canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
ثقافة وفنموضوعات رئيسية

ملاحظات قبل أن يستيقظ الحراس.. / بون ولد الحسن

هجرة العلم بين الأندلس والصحراء: تأملات من “ملاقة” في زمن المحنة

في ظهيرة صيفية من عام 2020، كنت أتجول في أزقة “ملاقة” الأندلسية، تلك المدينة التي لا تزال جدرانها تحفظ بقايا النور الأندلسي، وترتجف من وقع الأقدام التي رحلت عنها قسرًا في زمن السقوط الكبير. ومع نسيم البحر المتوسط يمرّ خفيفًا على كتفي تحس خياشيمي عبق نسيم التاريخ ، كنت أستمع من هاتفي لمحاضرة ألقاها منذ سنوات المغفور له بإذن الله، العلامة محمد سالم ولد عدود. بصوته الوقور، ذكر فيها فِنلنديا جاءه ليدرس نظم محمد بن مالك الملاقي، في شرح فصيح ثعلب، في ربوع موريتانيا.

توقفت لحظة. هذا اللقاء العابر بين شمال الأرض وجنوبها، بين أندلس الفقد وصحراء الصمود، أيقظ في نفسي تأملاً عميقًا. كيف لمهاجرٍ من أقصى الشمال أن يسلك دروب العطش والغبار، بحثًا عن علمٍ استقر في بلاد لا تُغري إلا من عشق المعنى وتحرّر من عبودية الظاهر؟ وكيف لهذا النظم الأندلسي أن يقطع قرونًا ومسافات، ليُدرّس في ربوع بلاد شنقيط؟

هنا أدركت من جديد أن العلم لا يستقر إلا في صدور اذوي العزيمة . من الأندلس إلى تِشيت، ومن قرطبة إلى شنقيط، ومن فاس إلى بوتلميت، تتبعنا خيوط الهجرة العلمية كما تتبع قوافل الحجيج نجمًا في السماء. وهذه الهجرة لم تكن يومًا هروبًا، بل كانت مقاومة من نوع آخر، فيها تنزوي السيوف لتفسح الطريق للمحابر.

تذكّرت آنذاك ما قاله طه حسين في محاضرته الشهيرة بتونس عن “هجرة الفن بين مكة والمدينة”، حين وصف كيف ينتقل المعنى، لا بالجغرافيا، بل بالإيمان والحاجة إلى الخلود. ومثل الفن، كان العلم يهاجر فينا لا من ضعف، بل من قوة. لقد طُرد من الأندلس، فحطّ رحاله في الصحارى، وكأنه يقول: إذا ضاقت الأرض، فسّحوا للعلم في الصدر.

ولأنني عرفت هذه الهجرات، لم أفاجأ بحرب الإبادة في غزة. من عرف إبادة الشناقطة على يد البرتغاليين، يعرف أن دماء العلم أغلى من أن تُحصى. غزة تُحاصر كما حوصرت شنقيط ذات تاريخ. يُقصف فيها المعهد كما قُصفت الرباطات والمساجد. تُغتال فيها الذاكرة كما أُحرقت كتب ابن رشد على جدران قرطبة. ولكن كما صمدت شنقيط، ستصمد غزة. فالعلم لا يموت ما دام في الأرض من يقرؤه، أو يبكيه.

ويا لمفارقة اللحظة: أنا أتنزّه في ملاقة التي طُرد منها العلم، وأستمع من جيبي لمحاضرة وُلدت في عمق الصحراء. هذا الانتقال العكسي هو أبلغ ما يمكن أن يُقال عن عظمة الرسالة، وخلود الكلمة، ووفاء الشعوب المغمورة للمعنى الذي لا يموت.

العلم لا وطن له إلا الصدور التي تحفظه، ولا زمان له إلا الأوقات التي نحتاج فيه إلى النهوض. وبين ملاقة و ام القرى حيث وأرض محمد سالم عدود رحمه الله، بين فصيح ثعلب وصيحة غزة، خيطٌ رفيع من الإيمان بأن النور لا ينطفئ، وأن قوافل العابرين بالرمل والحرف هم من يبنون العالم الحقيقي.

المصدر: الفيسبوك – صفحة نقيب المحامين بون ولد الحسن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى