لا يستطيعون العودة لكنهم لا يقدرون على النسيان
غزة (رويترز) – بضعة كيلومترات فقط تفصل بين المنزل القديم لزوجين فلسطينيين مسنين وبين منزلهما الحالي، الذي قد يكون الأخير، لكن هذه المسافة القصيرة قد لا يقطعها الزوجان مرة أخرى في الباقي من عمرهما.
وذلك لأن أحد المنزلين يقع في بلدة فلسطينية داخل قطاع غزة المحاصر والآخر لم يعد قائما أصلا.
فكل ما تبقى من قرية هربيا، القرية التي ولد فيها صابر وهدى الديب في أربعينيات القرن الماضي في فلسطين، هو مبنيان عربيان قديمان في منطقة تحولت الآن إلى كيبوتس (المزرعة التعاونية) زيكيم الإسرائيلية.
والزوجان، اللذان يقولان إنهما أصبحا جدين لنحو 200 حفيد، يقيمان الآن في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة وكانا في السادسة والثامنة من عمريهما عندما أجبرا على الفرار من هربيا وقطع الرحلة القصيرة التي استغرقت عمريهما كله جنوبا إلى غزة هربا من القتال بين القوات اليهودية والقوات العربية وقت قيام دولة إسرائيل قبل 70 عاما.
وهما لاجئان، مثل نحو ثلثي سكان غزة البالغ عددهم نحو مليوني فلسطيني وقد يظلا هكذا حتى نهاية العمر.
لكنهما لا يزالان يتحدثان عن القرية باعتبارها بيتهما.
وقالت هدى الديب (78 عاما) ”أنا بأحلم بهربيا طوال الوقت، وأحيانا وأنا مستيقظة، وبأتخيل الأماكن اللي كنت أتنقل وألعب فيها“.
وأضاف صابر زوجها (76 عاما) وهو سائق سيارة أجرة متقاعد ”هربيا عروس الشمال كله، كلها بيارات وكروم عنب وجوافة وتفاح ومزارع كثيرة لا توصف“.
وقال صابر وهو أب لاحد عشر ابنا إن السجلات تظهر أن أكثر من ألفي شخص كانوا يقيمون في هربيا قبل عام 1945. وكان هناك أيضا نحو 60 يهوديا يقيمون في مجموعة منازل على حافة القرية وإنهم كانوا يأتون لمزرعة أسرته لشراء الفاكهة.
* حق العودة
تلهب ذكريات مثل هذه مشاعر المتظاهرين مع اقتراب احتجاجات على حدود غزة من ذروتها في الأيام القليلة المقبلة.
فيوم 14 مايو أيار هو ذكرى تأسيس دولة إسرائيل. واليوم التالي هو ذكرى النكبة وهو اليوم الذي فقد فيه الفلسطينيون أملاكهم.
وبدأت الاحتجاجات التي يطلق عليها اسم (مسيرة العودة الكبرى) يوم 30 مارس آذار وأحيت مطلبا ينادي به الفلسطينيون منذ فترة طويلة وهو حقهم في العودة إلى قراهم وبلداتهم القديمة.
واستبعدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أي حق للفلسطينيين في العودة خوفا من أن تفقد إسرائيل أغلبيتها اليهودية.
وبالنسبة لصغار السن أصبح حق العودة مسألة مبدأ لكن الأمر أكثر عمقا وتأثيرا بالنسبة للذين يتذكرون فلسطين ما قبل 1948 قبل أن تبني إسرائيل الحاجز الذي يفصل غزة عن الطريق الساحلي شمالي عسقلان وتل أبيب.
PUBLICITÉ
وكانت أول زيارة قام بها صابر لدياره بعد الحرب مع شقيقته بعد فترة وجيزة من وصولهما إلى غزة عندما ركبا حمارين وذهبا لجلب الخضروات من مزرعتهما القديمة. وبعد سنوات طويلة عاد صابر إلى هناك مع بعض من أبنائه.
وقال ”أخدت زوجتي وبناتي، كان بدهم يتذوقوا الصبر والعنب والجميز… مش لأنه مش موجود في غزة بس لأنهم بدهم يأكلوا من خير بلدنا، من أرضنا ومن بلدنا“.
لكن الذكريات ليست كلها سعيدة.
قال صابر إنه كان يراقب قوافل الفلسطينيين الذين تدفقوا على هربيا إحدى آخر نقاط الإجلاء في الطريق إلى غزة وإلى حياة جديدة كلاجئين.
وقال ”الطائرات (الاسرائيلية) كانت ترمي براميل (متفجرات) واحنا كنا نروح نتخبى في كروم العنب وكأنه العنب بده يحمينا“.
وبعد مرور 70 عاما أصيب أحد أحفادهما في الاحتجاجات على الحدود.
كان ضمن آلاف يقيمون في الخيام التي نصبت على الحدود بين غزة وإسرائيل. وظل أغلب المتظاهرين على مسافة من المنطقة المحظورة قرب السياج الإسرائيلي لكن بعضهم تقدم باتجاه الحدود لإلقاء الحجارة ودفع الإطارات المشتعلة وإطلاق الطائرات الورقية المشتعلة والبنزين لإضرام النار في الحقول الإسرائيلية.
وقتلت القوات الإسرائيلي أكثر من 40 فلسطينيا وأصابت المئات بجروح وأثار رد إسرائيل بالقتل انتقادات دولية من جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان.
وتقول الحكومة الإسرائيلية إنها تحمي حدودها وإن قواتها تلتزم بقواعد الاشتباك.
ولكن أسرة الديب لا يهتز دعمها للاحتجاجات. وتقول هدى ”أنا أؤيد هاي المسيرات لأنها بتقلق اليهود.. بتخليهم يشعروا انه في ناس بتطالب بوطنها“.
101 تعليقات