صادرات إيران من زيت الوقود إلى آسيا تراوغ العقوبات الأمريكية
وتم تحميل الشحنات في الناقلات بموجب مستندات تظهر أن زيت الوقود عراقي. لكن تلك المستندات كانت مزورة، حسبما قالت ثلاثة مصادر في قطاع النفط العراقي وبراكاش فاكاييل المدير لدى يخت انترناشونال، وهي شركة لخدمات الشحن البحري في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقالت المصادر إنها لا تعرف من زور المستندات، أو متى.
وتُظهر التحويلات أنه تم الإتجار في بعض كميات زيت الوقود الإيراني على الأقل، رغم إعادة فرض عقوبات أمريكية في نوفمبر تشرين الثاني 2018، مع سعي واشنطن للضغط على إيران للتخلي عن برامجها النووية والصاروخية. وتظهر أيضا كيف قام تجار بإحياء أساليب كانت تُستخدم لمراوغة العقوبات على إيران في الفترة من 2012 إلى 2016.
وقال بيتر كيرنان كبير محللي الطاقة لدى وحدة معلومات الإيكونومست ”سيرغب بعض المشترين…في النفط الإيراني، بصرف النظر عن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في حرمان إيران من إيرادات الخام، وستجد إيران وسيلة للحفاظ على تدفق بعض الكميات“.
وبينما منحت الولايات المتحدة إعفاءات مؤقتة من العقوبات لثماني دول، بما يتيح لها مشتريات محدودة من النفط الإيراني، لا تغطي تلك الإعفاءات المنتجات المكررة من الخام، بما في ذلك زيت الوقود، الذي يُستخدم بشكل رئيسي في تشغيل محركات السفن الكبيرة.
* بدون سجل في البصرة
تتضمن مستندات أرسلها ملاك سفن إلى رويترز قيام الناقلة العملاقة جريس 1 بتحميل زيت وقود من البصرة في العراق في الفترة من العاشر إلى الثاني عشر من ديسمبر كانون الأول 2018. لكن جداول التحميل في ميناء البصرة، التي راجعتها رويترز، لا تتضمن إدراج جريس 1 كسفينة موجودة في الميناء خلال تلك الفترة.
وأكد مصدر عراقي في قطاع النفط مطلع على عمليات الميناء أنه لا يوجد أي سجلات لجريس 1 في البصرة خلال الفترة المذكورة.
وفحصت رويترز بيانات من أربعة مزودين لمعلومات تتبع السفن، ريفينيتيف وكبلر وآي.إتش.إس ماركت وفيسيل فايندر، لتحديد موقع جريس 1 أثناء تلك الفترة. وأظهرت معلومات المزودين الأربعة جميعهم أن جريس 1 لم تُشغل نظام التعريف الآلي في الفترة بين 30 نوفمبر تشرين الثاني و14 ديسمبر كانون الأول، وهو ما يعني أن موقعها لم يكن من الممكن تتبعه.
وأظهرت البيانات أن جريس 1 ظهرت مجددا في المياه بالقرب من ميناء بندر عسلوية الإيراني، وهي محملة بالكامل. وتم نقل الشحنة إلى سفينتين أصغر حجما في مياه دولة الإمارات العربية في يناير كانون الثاني، ومن هناك سلمت إحداهما زيت الوقود إلى سنغافورة في فبراير شباط.
وأظهرت مستندات الشحن البحري أن نحو 284 ألف طن من زيت الوقود تم نقلها في الشحنات التي تتبعتها رويترز، وتبلغ قيمتها حوالي 120 مليون دولار بالأسعار الحالية.
ولم ترد الجمارك في سنغافورة على طلبات للتعقيب.
وجريس 1، التي ترفع علم بنما، تديرها آي شيبس مانجمنت، وهي شركة لخدمات الشحن البحري مقرها سنغافورة، بحسب البيانات. ولم ترد آي شيبس على طلبات ارسلت بالبريد الألكتروني والهاتف للتعقيب.
وزار مراسل من رويترز المكتب المدرج على الموقع الالكتروني لآي شيبس، لكن المستأجر الحالي أبلغه أن الشركة نقلت مقرها قبل عامين.
* النقل من سفينة لأخرى
أظهرت بيانات تتبع السفن التي حللتها رويترز أن جريس 1 ظهرت بعد الفترة التي لم تبث فيها موقعها على بعد نحو 500 كيلومتر جنوبي العراق. وكانت قريبة من الساحل الإيراني حيث كان غاطسها قرب حده الأقصى، وهو ما يشير إلى إمتلائها.
ونقلت جريس 1 شحنتها إلى ناقلتين أصغر حجما في الفترة من 16-22 يناير كانون الثاني في المياه قبالة ساحل الفجيرة في دولة الإمارات، بحسب البيانات.
وقامت إحدى الناقلتين الأصغر حجما، كيريت أيلاند وطاقتها 130 ألف طن، بتفريغ زيت الوقود في مرفأ للتخزين بسنغافورة، في الخامس إلى السابع من فبراير شباط. ولم تتمكن رويترز من معرفة اسم المشتري لزيت الوقود الذي تم تخزينه في سنغافورة.
والناقلة كيريت أيلاند تديرها أفين انترناشونال اليونانية.
وأبلغ جورج مايلوناس الرئيس التنفيذي لأفين انترناشونال رويترز أن بلوتايد، ومقرها سنغافورة، استأجرت الناقلة كيرت أيلاند في رحلتها إلى سنغافورة. وأكد مايلوناس أن كيرت أيلاند أخذت زيت الوقود من جريس 1.
وليس هناك ما يشير إلى أن أفين كانت على دراية بنقل زيت وقود إيراني. وقال مايلوناس إن شركته إتخذت جميع الإجراءات اللازمة لضمان شرعية منشأ الشحنة.
* شهادة المنشأ
أرسل مايلوناس لرويترز بالبريد الالكتروني شهادة منشأ قال إن المستأجرين قدموها، مشيرا إلى بوتايد، تظهر أن جريس 1 قامت بتحميل زيت الوقود في البصرة في 10-12 ديسمبر كانون الأول 2018.
وكتب مايلوناس ”لم تكشف شهادة المنشأ وجميع المعلومات التي تم الحصول عليها عن أي صلة مع إيران، ناهيك عن أن شحنة زيت الوقود كان منشأها“ هناك.
وأضاف أن أفيل انترناشونال قامت بفحص ملاك جريس 1 والمديرين والشاحنين والمتلقين والمستأجرين، حيث ”لم يكن هناك ما يجعل شهادة المنشأ من منشأ مشبوه“.
وتابع أن المستأجرين أخطروه بأن جريس 1 توقفت فقط في مياه قبالة ساحل إيران في أواخر ديسمبر كانون الأول وأوائل يناير كانون الثاني ”لإصلاح عطل في مولدات الديزل“، قبل أن تُبحر إلى الفجيرة.
وتقول المستندات التي قدمها مايلوناس إن شركة تسويق النفط العراقية الحكومية (سومو) منحت جلايس 1 شهادة معتمدة في ديسمبر كانون الأول تتضمن تحميل 284 ألفا و261 طنا من زيت الوقود العراقي.
وعرضت رويترز الشهادة على مسؤول في سومو بالعراق قال إنها ”مزورة“ و“غير صحيحة تماما“. وطلب المسؤول عدم الكشف عن هويته، مشيرا إلى سياسة الاتصالات في الشركة.
وقال مصدران مطلعان بقطاع النفط العراقي أيضا إن المستند مزور.
وأضاف المصدران أن المستند يحمل توقيع مدير لم يكن يعمل في ميناء البصرة في الأوقات المذكورة، ويتضمن أيضا تواريخ متعارضة، ففترة التحميل من 10-12 ديسمبر كانون الأول 2018، بينما تم توقيعه بتاريخ 12 يناير كانون الثاني 2018.
*يبدو أنها مزورة
أظهرت البيانات أن الناقلة الثانية التي نقلت إليها جريس 1 شحنة، هي مارشال زد، وطاقتها 130 ألف طن أيضا، وكانت متجهة إلى سنغافورة في النصف الأول من فبراير شباط، لكنها غيرت مسارها في الخامس عشر من الشهر نفسه لترسو غربي ماليزيا. ولم تتمكن رويترز من معرفة مالك مارشال زد، أو مستأجرها.
وفي 25 فبراير شباط، نقلت مارشال زد شحنتها إلى سفينة أخرى اسمها (ذا ليبيا)، تملكها وتديرها الشركة الوطنية العامة للنقل البحري، ومقرها طرابلس.
وقال متحدث باسم الشركة إن (ذا ليبيا) استأجرتها بلوتايد، وهي نفس الشركة السنغافورية التي استأجرت كيرت أيلاند.
وبلوتايد مسجلة كشركة في سنغافورة بتاريخ 14 مايو أيار 2018. وقال مساهمها المسجل الوحيد ومديرها الوحيد بشير سيد، وهو مواطن سنغافوري، بالهاتف في السابع من فبراير شباط إنه متقاعد وليس في موقف يسمح له بالتعقيب على نشاط الشركة.
وقال متحدث باسم الوطنية العامة للنقل البحري بالبريد الألكتروني إن شركته ”لم تكن على دراية، في أي مرحلة، بأن الشحنة مرتبطة بأي حال بإيران“.
وقدمت الشركة لرويترز نسخة من شهادة المنشأ، قالت إن شركة يخت انترناشونال لخدمات النقل البحري، ومقرها الفجيرة، هي التي أصدرتها، وتظهر أن الناقلة مارشال زد كانت محملة بزيت وقود عراقي أثناء النقل من سفينة إلى أخرى في المياه الإماراتية في 23 يناير كانون الثاني.
ورغم ذلك، قال براكاش فاكاييل مدير يخت انترناشونال في رسالة بالبريد الالكتروني إن شركته لم تصدر الشهادة، ”وتعتبرها مزورة“.
ولم يرد المتحدث باسم الوطنية العامة للنقل البحري على أسئلة متابعة من رويترز.
وحتى 20 مارس آذار، أظهرت البيانات أن (ذا ليبيا) كانت موجودة بجوار مارشال زد قبالة ساحل غرب ماليزيا، في وضع عادة ما تتخذه السفن أثناء نقل شحنة من سفينة إلى أخرى.
ولم تتمكن رويترز على الفور من تحديد ما إذا كانت شحنة زيت الوقود التي حملتها (ذا ليبيا)، كانت لا تزال على متنها.
81 تعليقات