تلخيص كتاب “الدوائر السبع” بقلم الدهماء(7 من 17).. موسى جيبي: لم يكن يسمح لنا بالاختلاط بالبظان.. جلب لنا الفرنسيون مومسات بواقع 3 أو 4 لكل 100 رجل وكان محظورا عليهن استقبال “البظان”
………………………..التحقت بفريق الجمالة”Méharistes”، “المهاريست” ، لأحل محل شقيقي “آمدو” الذي أنهى الفترة المحددة سلفا لخدمته في الجيش الفرنسي، حُوِّل معي صديقي ” آلاسان” – الذي أصر على مرافقتي- لفرقة البدو”GN “، ، لم يكن الكثير من “الرماة السود ” متحمِّسًا للخدمة في البادية، البيئة غريبة عليهم، و الظروف قاسية والعدو غالبا ما يباغت في أي وقت.
“الرماة السنغاليون” “Les tirailleurs sénégalais ” هم أساس “القوة السوداء” التابعة للفيالق الاستعمارية، وقد شاركوا في جميع الحروب التي خاضتها فرنسا في مستعمراتها.
حين وصلتُ الفرقة كنا سبعة عشرة من “الرماة” لاستبدال الجمالة،(المهاريست) من “الفصل 38″ الذي انهى خدمته والذي من ضمنه شقيقي الأكبر،.. ودَّعتُ أخي ” آمادو” بعناق خاطف، طلبتُ منه أن ينذر أهلي باحتمال غيابي عنهم لأربع سنوات قادمة.
أقامت “فرقة البدو” التابعة “لأطار” في بلدة “يَقْرَفْ” التي لم تكن قرية، كانت مجرد موضع على سهل رملي شاسع، لكن المكان ملتقى طرق استراتيجي، يصب فيه وادان، الواد النَّازِل من المُنحدَر القادم من الشَّمال الشرقي مرورا بِ”أطار”، والثاني القادم من الجنوب الشرقي من “تونْكَادْ” بمحاذاة الجبل… إذن كان دور “المهاريست” حراسة المنافذ للرئيسية للهضبة لحماية “أطار” والحامية العسكرية و الأودية المجاورة من أي إعتاء خارجي.
كان فريقي جله من “البولار”، و كان قائدي “السَّرْجَاْن آلفا يُولِي” من ” تُولْدِي” قرب ” بوكَي”.
أخبرونا أن الفرنسيين يقاتلون ضد “بيظان” الإسبان، “اركيبات”، وأن أحد “مربعاتنا”( المربع العسكري: حيث يقيم الرماة السود) أباده العدو المغير بشكلٍ تام.. من ضمن الضحايا صياد شاب يدعى “كالادْيُو”،.. ذبحه “اركيبات”،.. ذبحوا الجميع. مازال الجنود يتحدثون عن هذه المعركة برعب..
“اركيبات” طائفتان، مجموعة مُستعمَرة من طرف الفرنسيين، وأخرى من طرف الإسبان حلفاء الألمان، إذن لم نكن نميز أبدا مشكلتنا مع أي الطائفتين، ولا يمكن الوثوق فيهم أبدا.
وضع الفرنسيون تحت تصرفنا قطْعانًا من الجمال تُستخدم للرُّكوبِ و لتنفيذ الدَّوريات يُشرف عليها رعاة من “البيظان”، علمونا كيفية ركوب الإبل على غرار “الميهاريست” وكان الأمر جديدا علينا وشاقاًّ جدا.
الصيف في “يقرف” شديد الحرارة، ومُمِل جدا،.. وفي الوقت الذي يستظِل فيه “البيض” في ” التَّيكَاتِنْ” التي نصنع لهم من القش،.. كان على “الرماة السود” البقاء تحت أشعة الشمس اللاَّفحة أغلب الوقت.. قلة عدالة!.
لكسر الملل عادة ما يستقدمُ الفرنسيون من المدينة نساء للتَّرفيه عنَّا، كُنَّ ثلاثة أو أربعة لكل مائة رجل، لم يكن الأمر جميلاً، هُنَّ مومسات يبحثن عن العمل، ربَّما لم يَتسنَّ لهُنَّ ممارسة عملٍ آخر، ويَعْلَمن أنَّ الفرنسيِّين يوظِّفون دائما نساء لتسليةِ الجنود.
كان نشاط المومسات هو الآخر منظَّمًا و مضبوطًا، نحدد لهن موقعا معينا للإقامة، معاكسا لاتجاه مخيم “كَوميات”، ولا يَحقُّ لهُنَّ ولوج المنطقة العسكرية، وهُنَّ في خدمة من يرغب في مضاجعتهن من “الرماة”،.. كان الأمر مخزيا.
حرص الفرنسيون على إخضاعنا لفحوص دورية،.. يقومون بتعْريَّتنا تمامًا، حتى الفتيات المومسات يخضعن للفحص والتعرية للتثبت من خلوهن من الأمراض المنتقلة عن طريق الجنس،.. كنا مُجبرين على هذه المراجعة الطبية الغريبة التي تشعرنا بالكثير من الإهانة والمهانة.
لا يحق للمومس استقبال “البيظان” عمالاً كانوا، أو في خدمة الجيش أو غيره، كُنَّ محجوزاتٍ فقط “للرماة السود”، “فكَوميات” كانت معهم أسرهم.
الفرنسيون يمارسون ما يحلوا لهم من جذبٍ للمحظيات “البيظانيات”، كان لكل ضابط فرنسي مجموعته الخاصة المعروفة من النساء… عليهن دائما الاحتفاظ بمسافة من بعضهن البعض، حتى لا يتسببن في مشاحنات بين الضباط.
كان للفرنسيين عشيقاتهم، و كان منهم المُخنَّث، و السِّكير الثَّمل، أتذكر تعاطى ضباط الصف الفرنسيين للكثير من الخمر كلما استلمنا المؤونة، وتقلب امزجتهم و صراخهم وبكاؤهم.
تم الفصل بين “الرماة السود” و “البيظان” لم يكن يسمح لنا بتاتا بالاختلاط.
من ضمن المجاميع في المخيم أيضا “طاحنات الحبوب”، فنحن السود نُفضِّل الدُّخن على الأرز مما اقتضى وجودَهُنَّ، وقد بهرني استخدامهن للرَّحى بدل المدقَّة والهاوِنْ، كما هو حال نسائنا في الضفة.
كنت أتأمل نساء “البيظان” البدينات بملاحف سوداء يثرثرن على صوت الرحى البشع، .. وهن معتكفات على عملهن طيلة اليوم،… و حين أمرُّ بالقرب منهن، يشردُ تفكيري اتجاه نسائنا،.. تَمرُّ أمامي صور نساء الضفة بأجسادهن الجميلة المنحوتة، وهن يَطْحنَّ الحبوب بحركات مليحةٍ وبأصواتٍ متناغمةٍ جميلةٍ،.. بمآزِرهِنَّ الملوَّنة..، ما من شيء يضاهي جمال صوت الإيقاع المنبعث من وقع المدقة الساقطة في الهاون، تصاحبه أهازيج قرويات الضفة.
…………………
يتواصل بإذن الله تعالى
…………………
ملخص من كتاب ” Les sept cercles, Une odyssée noire “، ” الدوائر السبع، ملحمة سوداء”، رؤية أحد ” الرماة السود” من مجتمع ” الهالبولار” الموريتاني لواقع استعمار موريتانيا، صدر سنة (2015م)، بالتعاون مع خبيرة الأنثروبولوجيا ” Sophie Caratini ” ، نشرته مطابع ” Thierry Marchaisse “، بفرنسا.
92 تعليقات