مشاهد وقراءات.. / المرتضى محمد أشفاق

مررت في طريقي بأسرة تسكن عريشا سقفه من قماش بال، وخنشات فارغة ألصق بعضها ببعض، ثم رأيت عريشا مسقوفا بال(سنك التالف)، فقال أصحاب العريش الأول يا ليت لنا عريشا مثل عريش بني فلان، ثم رأيت بيتا يتيما مسقوفا ب(السنك)، فقال أصحاب العريش الثاني يا ليت لنا بيتا مثل هذا البيت، ثم رأيت بيتين مسقوفين بالسنك، فقال أصحاب البيت يا ليت لنا بيتين مثل هذين البتين، ثم رأيت دارا من ثلاثة بيوت ب(فرندا)، فقال أصحاب البيتين يا ليت لنا هذه الدار الجميلة، ثم رأيت دارا عدل سقف أحد بيوتها إلى الإسمنت المسلح، فقال أهل الدار السابقة يا لحظ أهل هذه الدار صار عندهم بيت يقيهم الحر، ومخاطر المطر..ثم رأيت فللا، وقصورا، فقال أهل البيت المعدل، يا ليت لنا مثل هذه القصور، المؤثثة، إنها تشبه مساكن أهل الجنة، ورأيت أهل تلك الفلل، والقصور الموصولة بالكهرباء، والمزودة بالماء، والمؤثثة بجيد المتاع قد هجروها يطلبون ويتمنون غيرها في العاصمة، وما يتمنونه ويطلبونه هجره أصحابه في طلب غيره في الأحياء الراقية، وأصحاب الأحياء الراقية هجروها، وطلبوا غيرها في المغرب، وإسبانيا، وفرنسا، والخليج..
ولما زرت المقبرة بعد ذلك قرأت على شواهد القبور أسماء صاحب العريش، وصاحب البيت اليتيم، وصاحب البيتين، وصاحب الدار، وصاحب البيت المعدل، وصاحب القصر والفيلا، قرأت أسماءهم جميعا، ورأيت قبورهم كأن كل قبر نسخة من صاحبه لا يميز بينها إلا اسم ساكنه على الشاهد..
عاشوا جميعا في قلق، شغلهم الشيطان بتمني ما ليس عندهم، عن حمد ما رزقوا..
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله)..