“سقوط” آخر مدرسة ترحل خلف “المزن” على الجمال
أغلقت آخر مدرسة متنقلة في تكانت وأعتقد أنها الأخيرة في موريتانيا كلها هي مدرسة “أهل تكدي” التي كانوا يرحلون بها على الجمال خلال السنوات الأخيرة وساعدت في تعليم أطفال البادية.. زرت مخيم أهل “تكدي” قبل أعوام عند “قلب شوي” في القطاع الشمالي من تكانت وكتبت عن المدرسة ما يلي:
تيمجيج (موريتانيا) – “مورينيوز”- من الشيخ بكاي –بين “أشاريم” و”قلب اشوي”، و”تيمجيجات” يرحل حي “أهل تكدي”، وترحل معه مدرسته النظامية التابعة لوزارة التعليم.
“إنها آخر قلعة لم تسقط بعد في ولاية تكانت التي عرفت مدارس من هذا النوع تساقطت واحدة تلو الأخري بفعل حرب طاحنة يتحالف فيها الزمن والحكومات وتدهور نمط إنتاج الريف، ضد الحياة في الفضاءات الرحبة”. كما قال أحد أطر الولاية من عشاق البادية.
منازل مر بها أقوام آخرون، ومدارس نظامية، و” محظرية” انتهي بها وبهم الترحال إلي حيث لا رحيل … وأصبحت قصصا ترويها الأطلال في “بهجة” تيمجيج، وحزام مرتفع ” إحياك”، وسهل ” تنيامل”.
واستقر نحو السبعين في المائة من الموريتانيين خلال العقود الأخيرة إلا أن كثيرين ما زالوا يرحلون خلف المزن، وينتجعون المراعي تبعا لحالة كل موسم. ولا يريد هؤلاء الاستقرار.
وقال علي ولد احمد لـ ” مورينيوز”: ” لا نري في تجربة الذين سقطوا في القري ما يدفعنا إلي ذلك.. لقد تخلوا عن مواشيهم ونمط العيش الذي عرفه أسلافهم وتحولوا من أغنياء إلي فقراء معدمين يخنقهم تجار القري كل صباح ومساء”.
ولكلمة “السقوط” معناها لدي البدوي فالذين استقروا في رأيه أناس فعلوا ذلك مضطرين. وهي إحالة إلي قحط السبعينات وبعض سنوات الثمانينات التي أفقرت البدو وجعلتهم يستقرون بالقرب من نقاط توزيع الإعانات الغذائية التي تحولت في معظمها إلي قري دائمة.
يعمل محمد محمود ولد زاروق معلما يرحل مع مدرسته علي الجمل. وهو يقول إنه”يعيش الكثير من الناس في البادية، ومرتبط بها ارتباطا وثيقا، ولا يمكن أن يفرض عليه دخول المدينة، نظرا لان اعتماده المعيشي علي الماشية”. وهو يعتقد أن “هذا النوع من المدارس ضروري لتمكين أطفال البادية من التعلم”.
يشكل حي”أهل تكدي” نقطة جذب للأحياء البدوية التي تحاول البقاء علي مسافات قريبة منه و- حسب حالة المراعي- لتمكين أطفالهم من التعلم.. وتربط المدرسة هذا الحي الذي ظل متماسكا بفضلها.
وقال لي رئيس المجموعة محمد ولد تكدي إنه يبذل جهودا كبيرة من أجل إقناع أهل البادية بتعليم أطفالهم ، مشيرا إلي أن “البعض يأتي من مسافة كيلومتر والبعض من مسافات أقل ، أو أكثر”.وأكد ان “أهل البادية راغبون كلهم في تعليم أطفالهم إناثا وذكورا، في مدرستنا لأنها تسمح لهم بالبقاء مع مواشيهم” .
ويشعر ولد تكدي بالاسي فهو يعرف أنه “سيأتي اليوم الذي لا يعود فيه الترحال ممكنا”ويتحدث ولد زاروق عن ظروف التدريس تحت خيمة تزيلها الرياح أحيانا من فوق رؤوس الطلاب والمعلم لكنها تقام من جديد، ويستأنف الدرس. ويقول ولد زاروق إن”رقبة جمل البدوي تخبر عن من هو، فهي تحمل ميسم قبيلته، وهو لذا لا يهتم ببطاقة التعريف وشهادة الميلاد التي يري معلم المدرسة أنها ضرورية لقبول الطفل في مدرسته”. ويضيف:”نضطر إلي كسر القانون بقبول أطفال من دون شهادات ميلاد لأننا إذا طبقنا القانون نحرم كثيرين”.
ومن المظاهر التي يتحدث عنها المعلم أن الطفل “يدخل المدرسة هذا العام ، وينتقل أهله الي وجهة أخرى لمدة سنة او اثنتين تبعا للانتجاع ، ثم يعود الي المدرسة وكأن شيئا لم يحدث”. وعند افتتاح كل سنة جديدة “قد يجد المعلم نفسه أمام تلاميذ جدد يصل عددهم أحيانا نصف عددالصف…”. ويضيف أنه لحل هذا المشكل “يلجأ المعلم دائما إلي اعتبار الفصل الواحد عدة فصول”.. غير أن ولد زاروق يعتبر أنه “رغم هذه النواقص،ورغم الصعاب تبقي المدرسة المتنقلة ذات أهمية كبيرة وتلعب دوراأساسيا في نشر التعليم، والرفع من مستوي سكان الريف”.وتراجع عدد المدارس المتنقلة نتيجة الكثير من العوامل منها الاستقرار، ومنها ايضا الحملة الرسمية الداعية حتي إلي تجميع القري من أجل أن تتمكن الدولة من تقديم الخدمات الضرورية، لكن ما لا يعيه القائمون علي الشأن العام هو أن البادية ما تزال نمطا إنتاجيا ضروريا ومطلوبا في غياب أسلوب حديث للتنمية الحيوانية. وفوق هذا هناك من لا يقبلون الاستقرار، ولهم الحق في تعليم أطفالهم.
ملاحظة:
المقابلات الأصلية لهذه المادة أجريتها لـصالح بي بي سي ” وأعددت لها تقريرا انطلاقا منها.
100 تعليقات