كتب فقرأنا…./ ذاكو وينهو
كتب فقرأنا….
مررت اليوم امام حلاق الشيخ ولد مكي….اشعث الرأس..طويل الشعر فقلت اصلح من شأني…ودلفت الى غرفة محمود…على المقعد الدوار قلت له ارسل عليه إعصارا يجعله كالحجر الصلد…فقال لا!!هل سمعت بقصتي مع الشيخ ولد مكي…انا حلاقه ولما جاءني اول مرة سألته: (انعدل لك درماز؟) قال لي (درماز شنهي عايده؟) قلت له (انحسنولك..احسانت اشوابين)….ضحك وقال لي (ما نلل…شنهو ذنب اشوابين؟..هوم افصلها افش زين..عدلي حلاقة زينه هههه)…
تذكرت عام 1990…
في سنة 1990 بعد صلاة المغرب ولما تسحب الشمس بعد بقايا ذيولها ..وما زال في الافق نور اصفر هو حطام لحظات احتضار نهار (تيفسكي) لا اقول جميل لان مساءات الاك عادة تكون مغبرة نظرا لمحيطه الطبيعي الذي تغلب فيه السهول الزراعية والغابات وهضاب متلفعة ابدا بالضباب… والابقار القادمة من ضواحي البحيرة تثير النقع موعدها المنصة الرسمية التي تنام منذ عقود في احضان الخوبة مقر المكاتب الادارية والممهدة بالرمل الابيض تحسبا لزيارات الرؤساء… لكن ابقار الاك تفترشها ليلا توقيا للحجارة الحادة ونشدانا للراحة والفضاء الرحب …ثم ربما احتجاجا على قرار اداري قديم يمنع البقر من دخول المدينة..تمسيها وبسطها حصباء ناعمة…وتصبحها وبسطها زبل وبول….
زرت واحد الاخوة الاديب الشيخ ولد مكي (اسمحوا لي ان لم اكتب الكبير فقد اصبحت كلمة منتهية الصلاحية)… سلمنا على الشيخ وقد متعه الله بحسن وقار بعد حسن شبيبة وكان على “دمرة” هي منصة السمار الذين يجود عليهم تارة وحسب ظروفه بمجالس ادبية وتاريخية فيها النكتة “الايكيدية” وفيها من المتاع شيء غير يسير…..ليست تلك المرة الاولى التي ارى فيها الشيخ … لكنها الاولى التي ازوره فيها وفي نفسي حاج كثير للحديث اليه بل للاستماع منه والاجتماع به…لم اصدق اول الامر وانا القزم النكرة انني امام عملاق…وامام ظاهرة رضعت الحكايا الاسطورية حولها مع لبن امي…كيف تتحول الصورة التي نسويها عادة للعظماء الذين نبني لهم عمارات وهمية من الخيال والجمال المطلق كيف تتحول الى جسم بشري طبيعي …(تذكرت وانا امام الشيخ ما رواه نزار قباني من ارتباك الممرضات حين رأينه ممدا على فراش المرض قال : كنت ممددا على سرير في غرفة الطوارئ والممرضات مرتبكات ..وجرى بينهن الحوار التالي”
-هل له شرايين
– ولماذا لا يكون له شرايين
– لانه شاعر
– وهل تعتقدين ان الشاعر مفصل بطريقة اخرى وان جسده لايخضع لعلم البيولوجيا
– انا متاكدة بان ليس له شرايين فالشاعر حالة وليس ارنب تشريح
كان الرجل هادئا يستخبرنا بالصمت كي نعيد الحديث وندرك عندئذ انه لم يتمكن من سماعه بصورة جيدة…وكان حاضر الذاكرة وكنا فضوليين يزيل عنا بابتسامته وتعاليقه كل حرج يعترض البوح وحرية الحديث.. اعطانا تاشرة دخول الى المناطق الخاصة من حياته ….بل كان يكمل لنا العبارة حين نبدأها ثم ندرك اننا بحاجة الى عبارة اكثر ملاءمة للمجلس وللرجل وسنه ومكانته….كان يقول الناس “عصران” : فالعقلاء (عصر) أي اصحاب وغيرهم (عصر ) ويضحك متمما انا صاحبكم فروا من أي الفريقين انا….
حدثنا عن بدايته مع (لغن) ..قال لنا ان استاذه الاول هو الب ولد امين وهو اديب غني عن حديثنا هنا….وكان اول ما استحسنه من (اغناه) قوله
يعكـــــــل ذاك احداد @@لتيد أذوك امهـــــــاد
لتيدأذوك اغــــــــراد @@ يلعكـــــل اغدكـــل
اذاك العلــــب ال زاد @@اعل فــــــم مــن تل
مات منهـــــــم منزاد @@ حد اليوم ابمــــنزل
الات علب امحـــــمد @@ من لمنازل ينعــــد
اكل لمنـــــــازل عند @@النطفــــــي مــن تل
من ذاك الموكر بعد @@والمنزل عــــــند كل
اكل العنـــــد من حد @@ كان اعود امـــعدل
وكتن فــات ال فات @@ هــــذ يالعكـــل ادل
ان الدني فـــــــوات @@ وان الدهـر اتبـــدل
وقال لنا ان شيخ محظرة الكحلاء آنذاك كافأه وسأل البو عن مستقبله في (لغن) فاجابه البو انه سيكون باهرا
ومما اذكر والحديث شجون انه قال لنا انه مكث في (الكبله) خمس عشرة سنة وانه عاد منها سنة 1945 لدواع قبلية
في الكبلة تفتقت عبقريته وصلب عوده والتقى كبار الادباء والفنانين والعلماء خصوصا في اندر الذي كان يومها قبلة اصحاب الفنون المختلفة وآمي ول ابن المقداد….
وكان يقول ان لا غرابة في ذهابه الى الكبله لان استاذه الاول وابن عمه البو ول امين ولد في التاكلالت وامه من اولاد سيد الفالي ومن دوافعه انه التقى في الكحلاء بفتية من اولاد ديمان ومدلش وتندغ واداب لحسن فأعجبته طباعهم فيمم الارض التي استقوا منها بتلك الطباع…
وقال في سياق حديث آخر انه تاثر بمدرسة اهل هدار واهل محمد آسكر واهل الميداح
ليس هذا مقام كتابة حديث الشيخ والذي منه قصة همام والطائرة وبوتلميت…..وكثيرآخر جميل وممتع لا يسعه حديث على هذه الصفحة……
لم يرحل ولد مكي الى عاصمة الفن صفر الوفاض ليسير على ارض وعرة التضاريس بقدمين حافيتين….
لكن منطقة (الكبلة) هي الوطن الكبير لابداع الشيخ …فاليها يعود الفضل في شحذ ملكته وتوقد عبقريته وصعوده الفني مزاحما بل متجاوزا احيانا كثيرا من عمالقة الادب والفن….وفيها لمع نجمه وسال آذي ادبه وذاع صيته….واعترف الاديب بذلك الفضل دائما وظهر جليا في ان نسبة كبيرة من موضوعات ادبه سواء كانت اماكن او اشخاصا كانت تتعلق بالكبله…وبقيت وطنا يحن اليه حتى وهو بين قومه وذويه…
ظل الشيخ وفيا لتلك البلاد يجد في من اقتضت ظروف عملهم الاقامة في الاك ريح يوسفه ويجدون فيه فردوسهم المفقود…
عمل ببه ولد التاه في الاك مفتشا ولما التقاه الشيخ ومعه اخوه حمدن تحركت فيه عاطفة الشوق (للكبله) فقال
نشهد واسوبــــــسمن مل@@ عن وخـــيرت ابب والله
ول التـــــــــاه أوالله ال@@ وخيرت ابحمدن ول التاه
وكانت صفية بنت محمد سالم/ امخيطرات حرم ببه حاضرة فانتبه الشيخ الى انه لم يعطها نصيبا من (كافه) فسجد بعديا مترتبا عن قبلي بهذا الكاف
كطيت اشهدت لاولاد التاه @@ بوخيرت اشهــــاد حي
واحلفت افكاف ءان مــلاه @@ اعليها وابكــــات اعلي
وخيرت ابصفـــــي والله @@ ال وخيرت ابصفـــــــي
واغناه في محمد ول سيد احمد غزير ورائع..وغيره من شخصيات الكبلة كثير…
ومن طريف اغناه:
لكنت ال ماني كهــــــــــل @@ الا نرفد ظرب الصبابه
انتم الا من عــــــنـــد اهل @@ حـــــــــبابه لاهل حبابه
(والحق انه الا من عند اهل حبابه لاهل حبابه) ههههه.
والحديث عن الشيخ شيق لكنه يطول على منشور مثل هذا…
90 تعليقات