وضع الاقتصاد الجزائري في ظل تحولاتٍ وضغوطٍ يشهدها العالم مع موجات تحور فيروس كورونا/ عمار براهمية
17 يناير 2022، 01:28 صباحًا
لتحليل وضع الاقتصاد الجزائري، وللوقوف على حقيقة ما يروج اعلاميا عن مخاطر وتحديات افتراضية وتذبذب في وفرة بعض المواد الاستهلاكية، يجب الاعتماد في اي دراسة موضوعية على عوامل الوضع الاستثنائي الذي يعيشه العالم منذ أكثر من سنيتين بسبب الظروف الصحية الوبائية التي فرضت تراجعا ملحوظا في نمو الاقتصاد العالمي،
حيث توجهت اغلب التقديرات نحو إقرار نظرة سلبية بتراجع في نمو الاقتصادي العالمي لتكون التوقعات في حدود 4.4 % لسنة 2022، بالرغم من السياسات المعتمدة للتعافي، والمتبعة في اقتصاديات اغلب الدول المتطورة والنامية، والتي لا تزال تحاول جاهدة لتحسين ادائها الاقتصادي رغم تزايد مخاطر متحورات كورونا،
فإذا كانت الصعوبات هي حال الدول المتطورة فكيف سيكون الوضع الاقتصادي للدول النامية؟ حيث تفاوتت تبعات الركود الاقتصادي وتعقيدات التباعد الاجتماعي من دولة لأخرى، كما ان صمود المنظومات الصحية للدول شكل في حد ذاته مفارقة حقيقية، لتكون الوضعية افضل بكثير في بعض الدول النامية مقارنة بالدول المتطورة التي وصلت لمستويات غير متوقعة من العجز أمام التزايد الكبير في عدد الاصابات بمتحورات الدلتا وأوميكرون عبر مختلف الموجات المتتالية التي اربكت الاقتصاد والصحة والسياسة الداخلية لهذه الدول،
ومقابل كل ذلك ما هو تفسير التناقضات المسجلة بخصوص ما كان يروج له عن صلابة ومتانة المنظومة الصحية والاقتصادية للدول المتطورة مقابل نظيرتها في الدول النامية خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية كشفت عن ارتباط انجازات العالم المتطور بتعقيدات العالم النامي؟
وهل ستكون المرحلة الحالية وما فرضته من نظرة سلبية تجاه اقتصاديات دول متطورة كنقطة فارقة في توازنات العالم الاقتصادية والسياسية والصحية، لصالح دول أخرى ستتجه حتما نحو خيارات اكثر انسجاما مع امكاناتها خاصة التي كنت معطلة وغير موظفة لتحقيق التنمية الاقتصادية، وأهمها الموارد البشرية لديها وما تزخر به من كفاءات وعقول مبدعة؟
في هذا السياق يمكن الحديث عن الجزائر باعتبارها من بين الدول التي تستحق تسليط الضوء وتركيز الاهتمام على وضعها الاقتصادي، لما لها من مقومات وثروات وقدرات بشرية مبدعة قدمت خلال فترة الجائحة اسهامات تكنولوجية محلية في شتى الميادين، واضافت لمسة جزائرية نوعية لتغطية حاجيات السوق الوطنية من مواد الوقاية ومستلزمات المتابعة الصحية وعلى مستوى عال من الجودة وبالتزام مستند للحس الوطني والمسوؤلية تجاه المجتمع الجزائري،
وبما يدل على نضج العقل الجزائري المبدع وقدرته الفعالة لتحقيق نقلة نوعية في تطور الأمة الجزائرية، فقط لو تتركز الاهتمامات البحثية والعلمية نحو تشجيع الابتكار والمعرفة، وباشراك القطاع الاقتصادي الخاص باعتماد معايير الزامية تحدد مسؤوليته الاجتماعية، التي يجب أن تبنى على الكفاءات الوطنية المبدعة وبالترويج لها وتجسيد ما تقدمه العقول الجزائرية،
كما أن التحولات الكبيرة التي تعيشها الجزائر والتي كرست عبر محطاتها خطوات هامة في البناء المؤسساتي عن طريق الممارسة الانتخابية الديموقراطية، وبكيفية سلسة ومنسجمة غلّقت أبواب المراحل الانتقالية التي شكلت هاجسا كبيرا لدى المجتمع الذي يرفض هذه الأفكار والمخططات التي سبق وأن الحقت الضرر بالمجتمع وبطموحاته الأساسية،
هذا بالاضافة لما تحقق من انجازات أخرى في قطاعات اقتصادية هامة، على غرار الزراعة التي أعطت نتائج جد محفزة حيث بلغ الإنتاج الزراعي 30 مليار دولار، وبتنوع مكن الجزائر من تسجيل صادرات جد معتبرة من المنتجات الفلاحية، نهيك عن قدرات الجزائر في مجال الطاقة وما عرفته الأسواق العالمية من تحسن وانتعاش ملحوظ، فلماذا تتعرض الجزائر لهجمات تستهدف اقتصادها لبث الإحباط والفشل رغم ما تحقق في ظل الظروف العالمية والاقليمية المتجهة في مجملها نحو تزايد الصغوط الاقتصادية وتبعاتها السياسية؟
وبالرغم من ذلك استطاعت الجزائر ان تتجاوز اغلب الصعوبات بأقل الاضرار وبتطلعات أكثر إيجابية، حيث كانت القرارات الاستباقية ومخططات الحماية الصحية الاحترازية وتعديلات ضبط الميزان التجاري الذي حقق فائضا لم يسجل منذ سنوات حيث بلغ في نوفمبر 2021 بما قيمته 1.04 مليار دولار، وهذا بفضل محاور التصحيح الاقتصادي التي اعطت نسبة نمو قدرها 4.1 % خلال نفس السنة، لتصبح هذه الانجازات بمثابة الخيارات المهمة في تاريخ البناء والتحول نحو مسقبل أفضل رغم ما سبق ذكره من تحديات عالمية، ورغم ما يُروج له من مغالطات عبر حملات دعائية استهدفت معيشة المواطن ومعنوياته لزعزعة ثقته، ولبعث الفشل والاحباط في نفوس الجزائريين، وكل ذلك لتثبيط العزيمة القوية التي ابانت عليها القيادة العليا للبلاد في بناء الجزائر الجديدة، ومواجهة محاولات الأعداء البائسة في محيط الجزائر، وكل ما يحاك ضدها من وراء البحار،
لكن الاحداث الوطنية والظروف الاقتصادية المحلية ورغم تحدياتها، إلا أن مستوى الاستجابة المجتمعية الإيجابية اعطت دروسا قوية، بان الجزائر متماسكة وشعبها متلاحم مع مؤسساته، وهو على مستوى عال من الوعي بالمسؤولية تجاه الوطن الذي لا يقبل نقاشات تافهة توجهها ايادي خبيثة تعاني من افصام قوي في الطرح الاعلامي، نظرا لما تبثه من دعاية متناقضة كشفت عن حقيقة العملاء الذين اصبحوا يروجون بوقاحة لمزاعم التفرقة والفتنة والعنصرية، لكن الجزائر بفضل الله تعالى ثم ابنائها الشرفاء تمكنت من إفشال كل مخططات الخونة والعملاء، وهي مستمرة نحو تطور مستحق في شتى المجالات بما يلبي طموحات شعبها الأصيل الأبي.