موسى جيبي يتحدث عن: “قطعان” الحراطين، و”جشع” البظان وعلي ولد محمد فال
تلخيص كتاب “الدوائر السبع، ملحمة سوداء” (16 من 17) بقلم الدهماء
“يال زكريا” كاد أن يقتل في اليوم السابق!
……………………………فقد صادف أن كان في طريقه بعض الأشخاص الذين يبحثون عن السنغاليين، فأعتكف في بيته، .. و من وقت لآخر يخرج للاطلاع على المستجدات، حينها شاهد قطيعا من “لحراطين” مسلحين بالعصي الغليظة وبكل شيء داخل سور بيته، وعلى رأسهم عبْد عجوز، لا يفقه شيئا، ويبحث عن السّنغاليين، أغلبُ هؤلاء منمون فقراء ، لا يهتدون في المدينة ويبحثون عن اتجاه المقاطعة السادسة حيث الأغلبية من السود.
بدأوا في الهجوم على الأحياء الفقيرة في المقاطعة الخامسة والسادسة، ثم اجتاحوا وسط المدينة حيث يسكن قريبي “يال زكريا”، تقدم نحوهم “زكريا” وصرخ فيهم وطلب منهم الانصراف.
كان السود مُتَّهمون بانتمائهم الى “قوات تحرير الافارقة في موريتانيا” ” FLAM ” ، القوميون الزنوج المناهضون “للبيظان” التي تثير الكل منذ سنين، وتُطالب بإلحاق الضّفة اليمنى للنهر التابعة لموريتانيا بالتراب السنغالي.
كان “بيظان” الحكومة يزعمون بأن الجبهة هي التي دَفعت بالسنغاليين لمهاجمة “البيظان” في السنغال، وعندما يرغبون في التَّخلص من أسْود يتَّهموه بالانتماء إلى “فْلام”، في النهاية بالنسبة لهم كل “الهالبولارن” في موريتانيا أو السنغال منخرطون في “فلام”، .. حتى “تيرنو منتقى”.
طلبتُ من “يال زكريا” اصطحابي الى المدير العام للأمن وقبل أن يجيبني نهَرَتْه والدته ومَنَعتْه من الموافقة، تخوُّفا عليه وهي معذورة،.. كما أن للأمهات سلطة كبيرة على أبناء الضَّفة، لكنني واصلتُ الإلحاح الى أن قَبِل.
أوصلي قبالة إدارة الأمن، و حين حاولتُ الدُّخول على المدير منعني ثلاثة من الحرس و جعلوني أنتظر وقتا طويلا، فضايقتهم بالإلحاح إلى أن قبلوا،.. كان المدير وقتها ” إعل ولد محمد فال”، هو رئيسنا الحالي الذي نفذ انقلابا ضد “معاوية ولد الطايع”، سأقصُّ عليك مقابلتنا كلمة كلمة:
- أنت موسى جيبي؟
- هو كذلك
- قَدِمْتَ من “بوكي”؟
- نعم، زوَّدني مفوض “بوكَي” بإذن بالتنقل-الحر
- ماذا تريد؟، لماذا طلبت مقابلتي؟، عمَّ تبحث؟
- أبحثُ عنك أنتَ
- لماذا؟
- بحاجة إليكَ
- انتظر سأحاول البحث عن مترجم
- لا تتعب نفسك، أنا أتكلم “الحسانية” و “الولفية” وكل اللغات.
سألني إعل:
أين ولدتُ و أين مارستُ خدمتي العسكرية، وعن رقمي الاستدلالي في الجيش الفرنسي، كل التفاصيل،.. وأجبتُ أني كنتُ حرسيًّا في “كيفه” سنة 1946م،.. سألني عن رئيس “الكانتون” وقائد الدائرة هناك، كان يريد اختبار صِدقي، أجبته أنه “التيجاني ولد يُبَّهْ سيلاَّ” ، و أن القادة هم: “مونْيِي” و ” فَرَاْل” ، وكان معهم “سيمبير” ،.. طلب مني ذكر أسماء زوجاتهم، وأن أصف له بدقَّةٍ “كيفه” ومحيطها، وأسماء أحيائها، وأحواضها المائية، و مرتفعاتها، ..كل شيء.
استجوبني لمدة ساعات، وأجبتُ على كل أسئلته،.. أتذكَّر أنني حين ذكرتُ له أننَّا نحن الحرس من غرسَ النَّخيل في سرير المستنقع المائي المسمى “دجيمْبَا”، عرف أني صادق.
- بلا شك أنك موريتاني لكن الآن يمنع اصدار بطاقة تعريف أو شهادة ميلاد للسود، لكن سأساعدك سأعطيك إذن مرور- حر سيمكنك من التنقل وعدم المضايقة.
عدت الى “بوكَي” و وضعت الوثيقة تحت أنف المفوض، على علم بالأمر، لقد هاتفه “إعل” ليخبره أني في الطريق مع إذن بالمرور- الحر، وعليه التأكد من انتمائي فعلا للمنطقة وما إذا كنت ” كلايدو” (فرد من هلايبه)،.. لم يُصدِّق المفوض، لكن لم يعد بإمكانه مضايقتي.
بعثني المفوض الى العقيد ” ديا آمادو مامادو” الذي سجَّل رقمي الاستدلالي العسكري، و حرَّر لي وثيقة اثبات، وطلب مني الاستعانة بزعيم القرية للشهادة لصالحي، .. وبعد ان اجتمعتْ كل الأدلة اتصل المفوض “بإعل ولد محمد فال” و أبلغه نتيجة التَّحريات… حينها طلب منهم مدير الأمن تركي وشأني وأن يتم تسجيلي وأسرتي خلال الإحصاء المقبل.
تحصَّلت إذَنْ على هويَّتي الموريتانية في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تسحبها من آلاف المواطنين من عِرْقي.
عُيِّن أحد “التيجانيين” يدعى “إسلمُ ولد عبد القادر” واليا لِ”لبراكنه” سنة بعد عودتي فعمل على تخفيف معاناتنا، لم يكن موافقا على بعض المُمارسات ، أطلقَ سراح المعتقلين “الفُولْبي” المُحتجزين في ” بوحْديدهْ”، قبله كان الوضع جحيميا.
لكن الصَّدمة الكبرى التي عانى منها مجتمعي، والتي هي أكبر من صدمتهم مع “البيظان”، هي البؤس..
حين عودتي كانت المأساة مزدوجة من ناحية، المجازر، و الإبعاد ، وسرقة ممتلكاتنا، ومن ناحية أخرى البؤس.
“البيظان” يريدون اقتلاعنا من أرضنا، و”البيض” يزعمون أنهم يهتمون بتنميتنا فقتلوا أرضنا بالسدود و التصرف غير العقلاني في النهر .
فعلا كما تعلمين التنمية تجلب الثروة والثروة تجلب “الضَّواري”، و “الضَّواري” كثيرة في موريتانيا.
“البيظان” ينظرون لأرضنا بجشع.
…………………
يتواصل بإذن الله تعالى
…………………
ملخص من كتاب ” Les sept cercles, Une odyssée noire “، ” الدوائر السبع، ملحمة سوداء”، رؤية أحد ” الرماة السود” من مجتمع ” الهالبولار” الموريتاني لواقع استعمار موريتانيا، صدر سنة (2015م)، بالتعاون مع خبيرة الأنثروبولوجيا ” Sophie Caratini ” ، نشرته مطابع ” Thierry Marchaisse “، بفرنسا.