الملابس المستعملة.. ماركات عالمية في متناول الفقراء ومحدودي الدخل
و م أ—
أصبح الإتجار بالملابس المستعملة والمستوردة أو ما يعرف محليا ب “أفكوجاي” داخل الأسواق الموريتانية ظاهرة مألوفة لدى الجميع، و وجهة مفضلة لأصحاب الدخل المحدود من المجتمع نتيجة أسعارها المناسبة للمستوى المادي للطبقات الهشة من المجتمع، ولكونها توفر فرص عمل لعدد من المواطنين الذين دأبوا على امتهانها لتحصيل قوتهم اليومي، بعيدا عن الاتكالية والرضوخ لإكراهات الحياة المتلاحقة.
وقد وفرت هذه المهنة آلاف فرص العمل لمواطنين موريتانيين عانوا شبح البطالة ردحا من الزمن .
ولتسليط الضوء أكثر على خفايا هذه المهنة والغوص في حيثياتها وتفاصيلها إلتقى مندوب الوكالة الموريتانية للأنباء ببعض تجار الملابس المستعملة وبعض مرتاديها في العاصمة نواكشوط لسبر غور الصورة الناصعة التي تكتنف عمل ممتهني هذه المهنة بدءا من جلبها من الخارج مرورا بجمركتها وصولا إلى بيعها في الأسواق الوطنية.
وفي هذا السياق يؤكد تاجر الملابس المستخدمة “أفكوجاي” سيدي (32) عاما،أن هذا المجال استقطب آلاف الشباب الموريتانيين العاطلين عن العمل منذ أمد، حيث شكل مصدر دخل للكثير من المواطنين ومحفزا على نبذ الكسل وعدم الاتكال على الغير رغم متاعبه الجمة.
وأضاف أن هذا العمل كغيره من الأعمال الحرة يعتريه من العراقيل والمعوقات ما يؤثر على إرادة الممتهنين له، لذلك لا بد لمن اختاره من الإرادة الجادة، والاستعداد التام للعمل الدؤوب دون ملل ولا كلل.
وقال إنه بدأ أولى تجاربه في هذا المجال منذ ما يناهز سنتين من الآن تقريبا، بعد أن اتضحت له إمكانية الاستفادة منه،انطلاقا من القياس على زملاء شقوا طريقهم قبله نحو النجاح.
وتابع : بدأت أولا بشراء البضاعة كرزمة ملابس مستخدمة “بالوطة” بسعر يناهز المائة ألف أوقية قديمة وكانت أرباحها مقبولة وواصلت بعد ذلك توسيع النشاط حتى أصبحت أتعامل مع تجار كبار، يستوردون البضاعة من الخارج و يتولون جميع إجراءات التوصيل إلى البلد، مؤكدا أن دخله يتراوح من 5 إلى 20 ألف أوقية لليوم، رغم أن الدخل متأرجح، إذ يزيد وينقص بعض الأحيان، وهذا ما شجع على المواصلة، مشيرا إلى أن غالبية المواطنين يفضلون شراء الثياب المستخدمة نتيجة لجودتها العالية وأسعارها التي تناسب دخل الطبقات الهشة وترضي أذواقهم المختلفة.
وقال إن عملية الاستيراد من الخارج تأخذ وقتا، بحيث ينتظر وصول الكمية المطلوبة مرورا بإجراءات الشحن والجمركة لتنتهي أخيرا بالتوزيع داخل الأسواق، بعد ذلك يشرع في فتح الحاويات وعرض الملابس وتنظيمها وعزل الثياب الصالحة منها بالترتيب حسب الجودة ، بحيث تكون ملابس كل جنس على حدة، تسهيلا على الزبناء.
وبين أن ثمة زبناء خاصين يتم إخبارهم فور وصول أي دفعة جديدة ليكونوا حاضرين وقت فتحها حتى يتسنى لهم اختيار الكمية التي يرغبون في شرائها بالجملة أو الفرد، ومن ضمن هؤلاء الأشخاص تجار مبتدئين، ومنهم كذلك شباب راغبين في اقتناء ثياب بماركات عالمية وأحذية وأغراض أخرى بأسعار زهيده.
وأضاف أن هذا المجال يمتاز بعدة مزايا تشجع الممتهنين له على مواصلة أعمالهم التجارية، مما ساهم إلى حد كبير في الحد من البطالة داخل البلد خصوصا في صفوف الشباب الموريتانيين العاطلين عن العمل.
وأشار إلى وجود منافسة قوية للمواطنين العاملين في هذا المجال من طرف الأجانب الذين يعتمدون على ممثلين دائمين لهم بالخارج وخاصة في بعض الدول التي تمتاز بجودة الثياب المستوردة منها.
وقال إن حال الكثير من الأجانب تغير نحو الأفضل وتحولوا إلى رجال أعمال ناجحين في ظرف قياسي ومن سلبيات ذلك تحويل مدخراتهم من هذه المهنة خارج موريتانيا، لذلك يجب تشجيع التجار المحليين لتكون الاستفادة محلية بامتياز.
وطالب بضرورة إيجاد سوق خاص بالملابس المستخدمة لما لها من أهمية على المواطنين خصوصا ذوي الدخل المحدود لتساعدهم في شراء الملابس لأسرهم بسعر يناسب مستوياتهم المادية.
من جهة أخرى يرى م- س (35) سنة خريج جامعي “مستهلك” أن مجال الإتجار بالملابس المستعملة داخل موريتانيا يشهد إقبالا كبيرا من المواطنين خصوصا الفئات الأكثر هشاشة، وذلك بسبب توفره بأسعار مقبولة لدى الجميع، خلافا للملابس الجديدة التي توجد في السوق بأضعاف أسعار الثياب المستعملة.
وقال إنه تعود على اقتناء الملابس من هذه المحلات، مؤكدا على وجود العينات الجيدة ذات الطابع العالمي ضمنها من كل الأحجام التي توافق ذوقه وتلبي حاجياته و بأسعار معقولة.
و يضيف أن البعض يشكك في إمكانية نقل عدوى المرض من خلال هذه الملابس المستوردة وخاصة الأمراض الجلدية، رغم أن التجار يؤكدون تعقيمها في مصانع عالمية قبل دخولها إلى السوق.
ويضيف أنه مع يسر الحصول على الثياب المستخدمة مقارنة بالثياب الجديدة داخل الأسواق، فإنها تحتوي كذلك على ماركات عالمية الجودة وبسعر زهيد مقارنة بسعر الثياب الجديدة داخل الأسواق المحلية.
وتابع” من هنا يفضل الكثير من المتسوقين البدء أولا من جانب الثياب المستعملة “أفكوجاي” لاقتناء حاجياتهم من الملابس الجيدة من كل الأحجام والأشكال للجنسين وبسعر يلائم إمكانياتهم المادية، كما يجدوا فيها أحيانا بعض الأغراض المنسية علاوة على ذلك”.
وأشار إلى أن أسعار هذه الملابس لا تعرف الاستقرار، حيث تتفاوت أسعار الجملة حسب الجودة والطلب، فثمة رزم ملابس “بالوطات” تصنف على أنها ذات جودة عالية وأخرى أقل جودة، وبذلك يظل سعرها يتأرجح حسب الأهمية والجودة، كما يعتبر سعر الجملة للملابس الرجالية هو الأغلى من حيث السعر، و يليه سعر الملابس بالجلمة بالنسبة للملابس النسائية، ثم تأتي من بعد ذلك ملابس الأطفال.
أما السعر بالنسبة للفرد لكل العينات آنفة الذكر، فيبقى حسب ما اتفق عليه البائع والمشتري دون تحديد سعر ثابت له مسبقا.
إعداد: محمد يحظيه ولد سيد محمد