“داعش” تتحول إلى أسلوب حرب العصابات
القاهرة (رويترز) – بعد أن خسروا الأراضي التي كانوا يسيطرون عليها، يلجأ مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية إلى حرب العصابات وهذا على وجه التحديد هو ما توجههم صحيفة التنظيم إلى كيفية القيام به.
ففي الأسابيع الأخيرة شجعت صحيفة النبأ الإلكترونية التابعة للتنظيم عناصره على اتباع أساليب حرب العصابات ونشرت تعليمات تفصيلية عن كيفية تنفيذ عمليات الكر والفر.
يستخدم التنظيم هذه الأساليب في أماكن يتطلع إليها للتوسع خارج العراق وسوريا. وفي حين أن تنظيم الدولة الإسلامية جرب هذا النهج من قبل، فإن التوجيهات الإرشادية توضح أنه يعتمده ليصبح نظام العمل الأساسي.
وحكم التنظيم في أوج قوته الملايين في أجزاء كبيرة من سوريا والعراق.
لكنه في مارس آذار خسر آخر جزء مهم من الأرض كان خاضعا له، ألا وهو قرية الباغوز السورية. واضطرت الدولة الإسلامية للعودة إلى جذورها بممارسة نوع من القتال يتجنب المواجهة المباشرة ويضعف العدو من خلال الاستنزاف وكسب الدعم الشعبي.
يقول محللون إن هذه المحاولة لإنعاش التنظيم المتشدد تحقق نجاحا حتى الآن، فقد نفذ الكثير من الهجمات في أجزاء مختلفة من العالم في الأسابيع القليلة الماضية بما في ذلك أماكن لم يستهدفها من قبل قط.
وقالت ريتا كاتز المديرة التنفيذية لمجموعة سايت التي تتابع مواقع المتشددين على الإنترنت ”الواقع الأليم هو أن تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال خطيرا جدا… لديه الأدوات والدعائم التي يحتاجها لبناء حركات مسلحة في مختلف أنحاء العالم“.
وفي مقطع فيديو نادر بثته شبكة الفرقان التابعة للتنظيم في أبريل نيسان شجع زعيمه أبو بكر البغدادي أتباعه على مواصلة القتال وإضعاف العدو من خلال الاستنزاف مؤكدا أن شن حرب أهم من الانتصار.
كان حديثه أكثر تشاؤما من مقطع الفيديو الوحيد الآخر الذي ظهر فيه من على منبر جامع النوري الكبير في الموصل عام 2014 حين اتشح بالسواد ووضع ساعة يد فاخرة.
وفي مقطع الفيديو الجديد جلس على حشية وتحدث إلى ثلاثة من مساعديه. وأسندت بندقية كلاشنيكوف إلى الحائط خلفه وهو نفس نوع البنادق الذي ظهر في مقاطع مصورة لمؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وسلف البغدادي أبو مصعب الزرقاوي اللذين استخدما أسلوب حرب العصابات.
وقالت كاتز ”بدا كقائد لمجاهدين أشداء، لجماعة تمرد وليس الزعيم المدلل لدولة خلافة أحوالها ميسورة“.
وأضافت ”ظهوره حشد مؤيدي الدولة الإسلامية بقوة في كل أنحاء العالم“.
*أسلوب منظم
قال حسن أبو هنية الخبير الأردني في شؤون الإسلاميين إن التنظيم يستخدم أساليب حرب العصابات للسيطرة على بلدات مؤقتا حتى يجتذب اهتماما إعلاميا لكن هذا أيضا جزء من استراتيجية جديدة.
ومضى قائلا ”مثل هذه الحروب تحولت إلى استراتيجية للتنظيم. وهم يستخدمونها في هذه المرحلة كحروب استنزاف مثلما قال البغدادي في خطابه الأخير“.
وفي أبريل نيسان أعلنت الدولة الإسلامية أنها هاجمت بلدة الفقهاء في ليبيا وقتلت مسؤولا محليا وأشعلت النار في مقر الحرس البلدي. وقال التنظيم في بيان إعلان المسؤولية ”اقتحم جنود الخلافة البلدة وتمكنوا من السيطرة عليها لساعات قبل الانسحاب من البلدة نحو مواقعهم الآمنة“.
وفي الأسابيع القليلة الماضية نشرت صحيفة النبأ، وهي واحدة من أهم منابر التنظيم الإعلامية، سلسلة من أربعة أجزاء تحت عنوان ”إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين“.
في هذه المقالات، دعا التنظيم المقاتلين إلى تجنب الاشتباكات المباشرة مع العدو وهو الأمر الذي كانت الدولة الإسلامية تشجعه من قبل.
وشرحت السلسلة كيف يستطيع المقاتلون من خلال حرب العصابات إضعاف العدو دون تكبد خسائر. ودعت الجهاديين أيضا إلى الاستيلاء على أسلحة الضحايا وأخذ متعلقاتهم الثمينة أو إحراقها.
وقالت إن من بين أهداف هجمات الكر والفر احتجاز الرهائن وتحرير الأسرى والاستيلاء على أموال العدو.
وقالت إحدى المقالات إن من الأهداف الأخرى ”أخذ أموال الكفار بالفيء والغنيمة، وتأمين احتياجات المجاهدين من السلاح والعتاد والوقود والآليات والغذاء والدواء والأموال، وغيرها، وخاصة
في حال صعوبة تأمين هذه الاحتياجات بسبب ضعف ذات يدهم“.
*أساليب تنظيم القاعدة
تقول كاتز إن سلسلة المقالات التي توجه المقاتلين إلى حرب العصابات هي الأكثر تفصيلا التي تنشرها الدولة الإسلامية حتى الآن.
وأضافت أن اللغة تشبه تلك التي استخدمت في إرشادات أصدرها تنظيم القاعدة قبل سنوات في السعودية من خلال مجلته الإلكترونية ”البتار“ والتي حملت تعليمات عسكرية لأنصاره وخلاياه في مختلف أنحاء العالم.
ومضت قائلة إن توجيهات الدولة الإسلامية الجديدة تظهر أنها تعاني من نقص في المقاتلين والتمويل.
وعندما فقد التنظيم أراضيه خسر أيضا مصدرا مهما للدخل، هو الضرائب وإيرادات النفط بالأساس.
وقالت كاتز ”يعاني التنظيم ضعفا شديدا من النواحي المالية والعسكرية وفيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي“. وأضافت ”لذلك تسعى قيادة التنظيم لإحياء خلافته المزعومة، مع تركيز خاص على مناطق خارج العراق وسوريا“.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن التأكد من صحة كل بيانات إعلان المسؤولية التي تصدر عن الدولة الإسلامية، فقد أعلنت عن عمليات في دول مختلفة.
في 18 أبريل نيسان أعلن التنظيم عن أول هجوم له في جمهورية الكونجو الديمقراطية وإنشاء ”ولاية وسط أفريقيا“ بدولة ”الخلافة“. ومنذ ذلك الحين أعلن التنظيم عن عدة هجمات أخرى في الكونجو.
وفي العاشر من مايو أيار أعلنت الدولة الإسلامية إنشاء ولاية في الهند. وقالت إنها أوقعت خسائر في صفوف الجنود الهنود بإقليم كشمير.
في نفس اليوم اقتحم مسلحون على دراجات نارية بلدة بشمال شرق نيجيريا وفتحوا النار على السكان والجنود في هجوم أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عنه لاحقا.
كما أعلن مسؤوليته عن مزيد من العمليات في نيجيريا وعشرات الهجمات المماثلة في الأسابيع القليلة الماضية في أفغانستان والنيجر والصومال ومصر وباكستان والشيشان وسريلانكا وغيرها. وفي عدة حالات نشر التنظيم صور أعيرة نارية وبنادق وأسلحة أخرى قال إنه استولى عليها من الجنود.
يقول ليث الخوري الشريك المؤسس والمدير بمؤسسة فلاشبوينت التي تتابع أنشطة المتشددين على الإنترنت إن التنظيم يروج لنفسه من خلال تنفيذ هجمات في مجموعة واسعة من المناطق ويثبت أنه قادر على إعادة تنظيم صفوفه وتعديل استراتيجيته.
وأضاف ”يسيطر داعش مؤقتا على مناطق ويستعرض قوته ويخضع السكان المحليين بل ويضم عناصر منهم إليه، ويحط من شأن الحكومات عن طريق كشف أوجه القصور والثغرات الأمنية… هذه وسيلة لها أهمية لا يستهان بها على صعيد نمو داعش“.
ومضى قائلا إن حرب العصابات وسيلة أقل تكلفة لإلحاق الضرر وإن التنظيم يستخدم هذا الأسلوب حيثما أراد التوسع مثل شرق أفغانستان وشمال شرق نيجيريا والصومال وشمال أفريقيا وشبه القارة الهندية ووسط أفريقيا.
وقال الخوري ”تدرك الذراع الإعلامية للتنظيم أهمية تسليط الضوء على هذا، ليس من أجل رفع الروح المعنوية لقاعدة الدعم وحسب وإنما أيضا لتوسيع نطاق وجودها الجغرافي وهي مسألة على نفس القدر من الأهمية، وهو ما يؤدي إلى إنشاء مناطق اضطرابات وتوسعتها في مختلف أنحاء العالم“.