إلى الناعقين وأفاعي السوء/ الشيخ بكاي
وسط شحيج البغال يمتطيها المطبلون لـ “أحمر الشفاه” وجلبة الحمَّارة يتقدمها النُّهاق، تضيع أصوات الأذان، وصهيل الخيول، وقعقعة السلاح المقدس..
بين حفر “التزلف” و”مواخير الطمع”، والجهوية البغيضة وحقد السياسيين، تضيع حقائق ناصعة شكلت الوجه الحقيقي الجميل لهذا البلد.
تجاوز “الناعقون من ذوي الشفاه الحمراء” الحد في الاساءة إلى العلم والعلماء والمتصوفة، والجهات والقبائل وتاريخ البلد، وإلى رجال أسسوا لقيام الدولة الحديثة..
وقبعت “أفاعي السوء من رافضي الحالة السياسية الراهنة” وراء الجهوية البغيضة، والفئوية، والحقد السياسي الأعمى، تنفث السم الزعاف في جسم البلد.. صورت تاريخه المجيد “لصوصية” و”نهبا” وسيبة”.. أساءت إلى الأحياء والأموات وزيفت التاريخ..
موريتانيا لنا كلنا بحسنات أنظمتها وسيئات تلك الأنظمة.. ولم نستشر في من يحكمنا.. جاء الحكام رغم أنوفنا من أول رئيس إلى الذي نحن تحت قبضته الآن، وكلهم مسؤول عن أفعال أحسن في بعضها وأساء في البعض.. ومن العبث إذن خوض معارك تبرز هذا وتسيء إلى الآخر، إلا في حدود حقنا كلنا أيضا في نقد من نصب نفسه حاكما علينا، من دون تخندق جهوي أو قبلي…
و”المقاومة ” هذه التي يمتطيها “الناعقون” المنافقون و”أفاعي السوء” هي فخرنا بشقيها الثقافي والعسكري.. ومن غير المنصف التقليل من شأن الوقوف في وجه التغلغل الثقافي الفرنسي والعمل على تحصين “المجتمعات”.. هو “جهاد” لمن يحرص على هذه التسمية، و “مقاومة” لمن يريد استخدام هذا المصطلح.. ولا أرى شخصيا فرقا بينهما..
بذلت المقاومة الوطنية ما تستطيع، وسطرت بطولات لن يمحوها المسيؤون.. استشهد كثيرون، وهاجر البعض، قرر البعض المهادنة، وأسكت الفرنسيون مدافع البقية.. مسألة عادية… غير العادي هو الإساءة إلى التاريخ وإلى أشخاص ما زالوا أحياء بوصف أجدادهم بـ”اللصوص” و”البغاة” و”الهنتاتة”..
عرفت أنحاء موريتانيا كلها “المقاومة” أو “الجهاد” – سمه ما شئت”.. المهم أن تلك الأوصاف المشينة تزييف للتاريخ، وإساءة بالغة إلى الموريتانيين في جميع المناطق..
في المنطقة التي أنحدر منها هناك من ما يزالون يعيشون كابوس التعذيب والتجريد من اللباس والارغام على إضرام النار في خيمهم.. كان ذلك ردا فرنسيا على عمليات المقاومة.. في هذه المنطقة هناك أسماء مقدسة أُقدِّم منها مثلا الشهداء عبد الرحمن ولد أحمد دونه محمد ولد خواه، امبيركاتو البطلة التي أنقذت ولد الحامد قائد معركة الرشيد، سيدي ولد الكيحل، امحمد ولد الدويك، سيد الامين ولد عبد الرحمن..
حينما يوصف شهداء الرشيد بـ”اللصوص” و”البغاة” يكون ذلك تزييفا للتاريخ وإساءة بالغة… وبالمستوى نفسه هل من المقبول أن نصف شهداء “أم التونسي” والمقاوم الشيخ ولد عبدوكه وبكار ولد سويد احمد ومحمد المختار ولد الحامد باللصوص و”الهنتاته”؟
وهذه “اللصوصية” و”البغي” و”الجهالة” التي قاد الخلاف حول التعديلات الدستورية إلى وصم المجتمع القديم بها مسألة بشعة وغير صحيحة ( وللشذوذ حكمه)…
نعم عرفت “المجتمعات” الموريتانية حروبا بين القبائل والأحلاف.. ولانعدام سلطة مركزية كانت كل قبيلة بمثابة الدولة التي لها رقعتها الترابية التي تدافع عنها ولها عرض تذود عنه ومصالح تحميها مثل الدول في عصرنا تماما… ولم تكن “الجهالة” هي الحكَم.. كان لكل “مجتمع” علماؤه وقضاته وحكماؤه الذين يعرفون معنى أن يسيل دم المسلم.. وأورد هنا ما ثبت من رواة يوثق بهم عن أحمد ولد امينوه الذي كان يذهب إلى حي الأعداء يطلب حقن الدماء، وحينما يرفضون يرحل أمامهم ثلاث مرات فإن تبعوه حاربهم..
في الختام : ملاحظة لا بد منها: لا أعمم بأي شكل من الأشكال فأنا أخص فئتين: “الناعقين من ذوي الشفاه الحمراء”، و “”أفاعي السوء” من رافضي الحالة السياسية الراهنة”..