عبدُو الاسكافي المتجول الذي يطوي المسافات يومياً بين الأزقة والمحلات والمنازل
نواكشوط- من المصطفى العالم –
“عَبدُولْ” قصة الاسكافي المُتجوّل تعتبر مهنة الاسكافيّين (إصلاح الأحذية) مهنة صعبة تتطلب الكثير من الصبر والكدّ، فضلاً عن كونها ذات دخل محدود، شأنها شأن مثيلاتها من المهن الأخرى (بيع النعناع، بيع الوجبات الخفيفة..).
عبدُو اسكافيٌّ متجولٌ في السادسة عشر من عمره، صادفناه وهو يطوي الطرق والأزقة، يُطقطِق بأصابعه مسّاحات الأحذية جاعلاً منها جرساً يدقُّه لتنبيه الراغبين من المارّة وأصحاب المحلاّت في إصلاح أحذيتهم، أن انتبهوا .. لقد حضر مُصلحُ الأحذية ، لقد مرّ من هنا.. هاهو يمرُّ .. من منكم يريد تلميع أو خَصْفَ نعله ؟!
يبدأ عبدولْ – الذي أجلسناه إلى ظلّ أحد المحلاّت دقائق لإصلاحِ الحذاءِ في ظاهر الأمرِ، وسماع قصته مع هذه الحرفة في باطنه – يبدأ يومه حسب ما يقول بالذهاب باكراً من بيته المتواضع الذي يقع بمنطقة “البصرة” إلى أزقة كابتال حيث الأسواق والمحلات والشركات، وحيث يرِدُ الناس، وذلك طمعاً في أن يصادفَ أحدهم وقد بليّت نعله، أو فقدت بريقها..
يضعُ عبدولْ الحذاء جانباً دقائقَ حتى يَيْبسَ بعد أن كساه بالطلاء الأسود، ويواصل سرد قصته حيث يقول إنه اختار البحث عن الزبائن عن طريق التجول، لذلك قلّ أن يترك شارعاً أو زقاقاً، أو محلاًّ، إلا ومرّ من أمامه بغية مصادفة زبون جديد. يُلمّع عبدول الأحذية بـ 10 أواقٍ جديدة، ويخصِفُها، بمثل ذاك المبلغ، وإن كان الزبون ميسُوراً فلا بأس بمُضاعفة السعرِ، و لايفوّتُ عبدولْ فرصة المُماكسة، إذا أحسّ أن الزبون قادرٌ على الدفع، ويضيف عبدول بأنه – في أحسن الأحوال – لايجني أكثر من 300 أوقية جديدة من هذه المِهنة،
وعندما سألناه : هل يدفع بعض الزبائن “البقشيش” أحياناً ؟ رمقنا بعينه رمقةً أبانتْ عن خليط من مشاعر الاستغراب والتفاجؤ من السؤال ! يقول إنه يطوي الكثير من المسافات يومياً بين الأزقة والمحلات والمنازل، ينادي هذا ويدقُ باب أولئك، سعياً إلى تحصيل قوتِ يومه من هذه المهنة التي يصفها بالمُتعبة، وقليلة النتيجة، وكأن لسان حاله يقول : ما باليد حيلةٌ غيرّ هذا.
ودّعنا الاسكافي الهادئ عبدُولْ فور انهائه إصلاح الحذاء، وبعد انتهاء دردشتنا القصيرة معه انطلق صوب الشارع، وما إن ابتعد عنا أمتاراً قليلة حتى عاد لطقْطقَة المسّاحات بيده من جديدٍ، وكلما ابتعد عنا، كلما خفتَ ذلك الصوتُ الذي جعل منه عبدولْ جرساً استقرّ صوته إلى الأبد في أذهان الزبائن.