البادية الموريتانية.. رحلة تتبع لأولاد المزن.. أعراس عادات تقاليد…
بادية موريتانيا- الشيخ بكاي- ظلال الأشجار تصافح ظلال الخيام، فيما يقطر الدمع من عيون شمس تغرب، فيسيل على بساط الرمل المغطى بالعشب الأخضر خطوطا أرجوانية وفضية. وتحت الأفق الأحمر الهارب ترى من بعيد على امتداد السهل المستوي كالبساط الممدود بعناية، جحافل الإبل والأبقار والأغنام العائدة من مرعى خصيب.
العجائز منهمكون في أدعية المساء. الأطفال والرجال يربطون العجول والحملان والجديان لئلا ترضع قبل أن تحلب أمهاتها. تقترب القطعان شيئاً فشيئاً. جلبتها كريح عاتية، وهي تدخل الحي لتتخذ مواقعها في “المرحان”… تذوب الأصوات الآدمية في جلبة البهائم لحظات، ليهدأ الكل بالتدريج تاركاً للأذن الاستماع الى شيخ يقرأ القرآن بصوت أبحّ حزين يردد خلفه صبية ما يقرأ.
يقول أحمد سالم – كبير الحي – لابنه: “اذبح ذلك الخروف”. ويلتفت الى بعثة “الوسط” مكرراً كلمات الترحيب التي استقبلنا بها قبل نصف ساعة: “أهلا بكم. الخيمة خيمتكم. يامرحبا”. يجمع رجل “رأساً” من الحطب وتوقد النار… يشوي الرجال اللحم في الرمل الملتهب. وتتوسط ربة البيت المجلس وهي تعد الشاي الأخضر على جمر الفحم. وللشاي في البادية ثلاثة متطلبات ضرورية يبدأ كل منها بحرف الجيم، وهي: “الجماعة” و”الجمر”، و”الجر”. وتعني الأخيرة إطالة المدة التي تُدار فيها كؤوس الشاي على المتحلقين حولها.
تُشرب “الكأس الأولى” مُرّة ثقيلة، وتكون “الثانية” خفيفة، و”الثالثة” أخف من سابقتها وفيها ترتفع كمية السكر. وتأتي “الجيم” الأولى الجماعة كناية عن الكرم. اذ كان الشاي في بداية دخوله البلاد قليلاً لا يتوفر إلا عند الخاصة. وكان البخلاء يتكتمون شربه لئلا يضطرون الى إشراك غيرهم فيه. أما الكرماء فكانوا يعدونه في مجالس بعضها مخصص للرجال وبعضها للنساء. ويدعى الىها أهل الحي البدوي. واستمرت هذه الممارسة بعد أن صار الشاي في متناول الكل، وهكذا فإن مجالس الشاي جزء من حياة الموريتاني حتي في المدن. أما “الجيم” الثانية الجمر فهي تعني الفحم الذي يُسخن علىه الشاي وينبغي أن يكون من النوع الجيد. ويستخدم البدو غالباً فحم شجرة “التمات” (السلم) التي يعتبر فحمها الأجود والأهدأ والأشد صموداً أمام الرياح. وتبقي “الجيم” الثالثة الجر أي إطالة المدة التي يستغرقها مجلس الشاي. وهي دليل ترحاب.
وفي البادية يتبادر للضيف أنك تريد صرفه أو لست فرحاً بوجوده إذا أخللت بشرط “الجر”. ومع أن البدوي يملك وقته، والزمن في البادية يبدو أطول منه في المدينة، إلا أن الحضري الموريتاني في أوقات الراحة لا يحب اختصار فترة الشاي. وتطول الفترة كثيراً إذا كانت صانعة الشاي فتاة يتحلق حولها المعجبون والطامعون. وفي هذه الحال لا ترضى الفتاة عن الشاب الذي يستعجل إنهاء الشاي. وتكفي جملة “صُبِّي الشاي” لتفهم الفتاة أن مجلسها لا يروقه.
وفي مجلس الشاي يعقد أهل البادية المعاهدات ويناقشون القضايا المهمة. ويتداول الفقهاء أحكام الشرع وتحل الخصومات.
“موقعة الجمل”
عند نهاية “الكأس الثالثة” وضعت أمام بعثة “الوسط” مائدة عريضة هي عبارة عن ثلثي خروف. وقال أحمد سالم لزوجته وهو يقطع شرائح اللحم المشوي: “عجلي العشاء، فالضيوف متعبون وربما كانوا يفضلون النوم الباكر”. وعبثاً حاولنا إقناعه بأنه لن يكون هناك مكان لعشاء آخر. فوجبة “الكسكس” ضرورية وإلا لكان الأمر يعني أن الضيف بات من دون عشاء.
بين ثغاء النعاج و”حنين” الابل وخوار العجول ارتفعت أصوات كلاب الحي… إنهم ضيوف جدد… ذبيحة جديدة وجلسة شاي أخرى… لقد جاؤا في طلب جمل “هامل” (سائب) يملأ هديره الدنيا. قال أحدهم “هوذا جملي، إني أميز هديره”. ورد أحد رعاة الحي: “صحيح هذا جمل سائب اتصل بإبل سيد الأمين منذ أسبوعين” وزاد: “هو واقف على نوقه يلقحها”. وتناهى خبر الضيوف والجمل الى سيد الامين. لم تمض لحظات حتي كان مع الجماعة. سأل، بعد السلام: “أنت صاحب الجمل؟”. رد الرجل: “نعم، وسآخذه في الصباح”. قال سيد الأمين: “أما تبيعه؟” رد الرجل: “لا”. فقال له سيد الأمين: “الجمل لا يمكن أن يفارق إبلي قبل أربعين يوماً وإلا عادت كأن لم تلقح. أنا أعطيك فيه الثمن الذي تريد. خذ ثمنه من أفضل إبلي”. غير ان الرجل أصرّ على أنه لن يبيع الجمل وسيأخذه. قال سيد الأمين “لم يبق أمامي إلا أن آخذك الى الشرع”.
انتقل الرجلان ومعهما صحافي فضولي الى فقيه في الحي حكم لصاحب الإبل ببقاء الجمل حتي تنتهي حاجة النوق الىه. قَبِل الرجل على مضض، وإن كان سبب القبول ــ في الواقع ــ وساطة رجل وقور وجيه.
ويعتقد أهل البادية بإن الناقة ستتعرض لـ “إجهاض” حملها إذا فارقها الجمل الذي لقحها، قبل مضي 40 يوماً.
حليب وحب وقمر
حلّت “العتمة” الوقت الذي يحلب فيه الرعاة ضروع البهائم. ولم يعد المرء يسمع إلا صرير اللبن في الأقداح أو همهمة صغار المواشي وهي ترضع الأثداء. انسحبت الأسرة من الخيمة الى العراء لتوفر الراحة للضيوف بعدما تركت قرب مرقد كل منهم قدحاً خشبياً كبيراً مملوءً بالحليب.
قال لي رب الأسرة وهو يتمنى لنا ليلة سعيدة: “أيقظ صاحبك السائق فقد نام ورأسه متجهة نحو الشمال”. تذكرت ان البدو يعتقدون إن من نام ورأسه باتجاه الشمال يعرّض نفسه لضربة “عفريت” من الجن. ويعتقدون بأن المنطقة الشمالية من الخيمة، الواقعة تحت العمود الشمالي الذي تُنصب علىه الخيمة مسكونة، ولا يتركون أحداً يجلس فيها.
لم يكن النوم ممكنا ليس بسبب الجمال و”التيوس” التي “تتحرش” بالإناث. إنه الطبل الذي يجلجل في سكون الليل تصحبه الحناجر البدوية الجميلة الحزينة. هي عادة متأصلة في عالم البدو أن تخرج فتيات من غير المحجبات بعيداً نسبياً من خيم الحي، فتغنين على الطبل أو ما يقوم مقامه. كانت الأغاني غاية في العذوبة والبساطة، تترجم معاناة الانسان وهمومه العاطفية في هذا العالم الرحب المتحرر من قيود المدنية الحديثة.
القمر يتهادى بين الغيوم الناحلة الزرقاء في ليلة صحو، فيحيل الصحراء دفئاً والفة وراحة بال. فتيات الحي وفتيانه تدافعوا الى الحفلة. هذه تغني وتلك ترقص أو تصفق، وأخريات يضعن بالقرب منهن أقداح حليب كبيرة تتبارين في شربها. إنها بقايا عادة قديمة تسمى “البلوح” والغرض منها تسمين الفتيات.
كانت هذه العادة في الماضي تمارس بطريقة قاسية تشمل الضرب المبرح وتكسير الأصابع أحياناً حتى تشرب الفتاة أنهاراً من الحليب لتسمن فتصبح جميلة في نظر أبناء القبيلة. لكنها تمارس حالياً بشكل طوعي، فالفتاة التي تريد أن تسمن “تبلح” نفسها. ولم تعد للسمنة تلك المكانة التي كانت لها في المجتمع القديم. إلا أن الموريتاني، حتى في المدينة، لا يحب المرأة النحيلة، فلا بد لها من أن “تستر عظامها” وان قليلاً. ويكره البدوي المرأة “الملطاء” التي هي من دون أرداف.
يبدأ الشبان قرض الشعر العامي الغزلي الذي تغنيه الفتيات. وهو غالباً يعتمد التلميح، لا التصريح. وقد يصرح بعضهم باسم المحبوبة إذا كانت من أسرة غير محافظة (نبيلة بشكل أدق). ومنذ بدأ الحفل لم ينقطع وصول القادمين. هذا بعير “يبرك”. وذاك لا يزال راكبه علىه. ومن المعهود في البادية حينما تستقر القطعان وتنتهي عمليات “الحلب”، وترضع صغار الماشية، أن يترك الشبان أحياءهم الى الأحياء الأخري بحثا عن اللهو.
الحب في البادية برئ، اذ يكتفي الشاب والشابة بالحديث بين غيرهما من الفتيات والفتيان. وينتظر من كانت حبيباتهم من أسر محافظة ما بعد النوم. ويترك “الساري” الذاهب تحت جنح الظلام بعيره بعيداً عن الحي لئلا يفطن له أهل الفتاة.
ويطلق على عملية زيارة الحبيبة خلسة “السْرِيَّة”. ويثير القمر شوق البدوي العاشق وهو لا يستطيع في العادة النوم من دون ركوب جمله والخروج من الحي الى حيث المحبوبة، لكن القمر يثير مشكلة، إذ يكون من الصعب الاتصال بالحبيبة من دون إثارة عين الرقيب. وقد يلجأ المحبوبان أحياناً الى تدبير الحيل إذا كانا على موعد مسبق اذ ترسل الحبيبة مع خادمتها أو غيرها ثوباً نسوياً يلبسه الحبيب ويندس فيه وسط النساء من دون إثارة الشك، فيلتقي الحبيبة التي قد لا يتبادل معها التحية جهراً لئلا تفضحه حباله الصوتية!
تنتهي السهرة في وقت متأخر. تنام “التيوس” والجمال وتأخذنا مع الكل نومة عميقة. وفي الصباح نصحو على تلاوة القرآن وذكر الله في كل أرجاء الحي. وعلى “دمدمة” الجمل الفحل و”حنين” النوق، وصياح المعيز. وكانت أقداح الحليب عند مرقد كل منا بحيرة بيضاء هادئة صافية.
قبل مغادرة الحي ضحى، زيَّن المطر الأرض الخضراء، ملأ الأودية الصغيرة. غسل الكثبان والأشجار والصخور. كل شيء في هذه الأرض الرحبة نظيف… الهواء نقي. الجو معتدل، نسيم عذب ودود يداعب أشجار “التمات” و”الطلح” و”الأتيل” التي تبدو عرائس تتدلي جدائلها ناعمة خضراء.
قلت للسائق ونحن نعلو كثيباً جلله النبات الغض: “هناك من يشير الىنا بالتوقف”.كان رجلاً في حدود الأربعين. سلّم وابتسم، ثم قال “رأيت السيارة ففهمت أنكم من أهل المدينة ولدي رسالة أريد أن توصلوها”. “هات الرسالة”. قال السائق في اقتضاب. قال البدوي مشيراً بيده: “أترون الأرض؟ أليست خضراء؟ والماء ألا يجري في كل مكان؟ انظروا الى الماشية أليست سمينة شبعي؟”. حاول السائق التحرك، لكني منعته لأعرف ماذا يريد الراعي الذي لا يبدو من هيئته أنه مجنون أن يقول. ضحك الرجل وأصدر صوتاً يشبه الزغاريد ثم قال: “سلموا على ولد محمد الأفرم وقولوا له لعنة الله على أبيك”.
أولاد المزن
أصل الحكاية قديم… ففي فصل الصيف، حينما تقحط الأرض وتضعف الماشية ويجوع البدو، يأتون ببعض مواشيهم الهزيلة الى مدينة “تيجكجة” عاصمة ولاية “تكانت” وسط موريتانيا لبيعها بثمن بخس، في مقابل بعض الحاجات البسيطة. وكان هناك اتفاق بينهم وبين رجل هزلي يدعى ولد محمد الأفرم يقضي بأن يقف الاخير على مكان مرتفع فوق سوق الماشية، فيسب البدو ويلعن آباءهم من دون أن يردوا علىه. وفي موسم الأمطار حينما يتجول الرجل في البادية يفعلون به الشيء نفسه. وحينما يذهب أحدهم الى المدينة يبحث عنه، وحيث وجده صب اللعنات والشتائم علىه وعلى وأسلافه. وحينما يقول البدوي من أبناء هذه الولاية إن “ولد الأفرم” ملعون هذا العام فإن ذلك معناه أنها سنة طيبة كثيرة الأمطار.
على الطريق كنا حملنا رجلاً في الخمسين يعيش “موزعاً بين البادية والمدينة. يملك قطيع إبل لا يطيب له مقام من دونه، ومصالح تجارية في العاصمة نواكشوط. قال الرجل في حديث عن التحول الذي تشهده الحياة الريفية: “حتى الستينات كنا بخير. لم يكن هذا التهالك على القري قد أصاب الموريتانيين. كان للمدينة أهلها. وللبادية أهلها. ولاعلاقة بين الطرفين”. واضاف: أما الآن فقد أبدل الكثير من أهل البادية خيامهم الجميلة، والهواء النقي والحرية، بالأخبية وأكواخ القصدير في أطراف المدن الملوثة”.
قبل أعوام القحط في السبعينات لم تكن البادية بحاجة الى المدينة بل كان العكس هو الصحيح فقد كانت موازنة الدولة تعتمد أساساً على الضرائب التي كانت تفرض على رؤوس الماشية منذ العهد الفرنسي. ولم يكن هناك أي مقابل يعود بالفائدة على “أولاد المزن” الذين يجوبون الصحراء تبعاً لحركة السحاب واتجاه البرق والرعد، من دون اعتراف بحدود الدول، لأن الصحراء ملكهم من قبل أن تنشأ الدول وحرس الحدود وبطاقات الهوية.
ويفتح صاحبي دفتر ذكرياته أيام كان يجول بين “الحلة” و”الزمان” و”الفريق”… و”الحلة” حي بدوي يمثل مركز القيادة. يوجد به رئيس القبيلة وأعوانه المباشرون وأتباعه، وبعض الرجال من أبناء عمومته. ويوجد في خيمة رئيس القبيلة “الطبل الكبير” الذي يرمز للقيادة. و”الحلة” باللغة الحديثة هي “عاصمة” القبيلة. ولكي تكون هذه العاصمة المتنقلة مكتملة ينبغي أن يكون فيها فقيه واحد على الأقل يشغل وظيفة القاضي. وكذلك فنانون مطربون يروحون عن رئيس القبيلة ويشجعون المحاربين أوقات الحرب ويدافعون عن مجد القبيلة بالكلمة. ويتقاطع دورهم مع دور شعراء القبيلة الذين يعتبر وجودهم ايضاً ضرورياً في “الحلة”. ومن الضروري كذلك وجود أسرة أو أسر من “المعلمين” الحدادون الذين يمتهنون أيضاً النجارة ويمارسون الصناعات الجلدية. ذلك أن “المعلم” يقوم بدور مُصَنِّع الأسلحة. فهو يصنع البنادق والذحيرة والسيوف. إضافة الى كونه ضرورياً لكل سكان البدو إذ كانوا يعتمدون علىه في كل التجهيزات المنزلية من أفرشة وأواني مطبخ. وفي صناعة حلي النساء. وهو الذي يصنع ما يوضع على الجمال من “رواحل” و”هوادج”.
أما “الزْمَان” بتسكين الزاء فهو تجمع محدود يضم في الغالب أسرا ذات شأن سياسي أو ديني مع غيرها. و”الَفْريق” بتسكين الفاء وفتح اللام هو مخيم كثير التنقل يتألف من أكثر من عشر خيام. وهناك “المحصر” وهو تجمع كبير في أوقات الاستنفار للحرب. و”المحصر” في بعض المناطق هو “الحلة”.
“هنا أنت حر طليق مثل أسراب الطير التي تتراقص أمامنا… أنظر الىها إنها نشوى مثلي تماماً” قال صاحبي وهو يكاد يطير فرحاً.
وسأل الرجل المنقسم على ذاته بين عالمين: “أتري هذه السِدْرَة الوارفة الظلال المحاطة بالماء والعشب الأخضر؟ أليست جديرة بأن نشرب تحتها الشاي؟”. كانت الفكرة جيدة، إلا أنه ينبغي عليىنا الإسراع لئلا يفوتنا عرس بدوي ما يزال على بعد 150 كيلو متراً على طريق رملي وعر.
ودّعنا الرجل عند السدرة فقد كانت إبله في السهل المجاور. وصلنا “الفريق” (الحي البدوي) الذي كانت الدنيا تقوم فيه ولا تقعد. النساء في أجمل حليهن. و«البجوان» (ركاب الإبل ومفرده «البجاوي») يأتون من الأحياء المجاورة. الذبائح تملأ أركان الحي.
وفي العادة يعقد القِرَان الذي يسمونه “لِمْلاك” بكسراللام وتسكين الميم أي أن المرأة أصبحت ملكا للرجل. وقد لايدفع الصداق إلابعد فترة قد تصل الى السنة. وليس مقبولا اجتماعياً أن يتصرف الزوج في زوجته قبل “الدخول” وتعني دفع الصداق والاحتفال بالعرس.
تقضي العروس يوم “الدخول” في وضع الحِنَّاء على كفيها وقدميها وفتل شعر الرأس في شكل شبيه بطريقة “الراستا” المعروفة في جزر الهند الغربية واثيوبيا.
وفي الليل يستضيف العريس المدعوين والمطربين لتقام احتفالات قد تستمر سبعة أيام، إلا أنها غالباً تختصر الى ثلاثة أيام. ويأخذ منشدون ومنشدات العروس من المكان الذي كانت تتزين فيه الى الحفلة. وتسمى هذه العملية “المرواح”. ويدخل القادمون مع العروس والموجودون مع العريس مكان الاحتفال في حوار غنائي. وتقول كلمات أغنية “أهل العريس”:
“لا تجونا ما جبتوها
يا امات “اللوايا” السود
عاقدات “البند” وراها
ساريات الناس رقود.
ومعناه: (لا تأتوا إلينا إلا وهي معكن أي العروس يا ذوات الضفائر السود.. و “البند” قطعة قماش بيضاء تلف حول العروس)
ويرد المرافقون من أهل العروس:
كنتي وحدة منا
واخترتي عنا غير
قلت تمشي عنا
يجعل لك فيها خير
( كنت واحدة منا لكن اخترت عنا الغير واخترت الذهاب عنا جعل الله لك في ذلك الخير)
وفي صباح اليوم الأول يعد الجيران وجبات كبيرة تقدم لأهل العروس مساعدة في استضافة المحتفلين.
وخلال أيام «الأسبوع» (الاسم الذي يطلق على فترة الاحتفال بالعرس) يستمر الغناء والرقص وسباق الهجن والرماية نهارا. وفي الليل لا ينعم الزوجان بالراحة ولا تحترم لهما خصوصية. إذ يبقي معهما الأصحاب طوال الوقت غالباً. وقد تنجح صديقات العروس في اختطافها وإخفائها في مكان يصعب الإهتداء الىه. وهذا ما حدث في العرس الذي حضرته “الوسط”، فقد وجد العريس نفسه مضطراً للبحث، هو وأصحابه، عن عروسه ثلاثة أيام. وعثر علىها أخيراً في كهف غير بعيد من الحي. وكانت ثلاث من صديقاتها يتناوبن على البقاء معها داخل الكهف والإتيان بالأكل والشرب.
وفي اليوم الأخير من العرس يحاصر العريس وأصحابه من قبل الأجيال الأصغر والأكبر من الشباب خصوصاً ويطرح هؤلاء بعض المطالب التي على العريس الاستجابة لها وإلا تعرض لمضايقات شديدة قد تقود الى الاشتباك. وينحط قدر العريس إذا غضب خلال هذا “العراك” الذي يطلق علىه “أتراس”.
وتتراوح مطالب “الأجيال” بين تقديم هدايا أو ذبائح وتنفيذ بعض الحركات البهلوانية. ومثلما يقام الــ “أتراس” في نهاية العرس، يتم “أقيلوع” عندما يأخذ العريس زوجته الى أهله وتسمي العملية “الرحيل”. و”أقيلوع” هو معركة بين العريس وأصحابه من جهة وصديقات العروس اللاتي يظهرن أنهن يرفضن ذهابها .
تفاصيل النشر:
المصدر: الوسط
الكاتب: الشيخ بكاي
تاريخ النشر(م): 10/11/1997
تاريخ النشر (هـ): 10/7/1418
منشأ: موريتانيا
رقم العدد: 302
الباب/ الصفحة: 64 -65 – 66 – 67 – 68 – 69 – تحقيق
91 تعليقات