من تاريخ الكادحين ( 19) .. مهمة عاجلة فى روصو /بدن عابدين
من عواجل المهمات لا زلت اتذكر انه بعدما جنّ
علينا الليل فى مدينة نواكشوط استدعيتُ على عجل الرفاق؛ محمود رياض وبوبه ولد الطيب،والداه ولد سيد ألمين،
وهم من أشُدّاء رجال المهمات الخاصة عندنا.
دار الحديث حول ضرورة تحويل سريع لصناديق
حديد تحوى وتائق وأغراضاً من الدرجةالاولى فى
السرية والخطورة من مدينة روصو الى مخابئ المنظمة فى كبات نواكشوط الأكثر أمناً وتحصيناً
بوبه ولد الطيب شاب فى ربيع العمر قصير القامة صبور وجلد ماهرٌ فى سياقة السيارات
عزمه حديد، تصميمه لا يعرفُ الوهنُ اليه سبيلاً
متشبعٌ بافكار الكادحين وهب حياته للشعب
المظلوم ! أخذ الكلام فى الاجتماع وقال أنا آتيكم بالسيارة وهي جاهزة لأداء المهمة على
الوجه الأكمل وأضاف: عمي غيثى ولد عبد
الحي تغمده الله برحمته واسكنه فسيح جناته
عنده سيارة لهموم الاسرة سأطلبه ومتأكدٌ انه
سيسمح لي بأخذ السيارة وسأردها فجراً بعد
أداء المطلوب! كان المغفور له غيثى عبد الحي
عضواً فى المكتب السياسي لحزب الشعب،عُرِفٓ
بالشهامة وبالكرم وبالحكمة وسداد الرأي.
أما المتحدثُ الثانى فكان الرفيق محمود رياض
وهو من خيرة الكوكبة القيادية فى مجموعة المهمات الخاصة ، وهو شاب نذر حياته كلها للبؤساء والمهمشين ، شجاعٌ قلبه قلبُ أسد!
أعطى محمود رأيه حول الخطة بتفاصيلها .
أما ثالث الحاضرين سبق لى ان تحدثتُ عنه
فى الحلقة.التاسعة من تاريخ الكادحين كُتبٓ له
النجاح فى جميع المهمات التى أُسندتْ اليه
خلال سنوات الجمر والتحدى! أجبته على سؤال سابق فى سلسلة ما كتبتُ عن الكادحين :
“أخى العزيز الداه سيد ألمين، أحييكم وأثمن عالياً ما قمتم به
أيام كُنتُم إطاراً بارزاً فى المهمات الخاصة. وهبتم حياتكم ،شبابكم الغالى،ليلكم ونهاركم إعلاءً لمصلحة
المهمشين ومن لا نصير لهم الا الله.
أنا شاهدٌ والله على ما أقول وكيل وكفى بالله شهيداً أنكم أخلصتم خدمةً للشعب الموريتانى بجميع مكوناته لا تأخذكم فى النضال لومةُ لائمٍ ولا تعرف تضحياتكم الجمة حدوداً ولا توقفاً.”
وافق الجميع على الشروعِ فى العمل وصمموا على الفوز! وفقاً لمبدإ ” فى الجُبْنِ عارٌ وفى الإقدامِ مكرُمةٌ.. والمرْءُ بالجبْنِ لا ينجُو من القٓدٓرِ..”
بدأنا المسير نحو روصو، تستغرق الرحلة ساعتين أو تزيد قليلاً ، عبرناجميع نقاط التفتيش دون عناء . أخذ تجهيز الحمولة الخطيرة بروصو
بعض الوقت ، أدخلنا شياهاً كانت تُسْتخدم فى
المنطقة غطاءً لبعض الأماكن ركبتْ بهدوء مع
صناديق المحظورات ، وبدأنا الخروج من المدينة
متوجهين صوب نواكشوط عند ملتقى الطرق القريب من السوق أوقفتنا فرقة من الشرطة صوبوا الاضواء الكاشفة على بضاعتنا قلتُ لهم
ان الجو ساخنٌ لذا اضطررنا للخروج فى الوقت
المتأخر هرباً من الطقس الساخن ! لكن باعتقادي وجود الشياه وصغارها ساهم فى إقناع
المفتشين بأن الامر لا شُبهة فيه ، فأذنوا بالعبور!
فى الطريق الى العاصمة نواكشوط تجاوزنا بسهولة نقاط التفتيش الأمني ولما اقتربنا من مدخل العاصمة الجنوبي أطفأنا الأنوار لنصل
لأقرب نقطة من المخابئ ، تفادياً لنقل الصناديق
عبر مسافة طويلة نظراً لوزنها الثقيل. بينما نحن
سائرون على الطريق فى الظلام الدامس وفى صمتٍ ثقيل اذ فوجئنا بأضواء كاشفة تُعمى البصر مصدرها دراجتان للدرك كدنا نتخطاهما
دون علم ! بادرتُ اولٓ من وصلنا من الفريق بسؤال عن ما إذا كان عندهم بعضُ البنزين
“عِصٓانْصْ ” لان سيارتنا نفدت منها هذه المادة
ولذا اطفأنا الأنوار اقتصاداً ! وهو مبرر أوْهٓنُ من بيت العنكبوت ! لكنه اقنع رجل الأمن فأعتذر
قائلا بأدب :دراجاتنا تستخدم خليطاً من الزيت
والبنزين لا يصلحُ استخدامه فى السيارات العادية .
وعندما امرنا بالعبور سمعتُ زميله الواقف على
جانب الطريق الأخر يُردّدُ مستغرباً: لا علاقة
لضوء السيارة باستهلاك البنزين وهو على حق،
لكن فات الاوان وسلمتِ الطرود وسرّها الدّفين!
أنزلنا الحمولة على مقربة من المخازن السرية
وخبأناها عن الاعين وعدنا الى قواعدنا سالمين .
يتبع بحول الله