طريق تيجكجه-أطار:غضب ومخاوف من مسار”يتجاهل الإنسان والتنمية”
الرشيد- نواكشوط –” مورينيوز”–أثار تدشين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الطريق الرابط بين أطار ( شمال موريتانيا) وتيجكجة ( وسط البلاد) من دون اتخاذ قرار بمروره بالمدن والقرى الواقعة ما بين تيجكجة ومنطقة الحدود مع آدرار موجة جديدة من الاستياء في أوساط السكان
وتسود حال من الغضب القري والبلدات الواقعة في بطن وادي الرشيد وتلك التابعة لمركزه الإداري والمرتبطة معها بمصالح وعلاقات خاصة، وتشمل ضمن تجمعات أخري “النيملان” ،”إكفان” ،”النبط” ،”العوينات”، “صاله” و “أغلمبيت”.
وقال محمد ولد اجهاه لـ ” مورينيوز” في اتصال هاتفي من الرشيد : ” لست أدري ما الفائدة من طريق لا يمر بأي مدينة أو قرية”.
واستغرب ولد اجهاه ما وصفه بـ ” تصامم السلطات عن سماع حقيقة أن الهدف من شق أي طريق هو خدمة السكان والتنمية”، مشيرا إلى أن المسار الحالي لطريق تيجكجة- أطار ” يجردها من أي فائدة للإنسان في هذه المنطقة”.
وأضاف: أن المسار في شكله الحالي قد يكون ” أداة هدم لمدينة الرشيد والقرى والبلدات الواقعة شمالها وجنوبها في وادي القصور ( من منطقة الخط إلى تيجكجة)”، موضحا أنه ” في حال لم يمر الطريق بهذه القرى سيضطر السكان إلي الهجرة من قراهم لتشكيل قري صغيرة متناثرة على جنبات الطريق”.
وفي السياق نفسه قارن بيان أصدره منحدرون من ولاية تكانت بين هدم الفرنسيين للرشيد خلال الفترة الاستعمارية عقابا لها على المقاومة وبين تجنب الطريق المرور بها . وقال البيان إن هذه ستكون عملية الهدم الثانية للرشيد “فهي المدينة الوحيدة في موريتانيا التي دمرها المستعمر ( 1908) وأبت إلا أن تصمد وفي أقسى الظروف فهل يعقل أن تدمر اليوم ويفرض عليها المزيد من العزلة؟ “.
ويشرح البيان أن “المتتبع لدراسة هذا الطريق يصاب بالحيرة وهو يرى العلامات الأولى وهي تتحاشى بشكل مريب كل النقاط السكنية والتجمعات الواقعة بين (عاصمتي) الولايتين والمفترض فيها أن تكون أولوية”. ووصف البيان ذلك بأنه ” يشكل تجاهلا خطيرا في الدراسة لواحدة من أوائل مدننا التاريخية” على حد قوله.
وكتب المنحدرون من المنطقة أن استمرار المسار الحالي للطريق على هـذا النحو “سيؤدي بدون شك إلى هجرة للسكان واسعة النطاق من المدينة القديمة إلى جنبات الطريق الجديد وهو أمر يحمل في طياته تدميرا آخر لمدينة الرشيد بعد مئة عام على تدميرها لأول مرة من طرف فرنسا الاستعمارية”، محذرين من أنه “ستنتج عن هذا التدمير تجمعات صغيرة تحتم على الدولة ـ وهي المسئولة عن وجودها أصلا ـ تزويدها بالمرافق الضرورية للحياة الكريمة” على حد قولهم.
وقال ساكن من قرية ” آكنانة” شمال مدينة الرشيد لـ ” مورينيوز”: ” ندفع مبالغ كبيرة للسيارات العابرة للصحراء مقابل نقل إنتاج وادي الرشيد من تمور وجريد، وخضار وكل حصاد زراعاتنا المروية والمطرية، ومقابل نقل الأشخاص”؛ وأضاف: ” راودنا الأمل في الدفع بمنتجاتنا إلى الأسواق في شكل أرخص وأسرع، لكن هذه الآمال تبخرت حينما فشلت الدولة في جعل الطريق يمر بواحاتنا وقرانا المتناثرة في شريط الوادي من الخط إلى الحويطات”.
وقال ساكن من مركز الرشيد لـ ” مورينيوز” في اتصال هاتفي: ” لا ينبغي أن تضرب مصالحنا، ومن قال لهم إننا سنسكت أو نترك الأمر يمر بهذه الطريقة ..؟ إذا أرغمنا على استحدام آخر ما في أيدينا سنفعل… سنحتج بكل الطرق التي قد لا تخطر على بال”.
وهذا ما أشارت إليه لجان شكلت في نواكشوط من المنحدرين من المنطقة، فقد كتبت تحت عنوان: “أغرب مسار لأغرب طريق!”: “…. وقد وصلت عدوى تلك الثورة إلى العاصمة نواكشوط حيث اجتمع عشرات من الأطر في اجتماع أمس تجاوبا مع الأهالي في الداخل”. وأوضح المكتوب أن “لنقاشات كانت حادة في كثير من الأحيان حتى أن البعض تحدث عن التعبير عن ما يدور في النفوس من الهواجس وعدم الرضا بشيء من الخشونة يتناسب معه، لكن الدعوة للاعتدال في المحفل نجحت أخيرا في احتواء الموقف وتقرر أن تستخدم الأساليب الهادئة للاتصال السياسي”.
واعتبر المكتوب أن ” مرور مسار الطريق المرتقب بعيدا عن مدينة الرشيد عاصمة بلدية الواحات والمركز الإداري الوحيد في تلك الأنحاء هو أمر من الغرابة بمكان”، خصوصا أن هذه القرى والبلدات “منتظمة صفا على طول الوادي” ، في حين اختير للطريق “خط مواز خال من كل أشكال الحياة “.
وقال المكتوب إن تجنب الطريق للأماكن الآهلة بالسكان لم يأت نتيجة “للمصاعب الكبيرة المرتبطة بوعورة التضاريس ولا للكلفة الباهظة للتنفيذ، وإنما لاستشارة قدمها أحد المستشارين الأجانب وكان على عجلة من أمره وبدون أدنى حد من المعرفة للطبوغرافية المحلية” على حد قوله.
وقال إنه من “المستغرب والباعث على الامتعاض أن فكرة النمو الاقتصادي والاجتماعي للساكنة المحاذية لوادي الرشيد ومستقبل الأجيال هناك لم تكن لا من قريب ولا من بعيد في اهتمامات المسئولين عن الدراسات المحددة لمسار الطريق والتعديلات التي شهدها فيما بعد” على حد قوله.
ولا يمر الطريق كما رسمته الدراسة بأي تجمع سكاني، من العين الصفرة في آدرار إلي مدينة تيجكجة. وحتي قرية “الحويطات” التي لا يمكن التعلل بأن بها أودية أو جبال، سيمر الطريق علي بعد نحو كيلو متر ونصف منها. وهو يمر عبر فيافي غير مسكونة.
وشكل المشروع الذي يغطي 367 كيلو مترا ويموله الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والبنك الاسلامي للتنمية، حلما لدي سكان تكانت، لكنه الآن في نظر كثيرين “طريق عديم الفائدة، واستفزازي، ولا يستجيب لمتطلبات التنمية الإقتصادية والبشرية” كما قال أحدهم لـ ” مورينيوز” في وقت سابق.
وكانت دراسة أولي رسمت مرور الطريق علي بعد 17 كيلومترا من الرشيد ، وتحرك السكان باتجاه السلطة فعدلت الدراسة حتي أصبح يمر أقرب مع قرار ببناء وصلة إلي مبني المركز الإداري في جزء من المدينة.
ويقول السكان أنه لكي يكون للطريق فائدته المرجوة ينبغي أن يربط آدرار بتكانت عبر ما يطلقون عليه “واد القصور” أي الوادي الذي يبدأ من مصب “الرشيد”، وينتهي في “تيجكجه”؛ خصوصا أن الأمر لا يؤدي إلي أن ينحرف مسافة تزيد في التكاليف بقدر يبرر “إفراغه من محتواه الاجتماعي والتنموي”- كما يقولون – فالوادي يقع في خط مستقيم مع حدود تكانت وأدرار.
ويبرر من نفذوا الدراسات مسارها بالقول إنهم ابتعدوا عن الوادي هربا من الجبال الوعرة، والبطاح التي تتطلب جسورا مرتفعة التكاليف، إلا أن السكان يقولون إنهم اقترحوا خطا يتفهم هذه المخاوف.
وقال أحمد ولد ماغة وهو من سكان الرشيد في تصريحات سابقة لـ “مورينيوز” : ” إننا نشعر بالغضب والإحباط”، مشيرا إلي إن “الدراسات التي قيم بها لم تتوخ وصول الطريق إلي هدفه الذي هو الانسان ، ثم إنها غير مبررة من حيث المسافة، فهناك خط أقرب نبهنا إلي وجوده، ووضعنا أنفسنا تحت تصرف من يقومون بالدراسات من أجل اعتماده، لكن لا يبدو أن الإنسان كان الهدف… كان هناك مقاولون ، وتمويلات ، وهذا كل شيئ”.
وأضاف ولد ماغه: ” لقد قمنا نحن من باب التسهيل، وبوسائلنا الخاصة المحدودة بتذليل الممرات الوعرة التي اعتبروها عقبة أمام مرور الطريق بوادي الرشيد ، ولا أقول مدينة الرشيد فقط ، لأنه علي مسافة 120 كيلو مترا يوجد سكان، ويوجد نشاط اقتصادي أريد للطريق الجديد أن يتجنبه، وأن يسلك الفيافي”. . وزاد الرجل متحديا: ” نحن نعمل منذ فترة في شق الكدى التي يهربون منها، واستطعنا أن نجعل سيارات قديمة تعبر حتي تصل الخط الذي حددته الدراسة فليأت من أراد ليتحقق بنفسه أن مرور الطريق عبر الوادي ممكن جدا “.
وسابق سكان المنطقة البدء في اتنفيذ المشروع من خلال عمل تطوعي شقوا فيه ممرات عبر الجبال الوعرة ليتمكنوا في الأخير من ربط هذه الممرات بالخط الذي حددته الدراسة في نقطة تضمن مرور الطريق عبر الوادي.
وقال منحدرون من المنطقة لـ ” مورينيوز” إن الموضوع طرح على الرئيس عزيز في مناسبات مختلفة في شكل مباشر وعبر رسائل، كما تحركت فيه منسقية منتخبي “تكانت” التي يرأسها النائب سيدي محمد ولد محمد فال ( قريني) .
02تاريخ النشر الأول:/04/2011