ولي العهد السعودي يضغط على أسرة مسؤول سابق بالمخابرات سعيا للحصول على وثائق
لندن (رويترز) – عندما شرع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إحكام قبضته على السلطة خلال الأعوام القليلة الماضية اعتقل عددا من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والشخصيات المعارضة.
لكن شخصا واحدا ظل يراوغه هو مسؤول كبير سابق في المخابرات كان مقربا من أحد منافسيه البارزين على العرش.
وتقول أسرة مسؤول المخابرات السابق سعد الجابري إن ولي العهد عمد في الشهور الأخيرة إلى زيادة الضغط على أقاربه بما في ذلك اعتقال ابنيه البالغين لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من منفاه في كندا.
وقالت أربعة مصادر مطلعة على الأمر إن أنظار ولي العهد تنصب على وثائق متاحة للجابري تتضمن معلومات حساسة.
ظل الجابري لفترة طويلة مساعدا للأمير محمد بن نايف الذي كان وليا للعهد وأطيح به من ولاية العهد في انقلاب قصر في 2017 ليصبح الأمير محمد حاكما فعليا للسعودية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وأحد الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة.
وفي السادس من مارس آذار اعتقلت السلطات السعودية بن نايف واثنين آخرين من كبار أفراد الأسرة الحاكمة في أحدث حلقة من سلسلة من الإجراءات الاستثنائية التي تهدف فيما يبدو إلى تعزيز نفوذ الأمير محمد بن سلمان داخل أسرة آل سعود الحاكمة والتخلص مما قد يبدو تهديدا لسلطته قبل أن يخلف الملك سلمان (85 عاما) سواء بوفاته أو بتنازله عن العرش.
وقال اثنان من المصادر المطلعة على الوضع وهما من السعوديين ممن لهم صلات بذوي الشأن إن عددا من كبار مسؤولي وزارة الداخلية اعتقلوا أيضا في مارس آذار.
وتقول أسرة الجابري إنه بعد أيام من اعتقال الأمير محمد بن نايف ألقت السلطات السعودية القبض على اثنين من أبناء الجابري هما عمر (21 عاما) وسارة (20 عاما) في مداهمة ساعة الفجر لبيت الأسرة في العاصمة الرياض.
وأعقب ذلك اعتقال شقيق مسؤول المخابرات السابق في أوائل مايو أيار. وأكد ثلاثة من المصادر المطلعة على الأمر احتجاز أقارب الجابري.
وقالت المصادر الأربعة المطلعة إن ولي العهد يعتقد أن بإمكانه استخدام الوثائق الموجودة بحوزة الجابري ضد منافسيه الحاليين على العرش. وأضافت المصادر أنه يخشى أيضا أن تتضمن هذه الوثائق معلومات إضافية قد تمسه هو ووالده الملك.
وأوضح المصدران السعوديان المطلعان ومسؤول سابق في الأمن الإقليمي أن الوثائق تتضمن معلومات عن أرصدة وممتلكات الأمير محمد بن نايف في الخارج وهو ما قد يفيد الأمير محمد بن سلمان في الضغط على سلفه.
وقال أحد المصدرين السعوديين ومسؤول الأمن الإقليمي السابق ودبلوماسي إن هناك أيضا ملفات حساسة متاحة للجابري تتعلق بالمعاملات المالية لأفراد كبار في الأسرة الحاكمة من بينهم الملك سلمان وابنه ولي العهد.
وقال الدبلوماسي إن بعض المعلومات يتعلق بصفقات أراض ومعاملات، لكنه اكتفى بالقول إنها تتعلق بالملك سلمان في الفترة التي كان فيها أميرا للرياض وهو منصب أمضى فيه قرابة أربعة عقود قبل ارتقاء العرش في العام 2015.
وقال أحد المصدرين السعوديين المطلعين إن ولي العهد يريد توجيه اتهامات إلى الأمير محمد بن نايف تتعلق بمزاعم فساد خلال الفترة التي كان الأمير يتولى فيها وزارة الداخلية. ولم تستطع رويترز التحقق من تفاصيل تلك المزاعم.
وأضاف المصدر ”يريدون الجابري منذ فترة طويلة باعتباره ذراع الأمير محمد بن نايف اليمنى“.
ولم تؤكد الحكومة السعودية احتجاز ابني الجابري أو شقيقه عبد الرحمن الجابري أو تعلق على هذا الأمر. ولم يرد مكتب التواصل الحكومي على استفسارات تفصيلية من رويترز عن الاعتقالات أو أسبابها.
وقالت أسرة الجابري وأحد المصدرين السعوديين المطلعين إن السلطات السعودية اتهمت الجابري بالفساد لكنها لم تسهب في الحديث عن طبيعة الاتهامات. وتقول الإسرة إن هذه الاتهامات زائفة.
وامتنع سعد الجابري عن التعليق من خلال ابنه.
ولم تستطع رويترز التحقق من مكان احتجاز الأمير محمد بن نايف والأميرين الآخرين ولم تتمكن من التواصل معهما للتعليق.
وقال مسؤول أمريكي إن واشنطن أثارت قضية احتجاز ابن الجابري وابنته مع القيادة السعودية. وأضاف أن العديد من مسؤولي الحكومة الأمريكية عملوا مباشرة مع الجابري لفترة طويلة وإنه كان ”شريكا قويا جدا جدا في مكافحة الإرهاب“.
وقال مسؤول أمريكي ثان في واشنطن إن الولايات المتحدة على اتصال بأسرة الجابري في كندا وإنها ”تستكشف سبل المساعدة“.
وأضاف ”نحن نشعر بقلق عميق لتقارير احتجاز أولاد الجابري وندين بشدة أي اضطهاد قائم على الظلم لأفراد الأسرة مهما كانت الاتهامات الموجهة للجابري“.
وقالت سيرين خوري المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكندية إن كندا تشعر بالقلق أيضا لاحتجاز أولاد الجابري. ولم تخض في تفاصيل عما إذا كانت كندا تأخذ خطوات معينة.
* ”كانت عنده كل الملفات عن كل شيء“
عمل سعد الجابري على مدى ما يقرب من عقدين من الزمان عن كثب مع الأمير محمد بن نايف وساعد في إصلاح عمليات المخابرات ومكافحة الإرهاب وبناء علاقات وثيقة مع المسؤولين الغربيين.
وقال مسؤول الأمن الإقليمي السابق ”كانت عنده كل الملفات عن كل شيء وعن كل واحد“. وأضاف أن الجابري كان ينسق العلاقات بين المخابرات السعودية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية. وامتنعت وكالة المخابرات الأمريكية عن التعليق.
وعندما تولى الملك سلمان العرش في يناير كانون الثاني 2015 عيّن الجابري في منصب وزير دولة. وأصبح الأمير محمد بن نايف وليا للعهد في أبريل نيسان 2015.
وقال خالد الجابري ابن سعد الجابري إن العلاقات في ذلك الوقت بين والده والأمير محمد بن سلمان ”كانت طيبة فعلا في البداية“ لكنها سرعان ما ساءت وساهم في ذلك خصوم مقربون من الأمير محمد زعموا أن الجابري عضو في جماعة الإخوان المسلمين. وتنفي الأسرة بشدة صحة هذا الزعم.
وقال خالد الجابري، الذي يعيش الآن في كندا مع والده، إن والده علم بعد أربعة أشهر في أغسطس آب من العام 2015 بعزله من منصبه عن طريق التلفزيون السعودي.
وأصبح سعد الجابري مستشارا شخصيا للأمير محمد بن نايف وهو منصب ظل يشغله حتى الإطاحة بالأمير من منصبي ولي العهد ووزير الداخلية في يونيو حزيران 2017.
ووصف المصدران السعوديان المطلعان والدبلوماسي الجابري بأنه شديد الولاء للأمير محمد بن نايف.
وقال خالد لرويتر إن السلطات السعودية بذلت منذ انتقل سعد الجابري إلى كندا في 2017 محاولات متكررة لإغرائه بالعودة للمملكة سواء مباشرة أو عن طريق وسطاء.
وأضاف أن شقيقه وشقيقته مُنعا من مغادرة المملكة منذ أكثر من عامين قبل اعتقالهما وإن السلطات استجوبتهما أكثر من مرة للسؤال عن والدهما.
وقال خالد إن الأمير محمد بن سلمان قدم عرضا في 2017 لوالده للسماح لابنه وابنته بالسفر مقابل عودته.
وقالت الأسرة إنها لا تعلم مكان احتجاز الاثنين وعاجزة عن التواصل معهما. وقال خالد ”كل مرة نسأل فيها أشخاصا في الداخل (بالسعودية) يقال لنا إن الأمير محمد بن سلمان يتولى أمر احتجازهما بنفسه ولا تتعب نفسك بالسؤال عن التفاصيل“.
* مطالبة واشنطن بتقديم العون
يقول الابن خالد والدبلوماسي ومسؤول الأمن الإقليمي السابق ومصدر سابق بالمخابرات الغربية إن معرفة الجابري العميقة ببعض من أشد المعلومات حساسية في المملكة وكذلك شعبيته في الدوائر السياسية الغربية وبين بعض من قدامى مسؤولي الأمن في السعودية جعلتا منه هدفا.
وقال الدبلوماسي أيضا إن من الممكن أن يُعتبر الجابري مصدر تهديد للأمير محمد بن سلمان إذا أخفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الفوز بفترة رئاسة ثانية إذ أن الرئيس ترامب دافع عن العلاقات الاستراتيجية مع المملكة في مجالي الدفاع والطاقة خلال الضجة العالمية التي أثارها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وامتنع البيت الأبيض عن التعليق.
وقالت الأسرة إنها طلبت المساعدة من أعضاء في الكونجرس الأمريكي. وقال مكتبا السناتور ماركو روبيو والسناتور باتريك ليهي إن عضوي مجلس الشيوخ تحدثا مع أسرة الجابري.
وقال تيم ريزر أحد كبار مساعدى السناتور الديمقراطي ليهي في شؤون السياسة الخارجية إن أعضاء في الكونجرس يشعرون بالقلق ”من اختفاء الشابين بعد أن ألقت قوات الأمن السعودية القبض عليهما“.
وأضاف ”يبدو أنهما مستخدمان كرهينتين لمحاولة إجبار والدهما على العودة إلى السعودية“. وقال إن مكتب السناتور ليهي يسعى للحصول على معلومات عن مكان وجودهما ويطالب بإطلاق سراحهما.
وكان سعوديون ومسؤولون غربيون كثيرون قد رحبوا بمساعي الأمير محمد بن سلمان لتنويع الموارد الاقتصادية في المملكة بدلا من الاعتماد المفرط على النفط ورفع القيود الاجتماعية بما في ذلك القيود المفروضة على النساء.
غير أن ولي العهد أثار أيضا انتقادات لمحاولاته إسكات المعارضين وتهميش الخصوم. وقد تعرض الأمير محمد بن سلمان لانتقادات دولية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018 في قنصلية المملكة باسطنبول. وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد قالت إن ولي العهد أمر بقتله.
ونفى الأمير محمد إصدار الأمر بقتل خاشقجي لكنه قال إنه يتحمل في النهاية ”المسؤولية الكاملة“ باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة.
ويقول مراقبون سعوديون ودبلوماسيون إن الأمير محمد ازداد قلقه على وضعه في الداخل والخارج في أعقاب مقتل خاشقجي.
وأبدى بعض أفراد الأسرة الحاكمة ونخبة قطاع الأعمال شعورا بالإحباط من قيادته في أعقاب أكبر هجوم تعرضت له منشآت البنية التحتية النفطية بالمملكة في سبتمبر أيلول وهو ما سبق أن نشرت رويترز تقريرا عنه.
كذلك يوجد استياء في الداخل حيث تضرر الاقتصاد بشدة من جائحة فيروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة وهو ما أدى إلى فرض إجراءات تقشف.
ومع ذلك فلا يزال لولي العهد أنصار أوفياء كما أنه يحظى بشعبية بين الشبان السعوديين بفضل ما حققه من انفتاح في المملكة ذات المجتمع المحافظ وتعهده بتنويع الاقتصاد.