قمة الحرير من الداخل.. خواطر مراسل
بيكين- “مورينيوز”- من المصطفى ولد البو- بدأ يومنا الأول مبكرا حيث انطلقنا فجرا في محاولة للخروج من وسط العاصمة و الذي يشهد زحاما كبيرا عند بداية الدوام. نزلنا من الباص بعد تفتيش أولي ثم ركبنا باصا آخر، و بعد ربع ساعة تقريبا دخلنا منطقة خاوية على عروشها إلا من رجال الأمن عبارة عن مربع أمني محكم الإغلاق بعدها بدأ تفتيش أكثر دقة و صرامة، كان المكان يعج بآلاف الصحفيين و المراقبين و كنت و لبعض الوقت مشدوها من جمال المكان و روعة التنظيم.
دخلتُ القاعة مع مئات الصحفيين بل قل الآلاف و لم يحدث أي إشكال ” مروري ” و الفضل يعود لمئات المساعدين المنتشرين في المكان و الذين يشيرون بأيديهم واحدا تلو الآخر عبر ممرات و سلالم القاعات و حتى مقعد الجلوس، كلهم شباب و يتحدثون الإنجليزية بطلاقة. أخذ الجميع أماكنهم و تناولنا أجهزة الترجمة و أعُلن عن افتتاح المؤتمر، بدأ الرئيس الصيني بالكلام معددا نقاط أهمية مبادرته و داعيا المترددين و حتى الرافضين للالتحاق بالقافلة المحملة حسب وصفه بالكنوز ، بعدها بدأ فلاديمير بوتين خطابه و الذي كان عبارة عن جمل مجاملات و عبارات بروتوكولية يستخدمها الضيوف غالبا للتعبير عن الامتنان لكرم الضيافة و إن تضمنت كلمات ثقيلة من قبيل الاقتصاد و التعاون و السيادة و الأمن و هو نفس الأسلوب التي انتهجه رجب طيب أردوغان كما أن الرئيس الصيني لا يعول كثيرا على خطابيهما بقدر ما يعول على مساعدتهما له في إقناع القارة العجوز بالتخلص من خوفها غير المعلن من المبادرة الصينية.
الصين تكاد تكون ضمنت موافقة الدول الآسيوية على بنود الاتفاق التجاري في مبادرة طريق الحرير الأمر الذي سيمكنها من عزل خصمها اللدود الهند أكثر فأكثر، أما بالنسبة للقارة السمراء فهي تتعامل مع المبادرة كفرصة لن تتكرر ستساعدها في التغلب على مشاكلها الاقتصادية و المالية كما أنها ستخلق فيها طفرة بنية تحتية كبيرة و تقدم تكنولوجي. مثلت كل من إثيوبيا و كينيا إفريقيا في هذه القمة و هما دولتان مدللتان في بيت التنين الأحمر و الأسباب معروفة أغلبها اقتصادي و مصالحي و نفعي و للخبراء الاقتصاديين صولات و جولات حول هذا الموضوع.
انتهى المؤتمر و خرجنا من القاعة و ابتسامات المساعدين البروتوكولية تودعنا من كل جانب، اختفى الزعماء دون فتح أي مجال لطرح الأسئلة بعدها توجه بعض الصحفيين إلى المطعم و هو قاعة كبيرة كل الأطعمة الموجودة فيها حلال تقريبا كما المشروبات، و هي أيضا مكان لكثير من النقاشات بعضها له علاقة بالقمة و أغلبها عن الشؤون الداخلية لبلدان المتناقشين وتوجه البعض الآخر للمركز الإعلامي حيث الحواسيب الكثيرة و المنتشرة على مكاتب صغيرة مخصصة للعمل الصحفي، يضم المركز أيضا استوديوهات بث وتصوير خاصة بشكل كامل لوسائل الإعلام الصينية.
الأسئلة التي طرحها جميع الصحفيين الصينيين تقريبا علينا كانت عن انطباعنا عن القمة و عن التنظيم و عما إذا لفتت انتباهنا أي كلمة من خطاب الرئيس الصيني.
في اليوم الثاني و بعد المرور بالتفتيش، دخلنا المركز الإعلامي كان أقل ازدحاما ذاك أن القادة لن يجتمعوا في قاعة المؤتمرات الملاصقة له كما حدث في اليوم الأول.
بعد انتظار ساعة و نصف تقريبا، طُلب منا ركوب باصات خاصة، اختارت كل مجموعة باصها و انطلق الجميع في قافلة كانت رحلة طويلة استمرت لساعات حتى وصلنا لضواحي العاصمة بكين ثم ظهر قصر فخم و فاخر على أرض خضراء مسيّجة بالكامل كان شبيها بالمنتجع الذي يقصده الرؤساء عادة في عطلهم للاستجمام.
انتظمنا في صف طويل وبدأ الأمن في تفتيشنا بشكل دقيق جدا هذه المرة، كان الأمن أكثر منا عددا أو هكذا يُخيل إلي لانتشاره الواسع في المكان من الداخل و الخارج، أخذنا أماكننا بعد ساعات في الطريق و ساعتان في انتظار بداية المؤتمر، دخل الرئيس الصيني و بدأ خطابه الذي لم يستغرق سوى أربعة دقائق تقريبا ثم أُعلن عن إسدال الستار على المؤتمر، وجدتُ الأمر غريبا بعض الشيء و قرأته بشكل مختلف فالخطاب سريع و لا يجيب على أي من الأسئلة التي انتظرناها و لا حتى يعطي إشارة لوجود توافق على أي نقطة من النقاط التي تضمنتها المبادرة، انتابني الفضول و بدأت أبحث و مما توصلتُ له أن أوروبا أو بعض الدول الأوروبية ربما تكون قد منعت طريق الحرير من المرور عبرها بتحفظها الشديد على الشق التجاري للمبادرة و رفضها التوقيع إلا بعد تقديم الصين لضمانات كافية متعلقة باحترام البيئة و حقوق العمال فهل تقوم الصين بتعديل بعض النقاط ذات الخلاف مع القارة العجوز و تقديم ورقة جديدة في قمة الحرير الثانية التي ستعقد في العام 2019، سؤال نتركه لأصحاب الاختصاص و العارفين بآليات الاستشراف السياسي و الاقتصادي.
عدنا على نفس الباصات على شكل قافلة و وصلنا بعد ساعات للمطعم حيث تناولنا العشاء و ما هي إلا لحظات حتى وصل الباص الخاص بنا و الذي أوصلنا لمقر إقامتنا.
كنتُ مع زملائي ممثلي بلدان إفريقيا و شرق و غرب آسيا و دول أمريكا الجنوبية و بحر الكاريبي، و كان لكل منا زاوية مختلفة ينظر منها لهذا الحدث المهم لكننا اتفقنا جميعا على أن حضورنا مثّل علامة مضيئة في مسيرتنا المهنية و لحظة لن تنسى من سيرتنا العملية و الشخصية.