الحلقة (4) من ذكريات العقيد جبريل ولد عبد الله: الإسعافات الغذائية في الجفاف / أحمد جبريل ولد عبد الله
50 عاما من خدمة الوطن، مقتطفات من حياة الراحل جبريل ولد عبد الله
تنشر هذه المادة وفق اتفاق خاص بين الكاتب و”مورينيوز”
مع بداية سنوات الجفاف، تم اختيار جبريل ولد عبد الله منسقا عاما لعملية الإسعافات الغذائية.
تبرعت الجزائر بخمس عشرة شاحنة تم بها إطلاق العملية بعد ما أصلحت بعض أعطابها واستبدل جزء من قطع غيارها.
بعد ذلك تم تكليف جبريل بشراء خمسين شاحنة من ألمانيا، فذهب إلى ألمانيا وقابل مدير شركة مرسيدس وأخبره بالطلبية، فقال المدير إن المصنع لا يشْرع في تصنيع أقل من 500 سيارة. بعد ذلك أعطت موريتانيا الإذن لجبريل بأخذ ذلك العدد فتم الأمر، وكانت الشاحنات تتفاوت من نوعية 11-13 إلى 24-26.
كثير من تلك الشاحنات بقي صامدا حتى بعد سنوات الجفاف بكثير، فقد أدّت شاحنات المرسيدس مهمتها على أكمل وجه، وبعد ذلك تم بيعها لرجال الأعمال وبعض المواطنين، وكان الوالد إذا مرت عليه إحدى تلك الشاحنات فيها سائق وعمال، يقول لي: “الحمد لله أني أتيت بهذه الشاحنات فأدت خدمتها، وبعد ذلك كانت مفتاح رزق للمواطنين، ومازالت تعمل إلى الآن”.
كان جبريل محاطا في تلك العملية، بإداريين أكفاء في جميع الولايات، وقادة وحدات عسكريين، وسائقين، وعمال، فكانوا جميعا على قدر المسؤولية.
وكان عدد الشاحنات المسعِفة إذا بلغ ثلاثين شاحنة، خرج بها جبريل بنفسه حتى يوصلها إلى الوحدة، ثم تسلمها الوحدة للسلطات الإدارية المعنية.
وذكر لي أنه خرج مرة مع شاحنات محملة بالمؤونات الغذائية، فلما وصلوا إلى ألاگ قرروا المبيت. فسرق أحد السائقين محرك شاحنته واستبدل به محركا آخر لشخص كان ينتظره هنالك.
في الصباح طلب منهم جبريل أن يشغلوا الشاحنات، وطاف بها كعادته ليتيقن من جاهزيتها، فلما وصل إلى الشاحنة المسروق محركها، سمع صوتا لم يكن قد عرفه فيها، فسأل السائق: ما بال هذه؟ فلم يخبره، فلم يزل يسائله والسائق يطمئنه أن الشاحنة طبيعية. فلما ضغط عليه في المساءلة اعترف السائق بالأمر. فأمر جبريل الشاحنات بالانطلاق وبقي مع السائق إلى أن دله على الشخص الذي أخذ من عنده المحرك، فرد جبريل المحرك إلى الشاحنة، وأعلمَ الولاية بالقصة، وقُبض على الرجلين.
ومما يذكره أيضا جبريل في تلك الحقبة، أن رجل الأعمال عبد الله ولد النويگظ كان مكلفا باستيراد عجلات الشاحنات. فاحتاج مرة جبريل إلى عدد كبير من العجلات، فأرسل إلى مخازن ولد النويگظ يريدها، فقال أمين المخازن إن مخزون العجلات قد نفد. فغضب جبريل وذهب إلى ولد النويگظ وعاتبه، فقال ولد النويگظ إن العجلات موجودة، ثم ذهب به إلى مخزن من مخازنه، فإذا فيه 1000 عجلة،أي أن الكمية تفوق المطلوب بكبير.
كانت عملية الإسعاف شاقة جدا على جبريل، وذكر لي أنه كان إذا وصل بالشاحنات إلى معبر جوك يتوقف هنالك، ولا يكِل الصعود بالشاحنات إلى السائقين. فكان يصعد بالشاحنة إلى أن يعبر بها المرتفع، ثم يرجع إلى شاحنة أخرى عتى يعبر بالشاحنات كلها، وكان أقل عدد للشاحنات 30 شاحنة.
ظلت العملية تجري في تلك الظروف القاسية والصعبة، إلى أن قرعت طبول حرب الصحراء.
حينئذ أعد جبريل مع رفاقه تقريرا لجاهزية الجيش من ناحية العدة والعتاد لوزير الدولة أحمد ولد محمد صالح، في انتظار اطلاع الرئيس على التقرير. وذلك ما سنتحدث عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله