عن بنت اطويلب و المستعمر والشمال و “جن إﮔيدي”/ تعليقات الدهماء على ملخصاتها لـ”ابنة الصياد”
تعليقا على الملخصات التي نشرت عن كتاب “ابنة الصياد” وعلى الاتجاه العام لقرائها.
أولا: عن “مريم بنت اطويلب”.
…………………………… تعيش “مريم” اليوم في حي “بل فيل” بباريس أنجبت ستة أطفال ربتهم بقناعة على الطريقة الفرنسية ، انتسبت للحزب الاشتراكي الفرنسي، وناضلت من أجل الأشخاص فاقدي السكن اللائق، كما ناضلت ضد اشتراك فرنسا في الحرب على العراق.
استعرضنا خلال 7 ملخَّصاتٍ فقرات من حياة “مريم بنت اطويلب” بقضِّها وقضيضها ، التي روت في كتاب La fille du chasseur و لم يكن هدفي تتبع تناقضات حياتها ولا تعريضها للنعوت التحقيرية، بل كان الهدف الأساس الاطلاع على من خلال شهادتها و ارتساماتها التاريخية على جوانب معتمة ومطموسة من الممارسة الاستعمارية في بلدنا، كانت قد زامنت حياة مريم وما زالت تداعياتها موضع جدل؛
حين قرأتُ الكتاب، لم أتعامل مع “مريم” برفضٍ ذهني مسبقٍ، ولم أستحضر ما يجب أن تكون عليه في المخيل الديني الجماعي، و حاولت الانعزال عن العقلية الانضباطية العقابية،.. و هذا جعلني أنبهر بمسارها مذْ كانت طفلة ترعرعت في أحياء “انمادي” على الصيد البدائي، وعرفت البؤس، وشظف الحياة، و الارتحال المُضني، والتسمين القهري، والزواج القسري، والتعنيف الجنسي-الجسدي، والزواج الاضطراري تحت وطأة الحاجة؛
لقد عاشت أكثر من حياة في حياة واحدة،.. وحتى في عمرها اليوم مازالت تتساءل حين تعيد الشريط للوراء، هل هذه فعلا أنا؟
إنصافًا للبُعد الإنساني “لمريم بنت اطويلب”،.. لقد كانت شرسة في مواجهتها لعوادي الزمن، صلبة في تحمُّلها لممارسة إرادة الآخرين عليها، تحدَّت الفقر والأمية والبداوة، وارتقت وتفاعلت اجتماعيا و نسجت علاقات مُميَّزة لتصبح جزء من الطبقة الأهم في نواكشوط –الاستقلال، قادت السيارة وقادت حتى الطائرة… وشهادتها توحي بالانسجام بل بالتناغم مع مجتمع الدولة حينها بمختلف أطيافه، فقد قبل بنمط حياتها ربما حيادا، وربما باسم الحرية الفردية، أو كان مستوى من الاعتدال لم يعد موجودا اليوم.
تخلَّصَت مريم اليوم من أشكال التابوهات وخصوصا التابو الأخلاقي-الدِّيني، وهذا طبيعي، فقد عاشت بين ظهرانينا تقودها النفس الأمارة في رابعة النهار، ومن غير الإنصاف أن نتوقع منها أن تأتي القوم بما يحبون، و أن تطل علينا من شرفة غربيَّةٍ متحررةٍ بلسانٍ معبرٍ عن النفس اللوامة،.. لكنها بحق تكلَّمت بشجاعة وتقديرٍ للذات – رغم ما كان – وعبَّرت بصدق عما قد يفيدنا في اكتشاف اسْقاطِ المستعمر للمقدس، ونزع المهابة عن محظورات المجتمع من خلال قتل حسِّه العام. وانزالنا من سؤددنا في اذلال ومهانة.
كانت “بنت اطويلب” جريئة جدا حين كشفت عن ممارسات تستر عليها الكثيرون، وقد يقول البعض: عجوز مجاهرة بفاحشة ،.. و أقول: إني لمْ و لنْ ألْتَمِس من “مريم” العزيمة في الرُّشد،.. تلك العزيمة التي فَّرطتْ فيها – بعونٍ من نعمةِ السُّتْرِ- من خلَّفتْ “مريم” وراءها من بناتِ جِلدتِها في دارِنا،.. دار الإسلام والفضيلة المُنمَّقة.. في انسحاقٍ أخلاقيٍ من خائنة الأعين الى ما تخفي الشقق المفروشة!.
ثانيا: عن المستعمر والشمال.
…………………………… اسقط بعض القراء ماروت “ابنة الصياد” عن حياتها الأولى في ربوع الشمال، على الشمال نفسه، في حكم عليه – عن غير ادراك – بالميوعة والسهولة والاستعداد المسبق لتَمَثُّلِ قيم المستعمر من العمالة في صورة ” الكَومي ” الى الانحلال في صورة “مريم” ، وهي صور نمطية ظلت في عمقها غير إيجابية؛ .. و مشكلة القوالب الجاهزة أن أحكامها عادة مزاجية معيارية لا تمت للموضوعية بصلة.
كُلف كبلاني بموريتانيا سنة 1898 ، و أطلق مشروع احتلالها ” فتحًا سلميًّا باتفاقٍ ” سنة 1902 ، قابل الشمال – قبائل وقيادة روحية- المشروع بالرفض والتأليب والكفاح… شق كبلاني طريقه بأرض موريتانيا بسلالة من “دكَانه” باترارزة الى أن واجهته أول عقبة سنة 1905 ب “دركل” في مدخل تكَانت،.. و هناك خُتم مشروعه وطُموحه و انتهت نُزهته على يد الشريف سيدي ولد مولاي الزين، لكن.. من كان ظهيره في معركة الدقائق الخمس الفاصلة تاريخيا؟… ” رِجْلِيَّهْ من ادَيْشِلِّي”…. ذلكم هو الشمال.
خُلِّدَتْ معارك معروفة شرسة بتسميات من قبيل… معركة أماطيل، أحسي الخشبة، أيكَنينة التكَويت، اكجوجت، شمط، لكديم الطريفيات، أعكَيلة الخشبة، حفرة وادان، قرد زمور، وديان الخروب، أكصير الطرشان، أم اغوابة، انواذيب ، الطريفية، لكديم، و الطريفيات، خروفة، أجحافية، ممر حمدون، أغسرمت، أم التونسي… إن الخيط النَّاظم لهذه المُسَمَّيات التي احتضنت آخر جيوب المقاومة… هو كونها كلّها في الشمال.
شراسة هذه المعارك دفعت ب Xavier Coppolani قبل مقتله و بخليفته من بعد مقتله Montané-Capdebosc إلى تحويل الخطة في الشمال من هجومية لدفاعية.
من الظلم مقارنة تأثير المستعمر في أرض أقام بها ردحًا من الزمن وخالط سكانها،.. ناطح الأقوياء وأرْهَبَ وعاقبَ، واسْتمال الضّعفاء ورَغَّب وأثاب ،.. وبين أثره في أرضٍ هادَنَها، أو مرَّبها فقط، أو لم يمر بها اطلاقا،.. المقارنة لن تخلو من اجتزاء وعطب في غياب دارسات جادة منصفة للجميع.. ثم إن طبيعة سكان المدن والشواطئ أكثر انفتاحا و اعتدالا في التعامل والتفاعل مع الغرباء من المجتمعات المعزولة بيئيا أو اجتماعيا أ وغير المنفتحة في التّفكير…. وعلى كل فالشمال لن يتلطخ بأوضار هذه التهم….
ثالثا عن الطرافة.
……………….من أطرف ما صادفني في الكتاب.. نصيحة من قبيلة محاربة شرسة من قبائل الساحل لوالد بنت اطويلب بعدم عبور عركَ-إكيدي في “الكَبله” باتجاه “الشكَه” لأنه مأهول بالجن،.. والظاهر أنه في عهد “السَّيْبَه” كان لكلٍ سلاحه، البعض يدافع عن حماه بالرصاص، أما البعض فبدهائه المُعَتَّق اكتفى بالترويج لسياج من الجن يحتمي به من بعض “الغزيان” القادمة من الغرب و “إلِّ اعل بابهم حت”.
أتمنى لكم قراءة ممتعة للكتاب، وستكتشفون ما لم استطع ذكره.
105 تعليقات