مقتل خاشقجي يعقد عرض إنقاذ سعودي لشركة سلاح جنوب أفريقية
جوهانسبرج (رويترز) – تواجه شركة دينيل لصناعة السلاح في جنوب أفريقيا والتي تتكبد خسائر كبيرة مشكلة وهي تكافح من أجل البقاء. فالمنقذ المحتمل للشركة، وهو السعودية، يتعرض لانتقادات شديدة في أعقاب مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
غير أنه بعد سنوات من سوء الإدارة فضلا عن فضيحة استغلال نفوذ واسعة النطاق، باتت الشركة المملوكة للدولة بحاجة إلى نوع من المساعدة يمكن للسعودية أن تقدمها في ظل ما تتمتع به من سيولة كبيرة.
وحللت رويترز بيانات صادرات السلاح الجنوب أفريقية على مدى خمس سنوات، وتحدثت مع موظفين سابقين وحاليين في دينيل كما حصلت على عروض توضيحية داخلية في دينيل بشأن خطط لإنقاذ الشركة.
واتضح من ذلك أن السعودية وحلفاءها حصلوا على نحو نصف صادرات السلاح الجنوب أفريقية في الفترة الأخيرة فضلا عن تقديمهم جزءا كبير من الطلبيات المستقبلية.
ومن ثم فإن رفض العرض السعودي الذي تبلغ قيمته مليار دولار يمكن أن يعرقل بشدة جهود إنقاذ دينيل، التي تعتمد على المبيعات الخارجية لجني أكثر من 60 بالمئة من إيراداتها.
تسعى السعودية لإبرام شراكة موسعة مع دينيل تشمل الاستحواذ على حصة الأقلية التي تملكها الشركة في مشروع مشترك مع راينميتال الألمانية.
يسعى السعوديون لبناء صناعة سلاح محلية في ظل قلق الموردين التقليديين من سجلها في مجال حقوق الإنسان. ويحرص السعوديون على إنجاز الاتفاق بنهاية الشهر المقبل. وقال مصدر مطلع على العرض السعودي إن المملكة يمكن أن تنقل استثمارها إلى مكان آخر إذا لم يحدث ذلك.
ويهتم بعض العاملين في دينيل أيضا بإبرام تحالف، معتبرين إياه السبيل الوحيد لإنقاذ الشركة التي تواجه صعوبة في سداد الأجور. غير أن بعض المسؤولين في جنوب أفريقيا يشعرون بالقلق من القيام بأعمال مع السعودية.
وقال هيلمود هيتمان المحلل في الشؤون الدفاعية ”يعتمد مصير دينيل على الصفقة. الصناعة بأسرها تتوقف على الصفقة“. وأضاف ”أعتقد بأن فرص إتمامها 50 بالمئة. من يتبنون نهجا عمليا يريدون المضي قدما، لكن قضية خاشقجي دعاية سيئة“.
ويواجه الرئيس سيريل رامابوسا وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم انتخابات العام المقبل، ولذلك قد يتحول الاتفاق إلى قضية سياسية.
ويقول حزب التحالف الديمقراطي، حزب المعارضة الرئيسي، إنه ينبغي رفض العرض السعودي.
وقال ستيفنز موكجالابا عضو البرلمان عن التحالف الديمقراطي ” وضع شركتنا الدفاعية التابعة للدولة تحت تصرف طاغية قاتل من شأنه أن يجعل الدولة كلها متواطئة في الفظائع التي يرتكبها نظام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضد حقوق الإنسان“.
وأضاف ”مجرد إجراء مفاوضات لبحث هذا من الأساس يشكل إدانة لنهج حكومة رامابوسا تجاه انتهاكات حقوق الإنسان الدولية“.
وتدين دينيل في وجودها إلى ماضي جنوب أفريقيا المظلم.
فشركة أرمسكور، التي خرجت دينيل من رحمها، أُجبرت على إنتاج كل معداتها الدفاعية والأمنية تقريبا بعد العقوبات التي فرضت على حكومة التفرقة العنصرية.
وقال أندرياس شوير الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات الدفاعية لرويترز إن تلك الخبرات هي عامل الجذب بالنسبة للسعودية مع سعيها لبناء صناعة الدفاع لديها.
وأضاف الشهر الماضي ”جنوب أفريقيا تمتلك قدرات متكاملة إلى حد بعيد لأنهم كانوا مجبرين على أن يعتمدوا على أنفسهم تماما“. وقال ”يمكن لجنوب أفريقيا أن توفر لنا ما هو أكثر من المنتجات، يمكنهم مساعدتنا في هذه الرحلة“.
*“ديننا المشترك“
وبدا رامابوسا منفتحا على فكرة استقدام شريك لدعم دينيل وذلك عندما أقر بوجود العرض السعودي في وقت سابق هذا الشهر.
وقالت وزيرة الخارجية لنديوي سيسولو إن اي مشاورات بخصوص اتفاق محتمل ستستند إلى قيم جنوب أفريقيا.
وأضافت للصحفيين الشهر الماضي ”ديننا المشترك هو حقوق الإنسان. لقد عانينا طويلا جدا بدرجة تمنعنا من الانحراف عن هذا الاعتقاد الديني“.
غير أن قتل خاشقجي سبب معضلة.
وقال رامابوسا للصحفيين ردا على سؤال بخصوص قتل خاشقجي ”نأمل أن يتعاملوا مع الأمر سريعا حتى تظهر الحقيقة“.
وأعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على أفراد يُعتقد بأنهم ضالعون بشكل مباشر في مقتله. وجمدت ألمانيا صادرات السلاح للسعودية إلى أن توضح ملابسات الجريمة.
وهذا هو رد الفعل الذي طالما كانت تخشاه الرياض، التي تواجه انتقادات منذ 2015 بسبب حربها في اليمن، كما يفسر سبب بناء الحكومة لصناعة السلاح لديها. وهذا أيضا سبب اختيارها لجنوب أفريقيا.
وقال شوير ”سياسة التصدير في جنوب أفريقيا كانت دائما مستقرة وقوية… ونحن بحاجة إلى شركاء يمكن التعويل عليهم على الصعيد السياسي وعلى صعيد سياسة التصدير. شركاء لا يغيرون رأيهم“.
وأظهر تحليل أجرته رويترز أن مبيعات جنوب أفريقيا للسعودية والإمارات اللتين تقودان التحالف باليمن بلغت في 2013 نحو تسعة بالمئة من إجمالي صادراتها من الأسلحة.
ومنذ بدء حرب اليمن، باعت جنوب أفريقيا للبلدين عتادا عسكريا- يشمل عربات مدرعة وبنادق قنص وقنابل وقذائف مورتر ومعدات مراقبة- بقيمة 4.6 مليار راند أو ما يعادل 44 بالمئة من إجمالي صادراتها من الأسلحة.
غير أن ما قد يبدو كترتيب طبيعي لإنقاذ دينيل بات الآن محفوفا بالمصاعب.
فبرغم حماس الحكومة الواضح للتعامل مع السعودية وحاجة دينيل الملحة لإنقاذ مالي، فإن البعض غير متجاوب مع المبادرات السعودية.
وردا على نشر رويترز لتفاصيل العرض السعودي، رفضت مونهلا هلاهلا رئيسة مجلس إدارة دينيل بشكل قاطع التخلي عن حصة دينيل في راينميتال دينيل ميونيشن.
وقالت لتلفزيون محلي ”مجلس إدارة دينيل لن يبيع دينيل أو راينميتال دينيل ميونيشن. أود توضيح ذلك“.
وأثارت أنباء العروض السعودية أيضا انتقادات بوسائل التواصل الاجتماعي الجنوب أفريقية، غير أن مصدرا رفيع المستوى في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قال إن الحكومة لن تتعجل اتخاذ قرار.
وأضاف المصدر ”هذا من الأصول الاستراتيجية، لذلك سوف أتوخى الحذر في التعامل مع أي بلد آخر، سواء أكان السعودية أم غيرها“.
لكن رغم تأكيد رامابوسا بأن هناك عروضا من أطراف أخرى غير السعودية، لم يتقدم أحد بعرض علنا.
وقال المحلل الدفاعي هيتمان ”ضخ مليار دولار على مدى عامين أو ثلاثة من شأنه أن يحدث تحولا في حظوظ دينيل… كلما طال الانتظار قلت قيمة دينيل. سيغادر الأشخاص وهذا مكمن القيمة“.