“البيت” … مسرحية لبنانية تناقش استقلالية الفرد والتخلص من عبء الماضي
نصّ المسرحية الذي كتبته أرزة خضر عصري يشبه بلغته وطرحه أبناء جيل هذه الشابة الثلاثينية التي اخترقت أزمة التأليف المسرحي في لبنان وخرجت بمادة اجتماعية بامتياز تحمل في طياتها كوميديا سوداء وبحوار يحمل التفاصيل اليومية التي تدور بين أهل البيت وخصوصا بين الشقيقتين وهما بطلتا المسرحية.
تبدأ المسرحية من لحظة انتهاء الذكرى الاربعين لوفاة الأم ليتوالى بعده الصراع السلوكي المحتدم والمواجهة اليومية بين الشقيقتين المتناقضتين ناديا (يارا أبو حيدر) وريم (جيسي خليل)، بينما يقع شقيقهما نبيل (طارق يعقوب) بينهما كمصلح اجتماعي يفشل في بناء حوار بين طرفي ”النزاع“.
ريم فتاة متحرّرة ومستقلة تركت البيت باكرا وأحبت رجلا من غير طائفتها. هي تكره جو الاسرة والبيت الكبير الكائن في قلب العاصمة بيروت، خصوصا بعدما ألقت أمها وشقيقتها اللوم عليها في مقتل أبيها الذي لم تلب طلبه وتجلب له الماء قبل سقوط القذيفة على المطبخ الذي قصده ليشرب.
هي ردّة فعل نفسية إذاً على ذكريات الطفولة التي لازمتها حتى كبرت وقررت أن تنتقم من هذه الاسرة ببيع البيت وتقسيم ثمنه الباهظ مع شقيقتها وشقيقها.
لكن مجرد طرح فكرة بيع البيت الذي ترعرعوا فيه تشعر ناديا الفتاة التقليدية المحافظة وغير الطموحة بالاختناق وتزيد من توترها. روح ناديا متعلقة بالبيت الذي يمثّل لها الذكريات والحب والألفة، كأنه ظّلها أو خلاصها الوحيد بعد موت أمها وأبيها.
وتشهد خشبة المسرح خلافات محتدمة بين الشقيقتين اللدودتين نبشتا خلالها دفاتر الماضي القاسية والجميلة وطبائع الأم والجدّة ونساء العائلة اللواتي يأخذن موقفا سلبيا من الرجال وتزمّت ناديا وتحرّر ريم ونعت كل منهما بألفاظ مهينة.
لقد أبدعت يارا أبو حيدر وجسي خليل بجدارة في تجسيد شخصيتي الشقيقتين المتواجهتين والتفنّن في تنويع الأداء والتنقل بين إيقاعات عدة ومنح كل شخصية تعبيراتها الخاصة وايقاعها الفريد وحركاتها المناسبة فخلقتا انسجاما هائلا بين الشخصيتين لدرجة قد تصدق أنهما شقيقتان فعلاً.
أما كارولين حاتم فأعطت المساحة الكبرى للأداء التمثيلي والفضاء الطبيعي في الاخراج، على حساب عناصر أخرى.
وقالت كارولين لرويترز ”البيت هنا ليس الوطن، فنحن نتناول البيت الذي نولد فيه والذي يحضننا ونحن أطفال والذي علينا يوما من الايام أن نتركه لتكون لنا حياة مستقلة، وهناك عائلات تخنق أولادها وتكبّلهم في تربيتها لهم. الأهل يجب ان يربوا أولادهم على الحرية“.
وأضافت ”بينما في الوطن نحن مواطنين لا يمكننا ترك هذا الوطن ولا بيعه“.
وتقول أرزة خضر ”كتبت هذا النص قبل 10 سنوات عن بيت وأخوة في أسرة واحدة مختلفون حدّ التناقض كما نرى في أي بلد في العالم، ولا أحمّل أي بعد سياسي، فهناك اليوم قضايا كثيرة علينا طرحها ليست سياسية … فنحن قبل كل شيء بشر لدينا هموم ويوميات غير تلك القضايا الكبرى“.
وذكرت خضر أن هذا النص قُدّم في قراءات ممسرحة في لندن وتونس ونيويورك في سياق الاحتفال بمسرح الشباب وصدر في عام 2011 في كتاب جماعي في طبعتين الأولى لبنانية تحت عنوان (من الكتابة المسرحية اللبنانية الجديدة) الصادرة عن دار بيسان والثانية عربية تحت عنوان (مسرحيات عربية من الألفية الثالثة) عن دار ممدوح عدوان. كما ترجم النص إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية وأخرجه المسرحي الألماني أكسل كراوس عام 2014.
وكانت قد انطلقت في بيروت يوم الاثنين أولى دورات مهرجان لبنان الوطني للمسرح الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع الهيئة العربية للمسرح حيث تتنافس سبعة عروض مسرحية على جوائزه.
وحملت الدورة اسم الممثل اللبناني المخضرم انطوان كرباج أحد أشهر مؤسسي المسرح الحديث في لبنان والذي تعذّر حضوره بسبب المرض.
ومنح الرئيس اللبناني ميشال عون الفنان كرباج وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط تقديرا لعطاءاته الفنية المميزة.
وشكر الممثل رفيق علي أحمد مبادرة رئيس البلاد على منح كرباج وساما وطنيا وقال لرويترز ”تكريم فخامة الرئيس العماد ميشال عون للكبير انطوان كرباج هو تكريم للفنانيين اللبنانيين وتقدير لقيمة الفكر والفن ولفاعلية دور المبدعين في تاريخ هذا البلد“
وشكر الممثل رفيق علي أحمد مبادرة رئيس الجمهورية على منح كرباج وساما وطنيا وهو على قيد الحياة. وقال مازحا ”لعلم زوجتي والجمهور فإن الدولة اللبنانية تعطي أوسمة للفنانين بعد ما يموتوا“.
يختتم المهرجان الاثنين المقبل حيث يمنح سبع جوائز في التأليف والإخراج والتمثيل والموسيقى والسينوغرافيا، تبلغ قيمتها المالية 22 ألف دولار.