الحياة تبدو طبيعية في طرابلس، لكن السكان يتساءلون.. إلى متى؟
وقال عامل في مقهى يبعد عشر دقائق بالسيارة عن خط الاشتباك ”كنا نسمع أصوات إطلاق النار منذ الصباح هنا“. وغلب الهمس على صوته وهو يقدم خدمات للزبائن بينما كانت المركبات العسكرية تمر سريعا بجانب المقهى.
وأضاف ”إذا ما اقترب الاقتتال، سأهرب“.
ومثل آخرين، رفض العامل الإدلاء باسمه وتساءل عما إذا كان خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي سيدير طرابلس قريبا.
وما زالت المكاتب الحكومية مفتوحة وكذلك المطار الوحيد العامل، لكن الطائرات لا تهبط أو تقلع إلا خلال الليل، حيث يقل التهديد الذي تشكله طائرات حفتر العتيقة. ولا تزال المدارس مفتوحة باستثناء تلك التي باتت تستضيف الذين فروا من منازلهم.
ولا يوجد قتال في مناطق وسط وشمال المدينة، حيث تعج المقاهي والمتاجر بالزبائن وتظل مفتوحة كالمعتاد حتى ساعة متأخرة من الليل.
غير أن حركة المرور باتت أخف، فقد غادر الكثيرون للإقامة مع أقاربهم بينما يفضل الكثيرون البقاء داخل المباني. ويحصلون بانتظام على أنباء التطورات من أصدقاء يعيشون قرب خط المواجهة، ويكافحون لمعرفة ما إذا كان القتال يقترب.
ورغم أن السيطرة على بعض الشوارع في ضاحية عين زارة الجنوبية، مسرح أعنف الاشتباكات، تتبدل عدة مرات في اليوم إلا أن خط الاشتباك ثابت بوجه عام.
وحصنت القوات الموالية للحكومة الليبية المعترف بها دوليا والتي مقرها طرابلس الطرق الرئيسية الجنوبية بأكياس الرمال وحاويات الشحن لصد الدبابات وناقلات الجند المدرعة التابعة لقوات حفتر.
ويتنحى العدد القليل من الحافلات والسيارات الخاصة جانبا على تلك الطرق لمرور العربات العسكرية التي تعلوها المدافع المضادة للطائرات، وتتحرك من وإلى خط الاشتباك.
برغم ذلك فإن الصيدليات والمخابز والمتاجر التي تبيع الأجهزة الإلكترونية والأثاث ما زالت موجودة على جانبي الشارع، مثلما هو الحال في وسط المدينة.
* ”هذا طبيعي هنا“
وبجوار المقهى، ينوي أمين طرابلسي ترك متجره الصغير للبقالة مفتوحا، تماما كما فعل خلال الاشتباكات المسلحة السابقة، وإن كانت أقل نطاقا، والتي أصبحت جزءا من الحياة في العاصمة منذ عام 2011.
وقال طرابلسي ”هذا أمر طبيعي في ليبيا. الوضع الآن هادئ ولكن من يدري، ممكن أن يسوء في أي وقت.“
وفي الواقع أصبح عمله الآن أفضل مع نقل أسر شردها القتال إلى نزل طلابي قريب، وتدفقهم على متجره.
وأمام متجره، انتظرت نساء محجبات فررن من عين زارة أمام بوابة مبنى تابع للمجلس المحلي في محاولة لجذب انتباه المسؤولين في الداخل للحصول على أماكن نوم داخل مدارس تحولت إلى مراكز إيواء.
وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من تسعة آلاف شخص نزحوا من ديارهم. وخارج المبنى، وقفت شاحنة محملة بحشايا.
ورغم بعد وسط المدينة عن القتال الذي اندلع مؤخرا، إلا أنه يغص بعلامات كثيرة تذكر بما يمكن أن تفعله الحرب.
فالبرج الأزرق البراق المطل على البحر المتوسط ويضم المؤسسة الوطنية الليبية للنفط ومقر وزارة الخارجية لا تزال به نوافذ محترقة وجدران يغطيها اللون الأسود بعد هجمات لتنظيم الدولة الإسلامية العام الماضي.
ويشعر البعض ممن قرروا البقاء بالاعتياد التام على نوبات العنف ونقص الوقود وتوقف عمل الحكومة لدرجة أنهم لا يرون سببا يدعو للذعر الآن.
وقال علي الذي يبلغ من العمر 68 عاما وهو يجلس خارج مقهاه المفضل في حي بن عاشور الراقي ”إنني لست خائفا. الحياة مستمرة“.
ويقع الحي قرب قلب المدينة لكنه يبعد 11 كيلومترا عن خط الاشتباك.
وقررت زوجته وأبناؤه الأربعة وبناته الثلاث وجميعهم متزوجون البقاء في طرابلس. وقال الرجل ”الله يقضي بما سيأتي -لكنني باق في طرابلس“.