نواكشوط: مركز الرائد ” أفرير جان ” .. راسينغ كليب وأشياء أخرى..
في سنة 1903م أقامت كتيبة فرنسية بقيادة الرائد ” أفرير جان ” مركزا عسكريا صغيرا على كثيب غير بعيد من ابار نواكشوط القديمة في منطقة ستعرف لاحقا ب #لكصر ..شيئا فشيئا بدأ البدو الرحل المارون بالمنطقة في الإستقرار حول هذا المركز مشكلين نواة لهذه المدينة(حسب الدكتور الباحث عبدالودود ولدالشيخ)…ومن يومها بدأت علاقة هذه المدينة بالأجانب الذين أستقروا فيها كجنود وموظفين للإدارة الإستعمارية وعمال عاديون وتجار ومستثمرون…ظل ذلك التواجد الأجنبي في إزدياد مضطرد حتى بعد الإستقلال حيث كانت بعض أحياء نواكشوط الشمالية الغربية ك : Ilot K..و Ilot O…و Ilot V…و Ilot M….وغيرها أغلبية قاطنيها من الأجانب (النَّصَارَى) حتى نهاية الثمانينات وكان لهذه الجاليات تواجد كبير في مختلف المجالات حيث كان إعتماد الدولة عليهم شبه كلي في كثير من الميادين …كل هذا أدى إلى ظهور مطاعم وملاهي ونوادي كان معظم روادها من هذه الجاليات الغربية كان من أقدمها نادي “راسين كليب ” Racing Club الذي يتربع وسط العاصمة منذ عدة عقود في الركن الشمالي الغربي من ملعب العاصمة القديم..تحيطه أسوار عالية وبداخله عدة ملاعب أغلبها للعبة ” التنس ” كمايوجد به مقهى ومطعم وتنظم به بين الحين والآخر بعض الحفلات والندوات… كان السور الجنوبي لهذا النادي متصلا بسور الملعب المجاور قبل أن يتم بناء الإدارة العامة للأمن الوطني في المنطقة الفاصلة بينهما..في تلك الفترة أواسط الثمانينات كنا كأطفال قادمين من الأحياء المجاورة يستهوينا تسلق سور ذلك النادي خصوصا في منطقة إلتقاءه بسور الملعب حيث كنا نقضي أغلب ساعات المساء نرقب مايجري داخل أسواره كأننا ننظر إلى بقعة من كوكب آخر ..تلك الجلسات “الحائطية” كان الدافع الأساسي لها الحصول على بعض الكرات الصفراء الصغيرة المستخدمة في لعبة التنس التي أحيانا تتجاوز السور العالي للنادي لتسقط في الساحة المجاورة فنتسابق إليها …كما كنا ونحن جالسين على سور النادي نرقب أولئك القادمين للنادي الذين كان جلهم من الغربيين “النَّصَارَى” مع أبنائهم وكلابهم وكان ملفتا لأنتباهنا واستغرابنا حديثهم لهذه الكلاب حيث كان لايساورنا شك أنذاك أن ” كلاب النصارى ” ليست كباقي كلاب الحي فهي تفهم الكلام الموجه لها .. وكنا نخشاها كثيرا خصوصا عندما نمارس أحيانا هوايتنا المفضلة في قرع أجراس منازل بعض الأجانب المقيمين في الحي المجاور ” Ilot L ” حيث “مجمع المدارس الحرة ” حاليا كان من بين أولئك الأجانب المقيمين في ذلك الحي الفرنسي ” جاك ” غير بعيد من الساحة الشهيرة التي تتوسط الحي المعروفة ب “الاستيك ” كان هذا الفرنسي مغرما بكرة القدم وكان له فريق رياضي من أبناء ” كابيتال ” شديد الإعتناء بأموره ويخصص له أكثر وقته كان يعرف لدى العامة ب : ” أكيب جاك ” أي فريق جاك ..
و نحن جالسون على سور ذلك النادى كانت تتراءى لنا شرقا ملاعب صغيرة كانت في الأصل مخصصة لكرة اليد “Handball ” لكنها تلك الأيام كانت مركز تجمع لبعض الشباب من هواة لعبة ” petit camp ” وكانت تلك المنطقة من الملعب تسمى ” كُدْرٌوهْ Goudron ” لأن ملاعبها مسفلتة وكان من أبرز روادها أنذاك رجل كبير في السن يدعى ” حسن ” يأتي على دراجة نارية في المساء بعد إنتهاء عمله في إحدى الإدارات.. بالإضافة إلى الكثير من المراهقين والشباب الذين اصبح الكثير منهم الآن أطرا ومسؤولين يشار لهم بالبنان…وشمالا كانت توجد مدرسة تكوين المعلمين ومدرستها الإبتدائية الملحقة بها حيث يدرس البعض منا..وغربا كانت تمتد مجموعة من الساحات المشجرة حتى ثانوية البنات غربا قرب السوق وهي ساحات كانت تعرف في الماضي ب : ” 3, 2 ,1 forêt وكانت مكانا شبه دائم لتواجد أطفال الأحياء المجاورة ممارسين فيها هوايات أطفال تلك الأيام من ” صيد الطيور ” و القفز على العجلات ” Culbute ” … قبل أن تزحف عليها الدولة في نهاية التسعينات لتحمل أسماء جديدة ك” حديقة 5مارس ” و ” فضاء التنوع الثقافي “….
غير بعيد من هذه الساحات وعلى الشارع المتجه إلى دار البريد كانت توجد منصة الإحتفالات “القديمة ” في الركن الشمالي من “المجموعة الحضرية ” حاليا مقابل الجمعية الوطنية وفي القبو السفلي لهذه المنصة كانت توجد كميات كبيرة من أرشيف فترة حكم الرئيس المؤسس المختار ولد داداه رحمه الله أغلبها يعود لحزب الشعب وأتذكر أنه في النصف الثاني من الثمانينات عام 86 أو 87 -لا أتذكر بالضبط- تم فتح قاعة الإرشيف تلك عدة أيام أمام العامة حيث تمت بعثرة محتوياتها في الطرق المجاورة من طرف الأطفال في تصرف غير مسؤول من طرف القائمين عليها.. كان سهمي من غنائم تلك “الموقعة ” بعض المجلات و الصور و أوراق لم ادرك معناها أوقيمتها يومذاك ..بضع سنين بعد ذلك صالت الجرافات وجالت على تلك المنصة في عملية طمس لمعلم من معالم نواكشوط القديم بدلا من الحفاظ عليها كما يتم في مختلف أصقاع العالم..! في الجانب الآخر من نفس الحي وعلى الشارع المؤدي إلى مؤسسة عبدالله حمزة (موريتانيا الوان حاليا ) كانت تقطن عائلات ” نواكشوطية ” عريقة كما كانت توجد سلسلة محلات راقية يعرفها أغلب أهل نواكشوط تلك الأيام لجودة بضائعها من ألبسة وعطور..وكثرة زبائنها كانت معروفة ب : ” أباتيك لحراطين ” أختفت خلال التسعينات مثلها مثل الكثير من معالم نواكشوط القديمة.
من صفحة
Ahmed Ebatt
على الفيسبوك