تركيا تدمر بلدة “حصن كيفا” التاريخية لبناء سد اصطناعي
إسطنبول – تنتهي اليوم الفترة المحددة لسكان بلدة ”حصن كيفا” التركية لمغادرة المكان، خشية تعرضها للغرق الناجم عن إقامة سد “إليسو”.
وبدأت تركيا في بناء السد في عام 2006، وهو سد اصطناعي افتتح في فبراير 2018 وبدأت عملية ملء خزانه المائي في أول يونيو من نفس العام.
وأقيم السد على نهر دجلة بالقرب من قرية إليسو وعلى طول الحدود من محافظة ماردين وشرناق في تركيا. وهو واحد من 22 سدا ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول، والذي يهدف إلى توليد الطاقة الهيدروليكية والتحكم في الفيضانات وتخزين المياه.
وفي وسط هذه المدينة التركية القديمة، يوجد تابوت خرساني ضخم، داخل مدرسة دينية.
كان العمال قد قاموا قبل أسابيع، بوضع الرمال فوق التابوت، الذي يعود تاريخه إلى قرون مضت، قبل أن يقوموا بصب الخرسانة عليه، أملا في حمايته من فيضان وشيك.
ويتوقع الخبراء أن تختفي بلدة حصن كيفا الواقعة على نهر دجلة، والتي تعتبر إحدى أقدم المستوطنات البشرية في العالم، بحلول نهاية العام، مع ارتفاع منسوب المياه وراء سد إليسو، وانتهاء الأمر بفيضان مياه الخزان الذي تبلغ مساحته 300 كيلومتر مربع، ومن ثم إغراق البلدة.
وبدأت معالم الحياة البشرية تظهر في هذه المنطقة، عندما بدأ الصيادون وقاطفو الثمار في إقامة مستوطنات دائمة هناك، مع بداية نشوء الحضارة مباشرة.
وعلى مسافة قريبة، يقع مزار حصن كيفا هويوك، الذي يبلغ عمره نحو 12 ألف عام، بحسب عالم الآثار جول بولهان، الذي يقوم بأعمال حفرية في المنطقة.
وتضم المدينة اليوم، بشكل رئيسي، آثارا تعود إلى العصور الوسطى، ومن جانبها، تصف زينب أهونبي – خبيرة الآثار وأستاذة الهندسة المعمارية، المنطقة بأنها “مشهد ثقافي فريد”.
وتقول “ما زال هناك الكثير من الجوانب التي تنتظر الدراسة وعمليات التنقيب”، أما خبير البيئة الألماني أولريش إيشيلمان، فقد كان أكثر صراحة، عندما وصف السد بأنه “همجية في القرن الحادي والعشرين”. وقد أمضى إيشيلمان سنوات في العمل على تنسيق مقاومة دولية للسد المثير للجدل، حتى عام 2010.
ويجلس إيشيلمان في أحد المطاعم الهادئة المطلة على نهر دجلة، حيث من المقرر أن تصل قريبا معدات لتمهيد الأرض ومساواة المتنزه الواقع في قلب البلدة بالأرض، بحيث يمكن نقل أحد آخر الآثار بعيدا، على لودرات.
وقد تم إنقاذ ثمانية من الآثار ونقلها إلى “حديقة آثار” قريبة، وتشمل قبرا يعود إلى القرن الخامس عشر، وحماما ومئذنة.
وكانت الدول الأوروبية انسحبت من المشروع في عام 2009، بمجرد أن أصبح من الواضح أن تركيا لا تعتزم الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالحفاظ على التراث الثقافي أو الطبيعة في المنطقة.
ويشير إيشيلمان إلى شجرة أمل كان قد زرعها أمام مبنى البلدية في عام 2006، مسترجعا الوقت الذي جذبت فيه الاحتجاجات مشاهير من أمثال بيانكا جاجر، والمؤلف التركي أورهان باموك، الحائز على جائزة نوبل للآداب. ويعتبر فيرات أرجون، وهو صاحب أحد الفنادق المحلية، واحدا من القلائل الذين ما زالوا يقاومون. وقد تقدم باستئناف، مدعيا أن التعويض الذي سيحصل عليه قليل للغاية. ويعتبر فندقه هو الوحيد في المنطقة.
ويعتبر أرجون البلدة الجديدة التي بنتها الحكومة، بمثابة “الجحيم”. وتقع البلدة على الضفة المقابلة على منحدر مفتوح للشمس، يعج بصفوف من المنازل التي بنتها “شركة توكي للإنشاءات”، التي تشتهر بأسلوبها المتميز في البناء، بأنحاء تركيا.
وهناك الكثير من المستاءين من جودة البناء، يقول أرجون إنه لم يحصل بعد على ترخيص لفندقه الجديد.
وكان سكان “حصن كيفا” قاموا قبل أسابيع من ارتفاع منسوب المياه، بفتح قبور لنقل الموتى إلى مقبرة في البلدة الجديدة، مما أثار استياء كبار السن.
وترى الحكومة الأمور بشكل مختلف، حيث يعتقد عمر جوزيل، الذي يمثل “حصن كيفا” في البرلمان الإقليمي عن حزب “العدالة والتنمية” الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، أن المجتمع يمر بحالة سيئة منذ فترة طويلة.
ويقول إن ارتفاع المياه أدى إلى تراجع الاستثمار على مدار عقود، مشيرا إلى فندق أرجون المتدهور كمثال على ذلك.
ويتوقع جوزيل أن تصمد بلدة “حصن كيفا” الجديدة. وستجذب القلعة، التي تحيط بها المياه حاليا، الزائرين، وسيأتي السياح للغوص وتفقد الأنقاض الغارقة. وبالنسبة للحكومة، يعتبر “سد إليسو” الواقع على بعد 70 كيلومترا من مصب النهر، بمثابة معلم سياحي من شأنه إحراز الكثير من الإنجازات، لجلب الماء والكهرباء والعمل إلى المناطق الفقيرة.
ولكن إيشيلمان يشير إلى الإمكانية الهائلة المتاحة في البلاد لاستخدام الطاقة الشمسية بدلا من ذلك، وإلى تهديد أنواع نادرة مثل النمور وسلحفاة الفرات الناعمة وأشجار حور الفرات.
وستصل الآثار المترتبة على وجود السد إلى خارج حدود تركيا. وربما تصل إلى البصرة في جنوب العراق، عندما يتم احتجاز مياه الينابيع، لن تملأ المياه “أهوار العراق” الواقعة جنوبي السهل الرسوبي العراقي، من جديد.
وتتجاوز المخاوف بشأن “سد إليسو”، أرجون وفندقه الصغير، حيث من الممكن أن تكون لتحرك تركيا بغية السيطرة على نهر دجلة، تبعات جيوسياسية في منطقة تتسم بندرة المياه
“العرب اللندنية”
87 تعليقات