تحقيقات ومقابلاتموضوعات رئيسية
يوميات صائم: ”الصراط“ وشطحات الرواة / محمد رياض العشيري
يكرر المصلون كل يوم في صلواتهم طلب الهداية من الله تعالى إلى “الصراط المستقيم”:
”اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ“ (الفاتحة:٦)
”صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ“ (الفاتحة:٧)
ولا أحسب أن معنى ”الصراط“ يستعصي على قارئ القرآن الكريم، إذ إن السياق القرآني يوضحه. فهو ”الطريق“، وقال بعض المفسرين إنه الإسلام، أو القرآن، أو الدين، وذهب بعضهم إلى أنه الرسول عليه السلام.
ومما يساعد القارئ على فهم معناه أيضا، تلك الصفات التي ارتبطت به في كتابنا العزيز.
فهو ”صراط مستقيم“:
- ”إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ“ (آل عمران:٥١)
وهو أيضا ينسب إلى صفة من صفات الله تعالى، ”صراط الحميد“:
- ”وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ“ (الحج:٢٤)
- ”وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْـزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ“ (سبأ:٦)
وينسب إلى الله تعالى:
- ”صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ“ (الشورى:٥٣)
ويوصف بالاستواء:
- ”قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى“ (طه:١٣٥)
وتستخدم الكلمة أيضا منفردة:
- ”وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ“ (يس:٦٦)
- ”إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ“ (ص:٢٢)
ولكنها وردت أيضا متصلة بالجحيم لتدلنا الآيات على وجود طريقين، أحدهما ”سواء“ والآخر فيه ”اعوجاج“:
- ”مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ“ (الصافات:٢٣)
على الرغم من هذا الوضوح يجنح بعض المسلمين إلى شطحات خيالية يرهبون بها الناس. إذ جاء في إجابة على موقع (إسلام ويب)، ردا على السؤال التالي ”هل يوجد صراط يوم القيامة؟“ ما يلي:
”الصراط حق ثابت دلت عليه نصوص الوحي الكثيرة، وأجمعت الأمة عليه“ (إسلام ويب:8056)
وتوحي بداية الإجابة بأن الحديث هنا عن “صراط” مادي. فما هو ياترى؟
”هو الجسر الذي ينصب على متن جنهم يوم القيامة، بعدما ينفض الجمع، ويتبع كل أحد معبوده، … فيضرب الصراط على متن جهنم، ويمر عليه الناس على حسب أعمالهم“ (إسلام ويب:8056)
لكن ما هو الدليل وراء هذا الخيال السينمائي الجامح، الذي لم نر فيما سبق من قول سندا له في آيات الله تعالى؟
”دلت على كل ذلك أحاديث كثيرة منها: … في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الطويل في رؤية المؤمنين لربهم: ثم يؤتى بالجسر بين ظهري جهنم، قلنا يا رسول الله: وما الجسر؟ قال: مَدْحَضَة مَزِلَّة عليه خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفاء تكون بنجد يقال لها: السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناجٍ مخدوش، ومكدوس في نار جهنم حتى يمر آخرهم يسحب سحباً….“ (إسلام ويب:8056)
وهذا واحد من أحاديث كثيرة مكرورة عن هذا الجسر الخيالي المفزع.
ويجنح الرواة أكثر في شططهم فيدعون أن لشطحهم سندا في القرآن الكريم:
”المرور على الصراط هو الورود المذكور في قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً) كما فسره عبد الله بن مسعود وغيره بذلك، وروي مرفوعاً.“ (إسلام ويب:8056)
والحديث في الآية المذكورة عن جهنم، ولا علاقة له ألبتة بما توهمه الرواة. وتكمن خطورة مثل تلك المرويات في أن بعض الناس يتداولونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون وعي أو إدراك لمخالفتها للقرآن الكريم.
77 تعليقات