ذاكرة مدرس (٢) : “جَوَلْ”.. أزمة الهوية / ممو الخراش
“مورينيوز”-( خاص)- لا تكون الدولة ديمقراطية – حسب منطق “لا تلمس جنسيتي” – إلا إذا حكمتها الأقلية، والعنصر العربي هو الدولة أو، بمفهوم آخر، هو النظام!
ودعت أخي عند المحطة، وكان الجو ملبدا بالغيوم، سحب ركامية، ورعود قاصفة… وعلى الأرض أطلال حرب، وشرطة تحتمي بظل السيارات من لفح الشمس… منظر متنافر، وإن كان ألم الفراق جعلني أتوقع الإعصار أكثر مما أتوقع العارض.
الطريق إلى المدينة متعرج، لا يتعدى طوله ثمانية عشر كيلومترا، التفت إلى السائق وسألته بالحسانية ثم بما تذكرته من اللغة الفرنسية عن وجهة الغرباء، قال: سأوصلكم لمنزل العمدة.
وجدنا زوجتيْ العمدة وأخرى جوالس كالأثافي، رحبن بنا وفهمن أمرنا؛ لأنها ليست المرة الأولى، أحسن الوفادة، لكن ذلك كله كان بلغة الإشارة! وغادرنا المنزل.. زميلي المنحدر من الشمال مغرم بصعود الجبال، أما أنا فلا كثبان أبثها بعضا من همي. اقتربت الأنواء، وعدنا فوجدنا أمامنا العمدة، وهو معلم يجيد التحدث باللغة العربية، ففكت العزلة عنا.
في الصباح اتجهنا صوب الثانوية فرحب بنا المدير وزودنا برقم الأستاذ محمد عالي ادو، وهذا الأخير أرشد نا إلى تاجر ظريف ترجم بيننا وبين المدينة، فحصلنا على مسكن واشترينا أثاثا منزليا متوسط الحال.
في اليوم الرابع أقيمت وقفة احتجاجية أمام المنزل الذي نسكنه “كالى سمارى” احتجاجا على قتل الفتى “المقاموي” وعلى سياسة الحكومة، وبعد نصف ساعة انفض الجمع، وعادوا في الغد. كان زميلي متضايقا إلى حد ما. قلت لا تحزن، نحن هنا نمثل العرب / النظام / الدولة، فلا تنتظر أن يذهبوا إلى العمدة، لكن علينا أن نخرج إليهم ونستلم منهم رسالتهم الاحتجاجية وندرس مطالبهم بشكل جدي!.
في اليوم السادس حاول زميلي التسلل إلى كيهيدي، لكن الطريق سدت بفعل المظاهرات، فعاد وأفلح في اليوم الموالي. بقيتُ في المنزل وحيدا قرابة شهر، فاقتربت من السكان وتعلمت الكثير من مفردات لغتهم الدارجة على الألسنة، كانوا ناسا طيبين، مسالمين.
مدينة “جَوَلْ” تتكون من “جَول” الذي يقطنه “البولار” وهم الغالبية، و”كوري” حيث منازل السوننكي” وبين الحيين هضبة مستطيلة فاصلة، وشبه قطيعة تامة، نظرا لاختلاف الطباع، ف”البولار” مرحون، منفتحون، و”السوننكي” مجتمع جاد، منغلق، منظم، تقليدي جدا، يتحدثون السوننكية فيما بينهم، ويتحدثون إلى الآخرين باللهجة البولارية / اللغة الرسمية للبلدة. ولا غضاضة عندهم في ذلك.
مدينة “جول” جميلة الطبيعة، هضبية التضاريس، “ولكن الفتى العربي فيها @ غريب الوجه واليد واللسان” وهي شريان الحياة لقرى الضفة اليسرى لنهر صنهاجة.
134 تعليقات