سريالية تعكس حالة انهزام عاطفي يغذي تمزقا ظل الجرح -المحب بموجبه يتارجح بين متعة منقطعة وغياب اسمى من الكلام
لقد افتقد بلمح البصر صفة الطائر الصارخ بالثأر
وهي ضبابية مكنته من إخفاء صاحب الثار !!
ولم يسعفه إلا ذلك العويل الجارح وتلك حال جهنم المحبين
وغاب في عويل جارح…
خرس الكلام…